05-أبريل-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

فريق التحرير - الترا جزائر

ربّما لا يعرف كثيرون أن الفنانة نوال مسعودي مثّلت وهي طفلة سبعة أدوار في مسرحية واحدة، كانت سببًا في طلب خدماتها التمثيلية من قبل المسرح الجهوي بباتنة، لتنطلق مسيرتها الفنية الاحترافية من هناك ولتحلق عاليًا في عالم المسرح والتلفزيون والمهرجانات الوطنية والدولية.

نوال مسعودي "الترا جزائر": وزارة الثقافة جمّدت مسرحية "كفن البروكار" وأهيب بالوزيرة صوريا مولوجي أن تعيد النظر في القرار

مثّلت الفنانة البلاد ورفعت رايتها في تونس والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة، والكويت، لكن هذه الطاقة "المرعبة" فوق الخشبة لا تزال معطلة في الجزائر، رغم تعدد مواهبها الكوميدية والدرامية، ومغيبة لأسباب مجهولة عن المسلسلات التلفزيونية السنوية والموسمية الخاصة برمضان، والمحصلة النهائية تقول لي "مثلت بلدي في أكبر المحافل المسرحية، لكن تكريمي في خارج الجزائر يفوق تكريمي داخلها بكثير".

مدرسة الطفل

تفتخر نوال بكونها خريجة مدرسة الطفل، تقول ذلك وتعيده على رؤوس الأشهاد، مؤكّدة في حديث إلى "الترا جزائر" أنها "بدأتُ التمثيل المسرحي وأنا ابنة السابعة، وفي أعوام البراءة تلك ولأني كنت مولعة بالمسرح فقد انخرطت باكرًا في جمعية أطفال للمسرح والموسيقى، وبالتبعية فأنا ابنة العرّاب محي الدين بوزيد الشهير محيو رحمه الله، الذي ربانا على جمالية فن المسرح والقيم الأخلاقية للحياة".

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

عن تلك الفترة التأسيسية، تضيف "رغم أننا كنا صغارًا في السن فقد كنا كبارًا في العقل، نحترم المربين ونجلهم، ونجتهد في عملنا خجلًا من الفشل والتوبيخ، كنا ننظم زيارات لدور العجزة لنواسي المسننين، كما كنّا نزور مراكز الطفولة المسعفة، كي نستلهم منها قصصًا تصب في نصوص مسرحية واقعية".

وتردف: "لا تزال بعض صور أولئك الأطفال عالقة في ذهني، وتلك التجارب طورت فيَ رغبة الكتابة وطبعًا المطالعة فأنا قارئة من الطراز الأول، فمن غير المستساغ أن تكون مسرحيًا غير مثقف".

حين بلغة نوال الخامسة عشر، انتقلت للمسرح المحترف حينما عرضت مسرحية مشتركة بين جمعية الأطفال والمسرح الجهوي بباتنة، يومها أبهرت كثيرين من حيث قدرتها على تجسيد الشخصيات ولعب الأدوار المتنوعة اختلافا، ما فتح لها الأبواب نحو مسرح الكبار. أسألها عن مصاعب الانتقال فتقول لـ "الترا جزائر": " لا، أبدا، كانت تجربة سهلة بالنسبة لي؛ أظن أن مسرح الطفل أصعب بكثير من مسرح الكبار، ثم لا تنسى أني مارست التمثيل منذ سن مبكرة، لذا كان التأقلم سريعًا للغاية".

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

جائزة الرئيس

بدأت فتاة الركح، مشوارها مع المخرج الدكتور نور الدين عمرون في مسرحية "يوم من زماننا" ثم ولنجاحها المبهر ولأدائها المقنع ارتقت أسهمها في بورصة التمثيل المسرحي، فعملت رفقة مخرجين كبار بينهم حسان بوبريوة في "قاضي الظلّ"، والسيدة صونيا في مسرحية "يوغرطة"، و راكمت عديد الأعمال الأخرى، على غرار "مستنقع الذئاب" لفوزي بن براهيم، و ملحمة "أبطال القدر" للّبناني عبد الحليم كاركلا، ومونودراما الرهينة للمخرجة نبيلة بن براهيم، و مونودراما وسخ.كوم  للحسن شيبة، و مسرحية رهين لشوقي بوزيد، بيد أن العام 2014 بقي حاسمًا في مسيرتها الفنية، لماّ توجت بجائزة رئيس الجمهورية علي معاشي لأفضل ممثلة على مستوى التراب الوطني، ثم كرمت بوسام تقديري من رئاسة الجمهورية تسلمته من وزير المجاهدين الطيب زيتوني في ذكرى ستينية الثورة.

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

عن ذينك التكريمين تقول مفتخرة: "طبعا التكريم الذي حظيت به مهم بالنسبة لي لأنه تقدير أحظى به في بلدي الذي اعتز به، فأينما حللت أرتدي الملحفة الشاوية تمثيلًا لهويتي الأوراسية واعتزاًزا بتراثي الجزائري خلال مشاركتي هناك كضيفة شرف، أو كعضو لجنة تحكيم في مهرجانات عربية كبرى، فأنا سفيرة لثقافتنا عبر العالم وأتحمل مسؤولية هذا الدور".

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

أبي صنعني

التألق اللافت لواحدة من أفضل ما أنجب الركح الجزائري في العقود الأخيرة، لفت إليها اهتمام كبار المخرجين، حيث استعان بها المخرج محمد شرشال لتعويض فنانة تخلت عن دورها في مسرحية "جي. بي أس" الشهيرة، فانتقلت إلى العاصمة للتحضير للبروفات اللازمة للمشاركة في المهرجانات الوطنية وحتى الدولية على غرار مهرجان قرطاج العريق، بيد أن تلك الفرحة اعترضها أمر طارئ من الصعب على أي كان أن يتجاوزه، تعلق الأمر بوالدها الذي ألّم به مرض طارئ.

عن تلك الفترة تقول في ألم محسوس: "تلك كانت أصعب مرحلة في حياتي على الإطلاق، كنت خلال فترة التدريب أشتغل ببدني فوق الركح، من جهة، وتفكيري منشغل بحالة والدي، ذلك الرجل الذي كان بطل حياتي الأول. لم يكن مجرد أب بل كان صديقًا ورفيق حياة، ساندني في الولوج إلى عالم الفن رغم معارضة عائلتي الكبيرة، وصار فخورًا بي حينما بدأت أمثل مع كبار الفنانين لا بل كان أبي جمهوري الأول، إذ كان يسارع لمشاهدة مسرحياتي والمسلسلات التي أشارك فيها.

(الصورة: فيسبوك) الفنانة نوال مسعودي

 تصمت لتواصل: " لولاّ أبي ما كنت أنا، لذا عشت أوقاتًا صعبة جراء التفكير في الأمر. كنت أزوره خلال يومي العطلة متجشمة عناء التعب والإرهاق والسفر من العاصمة إلى مستشفى باتنة، أما عندما بلغني خبر وفاته يوم 2 نوفمبر 2021، وأنا في العاصمة أصبت بصدمة كبيرة لا أظن أني سأشفى منها أبدًا، فلا أحد يبرأ من رحيل أبيه".

نوال مسعودي "الترا جزائر": أنا سفيرة لثقافتنا عبر العالم وأتحمل مسؤولية هذا الدور

 

 

 

 

 

شهادة وكفن

وفقت نوال في الوفاء لوالدها دون أن تكسر العقد المعنوي، ثم نالت الجائزة الكبرى التي أعقبت تلك المعاناة، فخلال مشاركتها في مسرحية "جي بي أس" في مهرجان قرطاج الدولي في تونس، شهر كانون الأوّل ديسمبر 2021، كتب لها القدر المجزي على الصبر مجدًا آخر، فتقول: "رشحت لجائزة أفضل ممثلة في مهرجان قرطاج الدولي، بلا ريب كان تقديرًا كبيرًا لمسيرتي، فمن الصعب أن تشارك أية مسرحية في مهرجان دولي تتنافس فيه أرقى المدارس المسرحية العالمية، والأصعب هو اختياري في مقارعة كبار الفنانات، وهذا  يعد اعترافًا باسمي وبتجربتي التي قطعت فيها عقدين من الزمن، كنت مسرورة أن أتصدر غلاف مجلة قرطاج الدولي عقب ذلك الترشيح".

في العام الفارط وبعد مرحلة توقف عادت نوال للخشبة من جديد عبر مسرحية "كفن البروكار"، التي أنتجها مسرح باتنة الجهوي، تلك التي أخرجها المبدع لحسن شيبة، وكتب نصها الكاتب الماتع محمد الأمين بن الربيع، وعن تلك العودة تقول: "بداية يجب أن تعلم أني أتنفس المسرح، إنه أوكسيجيني الآخر، الذي لا حياة لي دونه. توقفت ذات عام عن المسرح فأصبت بمرض، ففضل والدي الحريص على حياتي ألّا يخسرني فعدت، بيد أن العودة عبر "كفن البروكار" سرعان ما تعرضت لتكفين أورثها إحباطًا كبيرًا. توضح محدثة "الترا جزائر": أنّه "رغم الجهد والاجتهاد الذي بذلناه كفريق عائلي، وبعد عرض تمهيدي تعرضت فيه المسرحية للتجميد من طرف وزارة الثقافة لأسباب أجهلها شخصيًا، لذا أهيب بالسيدة الوزيرة المحترمة صوريا مولوجي أن تعيد النظر في القرار الذي حرم مجموعة مبدعين من التألق في عالمهم الفني، فحرام أن يحدث ذلك لعمل راقٍ ونصٍ بديع لكاتب متألق وخارج عن المألوف، والذي أتمنى أن تجمعنا به الفرص لتحويل نصوصه العبقرية لأعمال فنية ترفع رأس الثقافة الجزائرية في المسارح الدولية".

طبعًا، في ذلك العمل الذي تم تكفينه في المهد تألقت نوال بشكل بارع كممثلة ومساعد مخرج، ورشحت لحصد جوائز كبرى نظير اتقانها لدور عجوز، غير أن عملية التجميد أجلت ذلك الحلم إلى وقت آخر، في انتظار أن يصار إلى تقييم موضوعي للعمل بعيدًا عن سوء الفهم المتعلق بموضوع المساس بالشرعية الثورية، وما يقرضه منطق مراجعة المطبات المعيقة لحرية الفكر والإبداع.

تغييب غير مبرر

كان يفترض أن تُشارك نوال في أعمال أخرى، على الأقل في المسلسلات الدرامية الرمضانية، لكنها تعقب في شبه أسف آخر "سيتكوم مثلته كان قبل عامين. ومثلك أتساءل عن سبب تغييبي من المشهد رغم المؤهلات التي أملكها، فأنا أجيد لعب الأدوار المركبة وأشتغل كثيرًا على الشخصية سواءً في الكوميديا أو الدراما. مع ذلك هاتفي لا يرن، رغم أننا كعائلة فنية نتشارك الصفحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأظن أن المشكلة ليست فيّ فأنا لا أعاف التمثيل، بل المشكلة في المنتجين والمخرجين وحتى في بعض الزملاء الفنانين".

وسبرًا لأغوار هذا الدفن المبرمج لموهبة حيّة، تتعدد الأسباب بيد أن نوال تشرح الموضوع من زاوية أخرى فتردف: "قبل عقود كان قطاع الثقافة يصرف على إنتاج المسرحيات وهذا الأمر تراجع في السنوات الأخيرة، إذ تفضل المسارح انتداب ممثلين مبتدئين مقابل أجور زهيدة لشح الميزانيات".

أما بخصوص قطاع السينما فتشرح: "يفضل المنتجون والمخرجون الاستعانة بالمؤثرين والمؤثرات في التيك توك والانستغرام طمعًا في المتابعات المليونية عبر مواقع التواصل، ولا يبحثون عن الممثلين الجيدين في الواقع، لذلك تمتلئ الشاشات اليوم بمن يمكن أن نسميهم "بهاليل" يؤدون أدوارًا بلا روح ودون معنى، أمّا فيما يخصني فطبعًا فانا لا أقبل بأدوار بلا هدف أو قيمة أو رسالة، لأن التاريخ لا يرحم وأنا أريد أن يرحمني هذا التاريخ وفاء لروح والدي التي تلازمني إلى الأبد".

مؤثرو المواقع

لا تعارض نوال دخول المؤثرين والمؤثرات عالم التمثيل، لكنها ضد أن تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة، في إشارة لتهجم فنانين وفنانات مبتدئات على ممثلين قضوا زهرة أعمارهم في الدراسة والممارسة، فتوضح: "إذا كان المؤثرون يملكون موهبة وإبداعًا فهذا مرحب به، أما أن يترك الحبل على الغارب لمهرجين، فهذا أمر غير مقبول، ويتطلب حلولًا عاجلة من الوزارات الوصية مثل منع الذين لا يملكون مؤهلات معترف بها.

وفضّلت المتحدثة أن توجه نداء لأهل الفن مفاده: "من الضروري أن يحمي الفنانون مهنتهم من التخريب والابتذال، وهذا لن يتحقّق سوى بإنشاء نقابة فنانين، تضبط المعايير وتحفظ حق الفنان في العمل في مجاله وفق معايير التأهيل والخبرة، ولقطع الطريق نهائيًا أمام الدخلاء الذين حولوا مجالًا نعشقه إلى مشاع سائب بلا رقيب، لكل من هب ودب تحت طائل عدد المتابعين، لا خضوعًا للموهبة والكفاءة الفنية. فالتمثيل فن يخضع لنوعية الجمهور، لا إلى جحافل المتابعين".

نوال مسعودي لـ "الترا جزائر": بات ضروريًا إنشاء نقابة للفنانين لقطع الطريق أمام الدخلاء

خارج مجال التمثيل تواصل نوال الغوص في عالم الكتابة الإبداعية في مسرح الطفل، عبر تأليف مجموعة نصوص مخصصة لمدرسة الطفولة التي بدأت منها ملحمتها الفنية، انتجتها مسارح الدولة على غرار نص نور بارق الذي تكفلت فيه بمهمة مساعد مخرج، وأنتجه مسرح تيزي وزو الجهوي.