23-أغسطس-2023
فيضانات

مخلفات فيضانات تيبازة الأخيرة (الصورة: فيسبوك)

ما إن تجاوزت الحكومة أزمة الحرائق التي نشبت بـ10 ولايات شهر تموز/جويلية الماضي، والتي أسفرت عن قتلى (مدنيين وعسكريين)، وخسائر مادية ثقيلة، وأتلفت الغطاء النباتي بمناطق عدّة من الوطن، عاد الرعب ليسكن قلوب رؤساء البلديات مخافة أن تتسبب أمطار الخريف المنتظرة مطلع أيلول/سبتمبر المقبل في فيضانات جارفة مثلما حدث في الأعوام الماضية.

رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم لـ"الترا جزائر": ما يقارب 700 بلدية مهدّدة بالفيضانات لأنّها مشيّدة فوق أودية نشطة 

وتفاديًا لأية مخاطر أو سيناريوهات غير منتظرة، سارعت وزارة الداخلية إلى مراسلة ولاة الجمهورية، الذين قاموا بدورهم بمراسلة رؤساء البلديات لمباشرة أشغال التهيئة والتنقية وتفريغ المجاري والبالوعات حتى قبل حلول شهر آب/أوت المشرف على الانقضاء.

وتسعى السلطات من خلال هذه الجهود إلى تفادي صداع الخسائر المسجلة كل سنة، والتي لا تجد عادة من حل لمواجهتها إلا تعويض المتضررين وعائلاتهم بمبالغ مالية، ولكن بعد فوات الأوان، فهل سينجح مخطط الحكومة في حماية السكان من مخاطر فيضانات الخريف؟

مليون دولار لكل بلدية

تلقى رؤساء المجالس الشعبية البلدية مراسلات استعجالية من ولاة الجمهورية، لاسيما "الأميار" الذين يرأسون بلديات عادة ما تشهد فيضانات مع بداية كل خريف، للشروع في وضع مخطط استباقي لمواجهة أمطار الموسم المقبل.

وفي هذا الصدد كشف رئيس المجلس الشعبي لبلدية باب الزوار (شرق العاصمة)، إبراهيم حطابي في إفادة لـ"الترا جزائر" عن شروع مصالحه في التحضير المُبكر لمواجهة مخاطر أمطار الخريف، وذلك من خلال وضع مخطط عمل استراتيجي لإدارة مخاطر الفيضانات المحتملة.

واعتبر حطابي بأنّ "بلدية باب الزوار رغم أنها منطقة غير مصنفة ضمن "الخانة الحمراء" إلّا أنّ تعليمات الوالي كانت واضحة، والوضع اليوم يفرض الالتزام الصارم بها تفاديا لأي كوارث."

وأقرّ المتحدث أن العمل على تطبيق هذا المخطط بالنسبة لبلدية باب الزوار قد انطلق قبل 15 يوما، حيث تم التعاقد مع شركات التطهير للشروع في عملية تنظيف البالوعات والمجاري مع التسريع في إجراءات صيانة شبكات التطهير وتعبيد الطرقات.

وأوضح المتحدّث بأنّ مصالحه خصصت غلافًا ماليًا لمواجهة المخاطر الكبرى التي يمكن أن تهدد الإقليم بلغت 150 مليون دينار (مليون دولار)، وهو نفس المبلغ تقريبًا بكل البلديات، إضافة إلى تدابير وقائية أخرى على غرار تعزيز نظام اليقظة والمداومة على مستوى المصالح التقنية.

كما شدّد رئيس البلدية على أهمية التوعية وإطلاق حملات التحسيس في أوساط الساكنة من أجل احترام البيئة ومنع رمي النفايات التي تكون في أغلب الأوقات أحد أسباب حدوث الفيضانات نتيجة الانسدادات.

بلديات فقيرة

وإذا كانت بلدية باب الزوار غير مصنفة ضمن دائرة خطر الفيضانات، فبلدية سحاولة (غرب العاصمة)، تعد أحد المناطق المهددة بسبب توسّطها الأودية، إضافة لوضعيتها المالية الصعبة، حيث تصنف هذه الأخيرة ضمن البلديات الفقيرة التي طلبت إعانة السلطات العليا لمجابهة الخطر.

ويقول رئيس البلدية أرزقي حميدات إنّ الحكومة أعلنت مبكرًا هذه السنة، عن إطلاق مخطط استباقي لتفادي الكوارث الناجمة عن أمطار الخريف من خلال توجيه وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية تعليمة لكافة ولاة الجمهورية ومسؤولي المجالس المحلية للشروع في حملات وقائية لتفادي حدوث كوراث طبيعية ناتجة عن هذه الأمطار.

وفي هذا السياق يكشف حميدات في تصريح لـ"الترا جزائر" عن شروع مصالحه منذ أسبوعين في عملية تنظيف وتطهير كبرى للمجارى المائية وكذا البالوعات، إضافة إلى تجنيد أزيد من 30 عون نظافة للقيام بهذه المهمة، مشيرًا إلى أن بلدية السحاولة مصنفة ضمن خانة أكثر المناطق عرضة للفيضانات، ما يتطلب حسبه اتخاذ المزيد من الحيطة والحذر .

وأضاف: "عملية التطهير ستمس 1200 بالوعة متواجدة على مستوى إقليم السحاولة"، لافتًا في ذات السياق إلى أن "منطقة سحاولة تضم 5 أودية، وعليه تم التنسيق مع المؤسسة الوطنية للتطهير من أجل الشروع في تنظيفها بطريقة جذرية."

كما أوضح المتحدث أن بلدية السحاولة تعد بلدية فقيرة، حيث اعتمدت هذه السنة على المساعدات المالية الولائية من أجل الشروع في عملية تطهير كبرى، خاصة وأن هذه الأخيرة تتطلّب أجهزة خاصة وإمكانيات مالية لإعادة التهيئة والتجهيز.

"أميار" راسلوا الجهات العليا لمساعدتهم ماديًا تحسبًا للفيضانات التي يعرفها موسم الخريف

ويرى المتحدث أن التحضيرات الاستباقية مهمة وضرورية للوقاية من أخطار الفيضانات قائلا: "التجارب السابقة أثبتت ذلك حيث تمكنّا في السابق من التقليل من مخاطر الفيضانات بفضل التحضيرات المبكرة فالوقاية مهمة خاصة في المناطق المهددة."

حلول متاحة

أما رئيس نادي المخاطر الكبرى، عبد الكريم شلغوم، فيقول إن "نصف سكان الكرة الأرضية  اليوم مهددين بالفيضانات وذلك نتيجة التغييرات المناخية والأخطار الطبيعية التي باتت تترصد سكان المعمورة".

وأكّد في الصدد بأنّ "الجزائر معنية أيضًا بهذا الخطر، حيث تم تصنيف 40 ولاية وطنية شمالية وجنوبية وغربية وشرقية ضمن دائرة المناطق المهددة بالفيضانات."

وأفاد شلغوم بأن "ما يقارب 700 بلدية عبر الوطن ضمن القائمة، نظرًا لطبيعتها الجغرافية، فأغلب هذه البلديات مشيّدة فوق أودية نشطة خاصة في حال تساقط كميات  كبرى من الأمطار، إضافة إلى طبيعة العمران الجزائري الهش في العديد من المناطق."

وتعتبر أمطار الخريف الفجائية من بين أكثر العوامل الطبيعية المسببة للفيضانات، حسب شلغوم، خاصة في الجزائر بسبب وجود أودية نشطة، ففي العاصمة لوحدها يوجد 100 واد، منها وادي الحميز، وبقسنطينة وادي علي منجلي والقائمة طويلة بالولايات الأخرى، يقول المتحدث.

ولم يتوان شلغوم في انتقاد السياسة العمرانية التي انتهجتها الجزائر قبل 30 سنة، حيث تم تشييد سكنات فوق الأودية ما تسبب في حدوث اختلالات في تصريف مياه الأمطار، يقول الخبير.

كما شدد رئيس نادي المخاطر على ضرورة تبني إستراتيجية وقائية ثابتة وذكية لمجابهة المخاطر، حيث أن هذه الأخيرة منصوص عليها، يقول شلغوم، في القانون رقم 04/ 20 المؤرخ في 25 كانون الأول/ديسمبر 2004، الذي أسِّس من طرف خبراء جزائريين مستقلين، غير أن التأخر في إصدار 13 نصًا تطبيقياً تسبب في تعطيل تطبيق هذا القانون الذي بقي حبيس الأدراج، حسبه.

ليكمل: "البرلمان بغرفتيه صوّت على نص القانون إلّا أن التأخر في تطبيقه تسبب في حدوث كوراث دفعت السلطات ثمنها باهظا".

ويشدّد الخبير على أن الحل الوحيد لتفادي الكوارث الطبيعية الناتجة عن الفيضانات خاصة الفجائية التي تحدث غالبا خلال شهري آب/أوت وأيلول/سبتمبر هو تطبيق القانون 04/20 المتعلق بالكوارث الطبيعية.

ويجب أيضا إعادة النظر في طرق تشييد العمران وكيفيات تصريف المياه، قائلا هنا: "المكان الذي كانت تعيش فيه عائلة واحدة قبل سنوات بات يضم 50 عائلة اليوم".

الخبير شلغوم: الحل الوحيد لتفادي الكوارث الناتجة عن الفيضانات هو تطبيق القانون 04/20 المتعلق بالكوارث الطبيعية

ودعا المتحدث إلى إعداد إحصائيات دقيقة حول النقاط الحمراء المهددة بالفيضانات والتنسيق مع المصالح المحلية من أجل وضع خطة استباقية تقي من أضرار الأمطار الغزيرة في حال تسجليها.