02-أكتوبر-2023
شخص يتصفح موقع فيسبوك (دان كيتوود/GETTY)

بينما يحاول كثيرون التأقلم مع واقع فرضته عليهم تراكمات الحياة اليومية والضغوطات المجتمعية، يبحث آخرون عن حلول لمشاكلهم في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ويعرضون قصصهم لصفحات يهتم أصحابها بالانشغالات الاجتماعية.

تؤكد الباحثة في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة بالجزائر سهام كوريفة، بأن الأسر الجزائرية مازالت تعاني من تناقضات العادات والتقاليد والحياة العصرية

هذه إحدى القصص لفتاة في الثلاثين من العمر، تقول صاحبتها سامية في حديث إلى "الترا جزائر" إنها  منذ أربع سنوات لم تخرج من البيت، بسبب اكتئاب حادٍ أصابها بعد سنوات الدراسة والنجاح في نيل شهادة الماستر، وبحث متواصل عن عمل في مجال تخصصها أو حتى عمل في أيّة مؤسسة عمومية، غير أنها لم تعثر على ما تريد. في الأخير تقدم إليها شاب للزواج غير أنه لم يعد مرة أخرى.

هذه القصة وغيرها كثير، لشباب وشابات منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك، حيث بات اليوم فضاءً مرجعيًا للعديد من المسائل الاجتماعية كانت في السابق المسكوت عنه، بل وصار يُفصح عن ممارسات لا يمكن للمشتغلين في حقل العلوم الاجتماعية ولإنسانية عمومًا والإعلام على وجه خاص إغفالها.

كثيرون من بين هؤلاء يستنجدون بالرقاة لإنقاذهم من الاكتئاب كحالة الشابة سامية، التي لم تستطيع مواجهة واقعها اليومي خصوصًا في بيئة مازالت "منغلقة"، على حدّ تعبيرها، فبعد نجاح الفتاة في الدراسة تصطدك بأول سؤال عن موعد زواجها، وأسئلة أخرى من قبيل ماذا فعلت بالدراسة؟ أقرانك تزوجن وأنت فاتك القطار، وغيرها من الكلمات الجارحة.

لقد استنجدت بمن يوصلها إلى طوق النّجاة والخروج من حالة الإحباط التي حولت أيامها إلى جحيم، معترفة أنها خطت خطوات كثيرة في التوجه إلى عدد من الرقاة في منطقة سيدي لعجال بولاية الجلفة، من أجل تحسين نفسيتها، فالرقية بالنسبة لها علاج شافي، ولكن حالتها لم تتحسّن، على حدّ قولها.

حقيقة أم خيال؟

على مواقع التواصل الاجتماعي، نجد نداءات كثيرة تتعلق بالبحث عن "راقٍ جيّد"، خاصة وأن حالات كثيرة يريدون علاجًا بالقرآن لـ"طرد الهمّ والغمّ، وفكّ السّحر" وغيرها من الأمراض الاجتماعية المستعصية، إذ يعترف كثيرون بأنهم توجهوا إلى رقاة لفكّ سحر التّعطيل عن الزواج والعمل من الشباب والفتيات على حدٍّ سواء.

هذه الحقيقة يعيشها كثيرون رغم أن البعض يحاول عدم الإفصاح عنها أو كما يقول محمد (40 سنة) حقيقة واجهها قبل عشر سنوات، عندما كان يتقدم لخطبة أية فتاة ولا تسير الأمور على ما يرام، فلم يجد في طريقه سوى مراجعة أحد الرقاة الذي دله على أنه مصاب بالسحر.

محدّث " الترا جزائر" قال إنه لم يصدّق هذا الكلام في البداية، غير أنه مع مرور الوقت وسلسلة التعطيلات والعراقيل التي واجهها، جعلته يذعن لذلك الرأي، إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك بل دخل في حالة كآبة طويلة لفترة عشر سنوات كاملة.

الرقية عامل مهم في تعديل نفسية الأفراد، بسحب اعترافات كثيرين على مواقع التواصل، لكنها من وجهة مختصين في علم النفس، راحة يعيشها المريض، فالآلام النفسية لا تحدث فجأة أو من العدم، بل هي تراكمات لمعتقدات وأوضاع اجتماعية يعيشها الفرد في وسط ضيق، لذا ترى الأخصائية سهيلة حميدي بأن اللجوء للشيخ يعتبر خطوة متاحة للكثيرين لأن المصابين بأمراض نفسية كثيرًا ما يفضلون التوجه للعلاجات الدينية.

"ما يحسّ بالجمرة غير اللي عافس عليها"، هذه العبارة تلخّص معاناة الكثيرين ممن بات الرقاة بالنسبة لهم الحلّ الأخير لإيقاف أوجاعهم، بل بات بعض الرقاة مزارًا لآلاف الجزائريين من كل حدب وصوب، وهو ما يدفع بهم إلى ضرورة أخذ مواعيد لتمكين المرضى من تلقي علاجاتهم، فهناك من تأخّر لديهم الإنجاب، فاضطروا إلى أخذ مواعيد متباعدة لتمكين مرضاهم من العلاج.

من ناحية قانونية، لا يواجه هؤلاء الرقاة أيّة عقوبات تمنعهم من ممارسة هذا النشاط، حيث يفتح بعض الرقاة صفحات فيسبوكية ويعرضون خدماتهم ويزودون زبائنهم بأرقام هواتفهم، بل وهناك من يفتح عيادات لمزاولة النشاط مقرونة بنشاطات أخرى مثل الحجامة والتدليك، بعدما كانت مزاولة الرقية تتم في بيت الراقي أو بيت المريض.

رحلة شاقة

للمتزوجين نصيب أيضًا في رحلة البحث عن "منقذ" أو " سبيل للعلاج" عند الشيوخ والرقاة، فالسيدة سميرة وزوجها جمال تزوجا منذ سبع سنوات ولم يرزقا بعد بأطفال، تمر الأيام بين الأطباء والكشوفات الطبية، وفضلًا عن متاعب التنقل من طبيب إلى آخر ومن منطقة لأخرى، رحلة أنهكتهما كثيرًا، إذ يقولان لـ" الترا جزائر" إنهما جربا علاج الأطباء وانتظرا فرحتهما بولد يملأ حياتهما، لكن لم يحصل الأمر، فانتهى بهما الأمر يحاولان تجريب علاج أحد الرقاة الذي يقدم علاجًا بخلطات من الأعشاب، التي أثبتت نجاعتها على الكثير من المتزوجين.

تعتبر هذه القصة التي تتداول تفاصيل مثلها عبر الفيسبوك من نهايات الانكسار النفسي والاجتماعي لكثير من الأزواج، وتعبر عن تراكمات أسرية واجتماعية يعيشها البعض، جعلتهم يفتشون عن قشة نجاة لتزيح عنهم هموم السنوات.

إلى هنا، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة بالجزائر سهام كوريفة، بأن الأسر الجزائرية مازالت تعاني من تناقضات العادات والتقاليد والحياة العصرية، إذ لا يمكن غض الطرف عمّا يحدث في الأسر من مشكلات اجتماعية معقدة جدًا، بسبب السحر والأمراض النفسية التي تنتجها العديد من المسببات الاجتماعية.

وأوضحت أن هناك آلاف القصص أبطالها أشخاص يرون في "الرقية" أو "علاجات الشيوخ" وسيلة لإخراجهم من حالتهم النفسية السيئة، وتجلب لهم الراحة بغض النظر عن أسلوب العلاج وطرقه.

بعيدًا عن الأضواء

اللافت أن غالبية المتحدّثين في جدار الفضاء الأزرق "أسماء مستعارة" وهو أحد المؤشرات على أنهم يختفون وراء "جروحهم أو قصصهم أو صعوبة تحمل ما لا يمكن به البوح في العلن".

من جهتها، تشير المختصة في الإعلام فريدة كنان بأن الفيسبوك بات عائلة مفتوحة لكن بأقنعة تخفي مشكلات اجتماعية لم نكن نسمع عنها في السابق، وكانت تدار داخل البيوت.

وتعتقد أن أغلب الذين عرضوا قصصهم الخاصة في هذا الفضاء الافتراضي لا أحد منهم يستطيع أن ينشر اسمه أو يكشف عن هويته الحقيقية، ففي النهاية القصص تبحث إما عن مواساة أو حلّ أو إعطاء مقترحات لإيجاد مخارج، ولا يهم من صاحبها.

 في المقابل تضيف محدثة "الترا جزائر" أنه لا يمكن لشخص أن يجد حلا لمشكلته وهو يخاف من البوح بها فأول البوح ولو باسم مستعار فهو في حد ذاته خطوة للحلّ.

تدفع الضّغوط اليومية التي يعيشها الكثيرون في الجزائر إلى البحث عن ملاذ للفرار من واقعه المرير

تدفع الضّغوط اليومية التي يعيشها الكثيرون في الجزائر إلى البحث عن ملاذ للفرار من واقعه المرير، وإيجاد مخرج أو التنفيس عن همومه بإيجاد وصفة مريحة وما خفي أعظم.