لم يسلم نجوم الكرة والإعلاميون من الجالية الجزائرية في فرنسا، من العقوبات والتوقيف والمحاكمات، بسبب موقفهم الداعم للمقاومة الفلسطينية، ومشاركة منشورات تدين عنف الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين وارتكابه المجازر المروعة.
طالب جزائري في فرنسا: ألقي القبض على متظاهرين من المهاجرين السرّيين وأودعوا المعتقلات استعدادًا لترحيلهم من التراب الفرنسي بذريعة دعم الإرهاب
في هذا المقال، استطلعت "الترا جزائر"، عددًا من أفراد الجالية الجزائرية حول الوضع في فرنسا، وفضلوا جميعًا إبداء رأيهم تحت أسماء مستعارة، خوفًا من الملاحقة القضائية بسبب تأييدهم للقضية الفلسطينية ودعهم للمقاومة، وخشيتهم من تلقي تهم جاهزة أبرزها "معاداة السامية" و"التحريض على الكراهية".
اهتزّ الجزائريون في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على ذياع خبر اعتقال يوسف عطال وتعرض صحافي "تي في 5 موند"، الجزائري محمد قاسي للمساءلة، بسبب أسئلة وجهها لمتحدث باسم جيش الاحتلال، وهو ما شكل تهديدًا للجالية العربية في فرنسا وعلى رأسهم الجالية الجزائرية.
هذا الأحداث ضربت عميقًا في أوساط الجزائريين في فرنسا، وزرعت في عاصمة الجن والملائكة منذ الأيام الأولى للعدوان، جوًا من الخوف والترقب والترقّب، وأصبح التضامن وإدانة الاحتلال، إحدى الطابوهات التي لا تُناقش في مقرّات العمل وبين زملاء المؤسسة الواحدة.
الموقف الفرنسي وقف منحازًا منذ البداية لجرائم الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في فلسطين، وبدت الإدارة الفرنسية مترددة ومتسرعة في إطلاق التهم على المتضامنين مع الفلسطينيين، فلاعب نادي نيس أبعد بسبب تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم بمعاداة السامية والدعوة إلى العنف والتحريض على الكراهية، وأجبر على الاعتذار بعدها، قبل أن يُعتقل ويحال إلى المحاكمة.
النيابة الفرنسية، التمست اليوم الإثنين، عقوبة 10 سنوات سجنًا غير نافذ ضد اللاعب الجزائري يوسف عطال، بسبب مضمون فيديو شاركه حول غزة، وغرامة قدرها 45 ألف يورو، مع نشر قرار المحكمة على صفحته بموقع انستغرام لمدة شهر كامل.
بدوره، كل ما قام به مذيع قناة "تي في 5 موند"، هو أنه استدرج المتحدث باسم قوات الاحتلال إلى زاوية صعبة، وجعله يعترف باستهداف الأبرياء، ثم وجه له سؤالًا مباشرًا إن كان الاحتلال يفعل ما يستنكره على حماس، فاستشاط الضيف غضبًا، وانطلق في توزيع التهم على الصحافي، ومن بينها أن الصحافي يُهاجم دولة الاحتلال.
إلى هنا، يقول الصحافي الجزائر وائل (اسم مستعار)، العامل منذ سنوات بإحدى القنوات الفرنسية، إنه يشعر بالاختناق في فرنسا، ويشاركه كثير من أصدقائه من مزدوجي الجنسية في فكرة مغادرة فرنسا إلى دولة أخرى نهائيًا، فهي لم تعد مكانًا آمنًا، على حد قوله.
الوضع خطير جدًا في فرنسا، هكذا يصف محدث "الترا جزائر"، أحوال الجزائريين في فرنسا، مؤكّدًا أن الدعاية الإعلامية المنحازة مع الاحتلال، باتت تؤثر بشكلٍ سلبي على يومياتهم، حتى أن كثيرًا من أصدقائه نصحوه بعد متابعة الأخبار من المصادر الفرنسية، ولكن دائمًا ما يدفعه فضوله إلى متابعة الأخبار، على حدّ تعبيره.
يعلق الصحافي قائلًا: الفضاء الوحيد للتعليق على ما يحدث في غزة هو البيوت، "أزور بيت عائلتي في فرنسا ونتحدث عما يحدث بكل ألم".
مردفًا: "يوميًا نتلقى جرعات من العنصرية واللاعدالة، وريبورتاجات حول عرب فرنسا في قنوات مثل"BFM tv" و"فرانس أنفو"، إذ يحاولون دائمًا ربط المقاومة بالإرهاب، ولو يصدر منك ما يظهر التعاطف مع حماس فسيكون مصيرك السجن".
يروي محدث "الترا الجزائر" أنهم أحضروا مرة عميد مسجد باريس، حفيظ شمس الدين وهو جزائري الجنسية، وقال ردًا عن وزير الداخلية الفرنسية الذي أعلن عن تسجيل 1000 حادث لمعاداة السامية: هل هناك أدلة على هذه الاتهامات. فقوبل شمس الدين بحملة تشويه واسعة، وتلقى تهديدات اضطر على إثرها إلى الاعتذار عن هذا التصريح.
من جهته، يؤكّد الطالب الجزائري أمير (اسم مستعار) بجامعة تولوز جنوب فرنسا، أن تهمة معاداة السامية استخدمت ضد كل الأصوات التي انتقدت الحكومة المتطرفة لناتنياهو. على حدّ تعبيره.
ويواصل محدث "الترا جزائر" هذا ما تعرض له بالأساس القيادي السياسي اليساري جون لوك ميلونشون. مست هذه الاتهامات أيضًا أشخاصًا غير معروفين تعرضوا لتقييدات بسبب منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، طلبا لوقف إطلاق النار ولوقف إبادة سكان غزة، على حدّ قوله.
الطالب الجزائري أمير، استشهد بما تعرض له متظاهرون مؤيدون للشعب الفلسطيني، إذ يقول إنه ألقي القبض على متظاهرين من المهاجرين السرّيين، وأودعوا المعتقلات استعدادًا لترحيلهم من التراب الفرنسي بذريعة دعم الإرهاب.
ويسرد المتحدث أن بسبب هؤلاء المقيمين من دون وثائق، أصرّ وزير الداخلية الفرنسي على نشر نماذج ترحيل في تقارير علنية والقول إن سبب الترحيل هو دعم الإرهاب لأسباب انتخابية بحتة.
وعلق قائلًا: "جيرالد موسى دارمنان (وزير الداخلية الفرنسي ذو الأصول الجزائرية) يود استقطاب أصوات اليمين الفرنسي المتطرف من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا".
في مقابل ذلك، يعتبر أمير أن المظاهرات لم تكن كثيفة مقارنة بأعداد المهاجرين في فرنسا. إلا أنه على صعيد آخر يمكن ملاحظة انخراط أكبر في التضامن الواسع مع حقوق الشعب الفلسطيني، إذ تواجهـ حسبه، عدة شركات حملات مقاطعة ممنهجة أدت إلى تأثر كبير للشركات.
يقول أن "أقوى مقال في هذا الصدد شركة محلات الأكل السريع ماكدونالدز فرنسا التي تأثرت بنقص كبير لأعداد الزبائن على صعيد التراب الفرنسي بشكل أدى بها إلى نشر بيان أكدت فيه أن الشركات التي تملك حقوق استغلال الماركة تتصرف بشكل مستقل".
إلى هنا، أبدى الكاتب والروائي محمد جميل (طلب إخفاء اسمه الحقيقي لأسباب أمنية) قلقه من المضايقات التي تتعرض لها الجالية، وإن كان يقلل من خطورة الوضع، وقال إن الناس هنا يتظاهروا واستطاعوا كسر الحصار، ولكنهم إعلامهم كذّاب وغير ديمقراطي ويزور الحقائق.
وقال جميل لا نستطيع القول إن هناك خوفًا في الشارع الفرنسي في هذه الفترة، ولكن هناك حذر، فالناس اليوم لا يقولون ما يريدون قوله بالفعل، ويخشون قول الحقيقة والإشادة بالمقاومة الفلسطينية، ولكنهم يتظاهرون ويقولون ما يريدون في الإطار الإنساني.
الجالية الجزائرية، يضيف محدث "الترا الجزائر"، لا تخوض في نقاشات حول الوضع الفلسطيني، وحتى في موقع التواصل الاجتماعي يتفادى الناس الحديث عن المقاومة، ولكنهم يعبرون عن غضبهم وعدم رضاهم بطريقة حذرة جدًا، لأنهم يخشون اتهامهم بالإرهاب ومعادات السامية.
في السياق نفسه، تستطيع أن تجد في فرنسا ملصقات في نفق الميترو أو محطات الحافلات تقول مثلًا: "لا نريد حربًا في غزة"، إذن هناك تعبير عن الغضب ولكن في إطار لا يمكن فيه ملاحقتهم قضائيًا، وأنا في إطار عملي لا نتحدث عن هذه الموضوع بين الزملاء.
فرنسا التي نراها اليوم، ليست كالتي كنا نسمع عنها في وسائل الإعلام والكتب
فرنسا التي نراها اليوم في ظل العدوان الإسرائيلي ليست كالتي كنا نسمع عنها في وسائل الإعلام والكتب، فاليوم أظهرت وجهًا مغايرًا للممارسات الديمقراطية والموضوعية التي تدعيها قنواتها، حيث تبنت الرواية الإسرائيلية واستبعدت الطرف الفلسطيني من منابرها، وهددت كل مظاهر دعم القضية والإشادة بالمقاومة الفلسطينية.