12-يوليو-2023
العطلة

(الصورة: فيسبوك)

يُصرّ الثلاثيني رياض بوكسول، وهو رب أسرة تضمّ الزوجة وطفل واحد، على تدبر مبلغ مالي لا يقل عن 60 ألف دينار (443 دولار)، يؤهله لقضاء عطلة الصيف شهر آب/أوت المقبل، بولاية جيجل، التي يصفها بـ"لؤلؤة المتوسط".

وكالات سياحية سجّلت تراجعًا في حجوزات الجزائريين نحو تونس مع إقبال على شرم الشيخ

ويقول رياض الذي يشتغل كصانع حلويات، إنه رغم تراجع أرباحه في الفترة الأخيرة، بسبب عزوف الجزائريين عن اقتناء الحلوى المصنفة ضمن خانة الكماليات، إلّا أن توجهه لشاطئ البحر لأيام رفقة زوجته وابنه الذي يقل سنه عن 4 أعوام، يعدُّ أكثر من ضروري بالنسبة له، للتخلص من متاعب السنة، واستعادة لياقته الجسدية، والخروج من دوامة العمل التي يغرق فيها طيلة العام.

ويؤكد الشاب الثلاثيني في حديث لـ"الترا جزائر": "العطلة الصيفية لم تعد مصنفة ضمن الكماليات اليوم، فكل إنسان بحاجة لأن يرتاح لبعض الوقت حتى يستطيع الاستمرار لاحقًا، والأمر لا يتطلب الحجز بفندق 5 نجوم، فأسرتي تكتفي بتأجير منزل صغير بالقرب من البحر في أحد مدن ولاية جيجل الساحرة."

شرم الشيخ تتفوق على تونس

لا يزال الجزائريون يراهنون بقوة على قضاء عطلة الصيف خارج الوطن، رغم التكاليف المرتفعة التي يتكبدونها جراء ذلك، وما تم تسجيله من تراجع للقدرة الشرائية بسبب ارتفاع مستوى التضخم خلال الأشهر الأخيرة.

ويقول سعيد مشنان صاحب وكالة "ديما تور" للسياحة والأسفار في حديث لـ"الترا جزائر" أنه رغم ارتفاع الأسعار، تظل الوجهات الخارجية لقضاء العطلة، مطمح الكثير من الجزائريين ميسوري الحال، جازمًا أن الاختيارات متباينة هذه السنة للزبائن المتوافدين على وكالته السياحية بالعاصمة الجزائر.

واحتلت شرم الشيخ المصرية المرتبة الأولى، حسب سعيد مشنان، حيث أن قضاء 10 أيام هناك يكلف الجزائري 180 ألف دينار فقط أي (1330 دولار)، إضافة إلى إلغاء التأشيرة، أما تونس فاحتلت الوجهة الثانية، حيث أن قضاء مدة 10 أيام بالحمامات وغيرها من المدن، يكلف 160 ألف دينار (1182 دولار)، أما تركيا  فقضاء مدة 10 أيام هناك، يكلف 300 ألف دينار (2216 دولار)، رغم التخفضيات المعلنة في أسعار تذاكر  الطيران، والتي لم تساهم في كسر الأسعار الباهضة بفعل تكاليف التأشيرة والإقامة، وتعقب هذه الخيارات المناطق الآسيوية على غرار الفتنام وأندونسيا.

 بالمقابل كشف المتحدث عن إقبال كبير هذه السنة لأبناء الجالية الجزائرية بالخارج لقضاء العطلة بأرض الوطن.

وأرجع مشنان ذلك لعدة أسباب أهمها التسهيلات التي قدمتها الدولة للمهاجرين، خاصة فيما يتعلق بتخفيض تكاليف النقل البحري والجوي، وأعباء العطلة المنخفضة داخليًا، مقارنة بدول أخرى وقيمة تحويل العملة، بهامش ربح معتبر يسمح للمغترب بقضاء صيف مريح.

انتعاش السياحة الداخلية

يقول نذير بلحاج، رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية والأسفار، إنّ وكالات السياحة والأسفار سجلت هذه السنة وعلى غير العادة ارتفاعًا في نسبة الحجز للجزائريين الراغبين في قضاء عطلة الصيف داخليًا، حيث تربعت التسجيلات في الفترة الممتدة ما بين نهاية حزيران/جوان وبداية تموز/جويلية ما يقارب 60 بالمائة من إجمالي الحجز خلال فترة الصيف.

ويكشف بلحاج في مكالمة مع "الترا جزائر" بأنّ "هذه الحجوزات متعلقة بالمناطق الساحلية المطلة على طول الساحل البحري"، حيث احتلت الولايات الغربية المرتبة الأولى على رأسها ولاية وهران ومستغانم تليها الولايات الشرقية بجاية وجيجل، حسبه.

رئيس نقابة الوكالات السياحية: الولايات الغربية الساحلية الأكثر طلبًا لدى الجزائريين لقضاء عطلة الصيف 

وبالنسبة لمناطق الإقامة، فأغلب الجزائريين يختارون الفنادق للحجز، رغم أنه نتيجة ارتفاع الطلب وقلة العرض عرفت الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة مع السنوات الماضية، حيث بلغت الزيادات ما يقارب 70 بالمائة. ويكلف قضاء 10 أيام في فندق ذو تصنيف 4 نجوم ما بين 100 ألف إلى 110 آلاف دينار  (بين 739 و 813 دولار).

وبسبب ارتفاع الأسعار، تلجأ بعض العائلات الجزائرية لتأجير منازل مؤثثة، يترواح سعرها ما بين 4000 إلى 8000 دينار لليلة الواحدة أي بين 30 و60 دولار.

وحسب رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية والأسفار فإن الطلب على السياحة الداخلية ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية لسببين، أولهما غلاء الأسعار نحو الخارج والثاني تحسُّن الخدمات نوعًا ما في الجزائر، مقارنة مع السنوات الماضية، إلّا أن هذا التحسن، يبقى غير كافٍ حسبه، فلو تطورت الخدمات السياحية في الجزائر بشكل أفضل لاختار 100 بالمائة من الجزائريين ارض الوطن لقضاء العطلة.

قاطرة التنمية.. ولكن

ورغم تأثر المواطن بتراجع القدرة الشرائية والغلاء وارتفاع مستويات التضخم الا أن الطلب على الحجز لدى وكالات السياحة والأسفار يظل مرتفعًا خلال 2023، نتيجة اكتساب الجزائري لثقافة جديدة مفادها "لا تفريط في العطلة"، يقول الخبير الاقتصادي مراد كواشي في تصريح لـ"الترا جزائر".

وحسب كواشي فإن بعض الجزائريين يفضّلون قضاء العطل خارج الجزائر خاصة من الفئات الميسورة وأيضا من أبناء الجالية بسبب النقص الفادح في الإمكانيات  محليًا، وتراجع مستوى الخدمات والذي يقابله في نفس الوقت ارتفاع التكاليف التي لا تعكس، وفقه، نوعية المنشآت المتوفرة.

ويشدّد كواشي على أن السياحة في كلّ دول العالم تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية، غير أن هذا القطاع في الجزائر لا يزال متأخرًا ويعاني من نقص في البنى التحتية وعدم مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال عالميًا والتأخر المسجل في مجال الرقمنة رغم الجهود المبذولة من قبل الدولة لتعميمها.

الخبير الاقتصادي مراد كواشي لـ"الترا جزائر": قطاع السياحة في الجزائر يعاني نقصًا في البنى التحتية وعدم مواكبة التطور العالمي 

ويمكن القول، حسب المتحدث، أن الجزائر تزخر بإمكانيات سياحية كبرى على غرار الجبال والبحار والصحاري والمعالم التاريخية التي  تمكنها مستقبلًا من أن تكون من الوجهات الأولى الأكثر استقطابًا للسياح في العالم، في حال تم استغلالها في التنمية الاقتصادية خاصة وأن القطاع السياحي يفترض أن يساهم في رفع الناتج الداخلي الخام ويساهم في خلق ملايين مناصب العمل.