16-ديسمبر-2021

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

عامان مرّا تقريبًا على فترة حكم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي انتخب في الـ 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، واعتلى الحكم في الـ 19 من الشّهر نفسه، بعد استحقاقات رئاسية جاءت عقب حراك شعبي في الشارع فرض استقالة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

عرفت فترة حكم الرئيس خلال السنة الثّانية تجاذبات سياسية كبرى بين الجزائر وفرنسا على الصعيد الخارجي

وُسمت هذه الفترة من قبل البعض بـ"المرحلة الجديدة ومرحلة مكافحة الفساد"، بينما وصفها البعض الآخر بـ"النقلة المهمة من حكم بوتفليقة الذي غاب لسبع سنوات عن الواجهة إلى حكم البناء والتغيير"، في حين يرى فريق الآخر أن المرحلة اتسمت بالانتكاسة على جميع الأصعدة، واشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يؤكّد على توسيع مجالات التعاون مع تونس

ترِكة ثقيلة

بين هذه الأوصاف، يطرح سؤال محوري مفاده: هل يمكن تقييم سنتين من العهدة الـأولى من حكم الرئيس تبون؟ سؤال يتطلب إجابات موضوعية، رغم أن الأخيرة في عالم السياسة غير متاحة، ولن تكون متاحة بسبب متغيرات الوضع السياسي والاجتماعي والصحي الذي شهدته الجزائر.

يُجمع متابعون للشأن السياسي الجزائري أن فترة 24 شهرًا من الحكم في قصر المرادية، لا يمكن أن يكون تقييمًا موضوعيًا نظرًا لحجم الفساد الذي عرفته المرحلة السّابقة من الحكم، وتراكمات سوء التسيير أوّلًا، وعقب فترة حكم بدستور على مقاس الرئيس الراحل الذي استحوذ على دواليب السّلطة بصلاحيات واسعة انتقلت إلى شقيقه فيما بعد، واستم المشهد السياسي بالانقسام إلى فريقين؛ الأوّل فريق موالاة مدجّج بالأحزاب والمنظمات الجماهيرية التابعة له، والثاني معارضة انسحبت من الساحة بسبب التصحّر السياسي الفعلي.

عمومًا، هذا المعطى السياسي البحت أدّى إلى تداعيات اجتماعية، منها شرخ كبيرعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي، بعدما ترسّخت لديهم فكرة "إمكانية التغيير لكن ليس الآن"، وبدا أن ذلك يحتاج ذلك وقت طويل ليعود للجزائريين إلى حالة من الاستقرار، بعد أن طفت في الساحة نتائج فترة العشرين سنة ما قبل حكم الرئيس تبون.

لا يمكن التغاضي عن هذا الواقع مع بدايات سنة 2020، والتذكير به، وهو ما سبق أن وصفه رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور بـ "إنهاك الخزينة العمومية وإفقار الجزائريين"، حيث أكد في إحدى إفاداته أن الجزائر قبل 2019 عاشت فترة بحبوحة مالية كبيرة لكنها في المقابل لم يتم توظيفها من قبل القائمين على الشّأن العام في البلاد أحسن توظيف، خاصّة وأنها "لم تُستغل في ترقية الإنتاج المحلي ما أثّر على رفع قيمة فاتورة الاستيراد ومآلات ذلك على السيئة على الاقتصاد الوطني" حسب تحليله دائمًا.

هذه المآلات جعلت من فترة الحكم الأولى للرئيس تبون صعبة جدًا، رغم ما أبداه من "حماسة ونية التغيير واستقطاب الحراك الشعبي"، إذ يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي مصطفى بودهان أن هذه الفترة هي فترة إعادة البناء على القديم، وهذا وحده غير سليم من الناحية الميدانية رغم أنه جائز نظريًا، لافتًا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن بناء المؤسسات يحتاج عمليات دقيقة بداية بتأسيس قوانين تحكم الأفراد، وتعيد دفة الحكم في الإدارات في مختلف المؤسسات لـ" المعرفة والكفاءات وليس للولاءات".

عامل الاستقرار السياسي

من خلال هذه الإطلالة الخفيفة، أقدم الرئيس تبون على جدية التعامل مع المؤسّسات السياسية بمنطق التغيير والمضي نحو تنفيذ مشروعه السياسي بناء على بنود تعهداته الـ 54، بدءًا بالمسار الانتخابي، وتغيير الدستور والاستفتاء الشّعبي عليه، في الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ثم الانتخابات البرلمانية التي جرت في حزيران/جوان 2021، ثم أعقبتها الانتخابات المحلية (المجالس البلدية والولائية) في الـ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وبرأي متابعين للشّأن السياسي، فإن الانتخابات الثلاثة كانت خطوات لبناء مؤسسات جديدة وبقوانين ومواد دستورية تعيد للجزائر هيبتها التي فقدتها بسبب الفساد السياسي وتغوّل المال الفاسد أيضًا، لكنها لن تؤتي ثمارها إن لم تكن بمرافقة الرقابة والاستنجاد بالكفاءات.

هنا، يرى بودهان أن وضع المؤسسات هي "صمام الأمان للدولة"، بينما فعليًا فإن قراءة نتائج تلك الانتخابات فإنها لم تحدث تغييرًا جذريًا على مستوى المشهد السياسي لاعتبارات عدة أهمها:" ضعف نسبة الاقبال على الانتخابات أولًا، وبقاء أحزاب الموالاة في الواجهة الانتخابية ومراكز الفوز ثانيًا، رغم مكانة المترشحين الأحرار ووجود طاقات شبابية في الواجهة وفوزهم في الانتخابات سواءً النيابية أو المحلية".

كما اعتبر هذه النتائج واقعية لأبعد الحدود رغم رفضها من الكثيرين أو بالأحرى "عدم استجابتها لإرادة التغيير التي كان يصبوا إليها الحراك الشعبي"، غير أن ما حدث فعليًا هو ذهاب الوجوه التي سيطرت على الساحة السياسية سابقًا، والإبقاء على الأطر الحزبية التي كانت تدير دواليب الإدارة في السنوات السابقة من وراء الستار، وهو من الصعب -حسب قوله-تغييره في ظرف مدة زمنية قصيرة.

وما يحسب لفائدة الرئيس تبون على الصعيد المؤسساتي أن ما أنجزه ليس سهلًا خصوصًا إن ربطنا ذلك بالأزمة الصحية التي شهدها العالم والجزائر بفعل انتشار فيروس كورونا، إذ أدت الأزمة على تسخير مقدرات بشرية وتخصيص أغلفة مالية باهظة لأجل مكافحتها ما جعل من مهمة الرئيس مزدوجة، محاربة الفساد ومكافحة الوباء.

طاقم التسيير

الملاحظ أن الأزمة الصحية ألقت بظلالها على عمل الطاقم الحكومي، إذ استهلك الرّئيس تبّون في ظرف سنتين حكومتين: حكومة سياسية بامتياز بقيادة الوزير الأول أستاذ العلوم السياسية عبد العزيز جرّاد، جاءت بعد الحراك الشعبي هدفها الأول توفير الحوار مع الفعاليات السياسية والمدنية وكتل من الحراك الشعبي، كانت مهمّتها تسيير مرحلة سياسية وكان مطلوب منها أيضا توفير الأجواء والظروف لإجراء استحقاقات سياسية مهمّة، كان أعلن عليها تبّون وتعّهد بإجرائها قبل نهاية سنة 2020، خاصّة وأنها جاءت في ظرف وأن المظاهرات الشعبية كانت مستمرّة وبذلك لم يكن المطلوب منها إنجاز اقتصادي.

لكن الأزمة الوبائية دفعت بتبون تغيير الأجندة السياسية الزمنية، إذ كان واضح أن العمر الزّمني لحكومة جراد كان مؤقتا إذ لم تكن حكومة إنجاز، وبذلك تلتها حكومة اقتصادية بامتياز بقيادة الوزير الأول ووزير المالية أيمن عبد الرّحمان.

إحصائيًا كلا الحكومتين مجتمعتين عرفتا استوزار 70 وزيرًا، كما عرفت كليهما تغيير وزراء وإنشاء وزارات جديدة وهيكلتهما، واستحداث وزارات جديدة وضم وزارات إلى أخرى، بدافع إيجاد توليفة لإنجاز المشاريع الاقتصادية وإعطاء حركية المنجز في الميدان وديناميكية على الفريق الحكومي الحالي.

لكن الملفت للانتباه أنّ الرئيس تبون لم يخفِ امتِعاضه في كذا من مناسبة عن الآداء الضّعيف لبعض المسؤولين المرتبطين حسبه بالمال الفاسِد وتغول الإدارة التي "تعفّنت بسبب عدوى المسؤولين السابقين"، وهذا ما أكده أستاذ العلوم السياسية محمد عليلات في إفادته لـ "الترا جزائر"، حيث قال إن "الفساد ليس ما نراه فقط في المحاكم وقضايا لرموز سياسية وإدارية بمناصب كبرى في السابق، مضيفًا بالقول: "الفساد عشعش في الإدارات التي يتم تسييرها بذهنيات بيروقراطية قديمة وبمنطق القبيلة والعشيرة والمصالح أيضا، مع استبعاد الكفاءات النّزيهة".

الشباب والكفاءات

اجتماعيًا، وعد الرئيس تبون بإعادة الأمل والثقة للمواطن من خلال توجيه الأنظار نحو تنمية ما سمي بـ "مناطق الظلّ" التي تأوي أكثر من ثمانية ملايين جزائري في ظروف معيشية صعبة، داعيًا إلى إعادة تهيئتها بضرورات الحياة وتمكينها من الغاز والكهرباء والمياه الصالحة للشرب والنقل المدرسي وتهيئة المدارس والمرافق الصحية المتعددة الخدمات فضلا عن خدمات الربط بالطرقات.

إضافة إلى ذلك، أولى الرئيس تبون اهتمامًا كبيرًا بالمجتمع المدني وتشجيع الشباب على المشاريع الصغيرة والدخول للمعترك السياسي والتسيير وإشراكهم في الفعل المدني، إذ تحسب للرئيس هذه الخطوة لإرجاع الأمل للجزائريين من بوابة الاعتراف بالكفاءات الشبانية وتسليم المشعل لأكبر فئة في المجتمع الجزائري.

اجتماعيًا دائمًا، شهدت هذه الفترة من حكم العهدة الأولى، تدفقًا كبيرًا للجزائريين نحو الضفة الأخرى، من مهاجرين سرّيين في ظاهرة نمت في العام الحالي بشكل يطرح العديد من التساؤلات.

وفي هذا الإطار يبدو أن الجانب الاجتماعي بات أهمّ ملفّ ينتظر الرئيس في قادم سنوات حكمه، خصوصًا وأن ثقة المواطن اهتزت بفعل ارتفاع الأسعار وإحالة الآلاف على البطالة بسبب تداعِيات أزمة كورونا على العشرات من المؤسّسات.

الوجهة الأفريقية

خارجيًا، عرفت فترة حكم الرئيس خلال السنة الثّانية، تجاذبات سياسية كبرى بين الجزائر وفرنسا ما أدّى إلى استدعاء السفير الجزائري بباريس على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة للجزائر، في موقف حازم من المؤسسة السياسية الجزائرية ورفض أي تسوية أفقية للعلاقات الثّنائية دون اعتذار رسمي، إلى غاية الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للجزائر التي يمكن قراءتها بزيارة "تلطيف الأجواء وإصلاح ما أفسدته سياسة قصر الإليزيه".

في المقابل، تحرّكت الجزائر في السياسة الخارجية نحو الجنوب، وبالانفتاح على القارة الأفريقية، إذ يعتقد المتابعون للشأن الاقتصادي أن الجزائر فوتت في السابق فرصة "العمق الاقتصادي والتجاري الأفريقي"، لما فيه من فضاء اقتصادي استثماري ضخم، وهو ما أولته الدبلوماسية الجزائرية اهتمامًا بالغ في الفترة الأخيرة.

وتأتي هذه التحركات بعد أن منح الرئيس تبون الضوء الأخضر بتشجيع هذا الجانب من العمق القاري لتحريك الاقتصاد الوطني وفتح أسواق افريقية للتجارة الجزائرية وتنويع المداخيل للخزينة العمومية.

سنتان من حكم الرئيس تبون، انتقلت فيهما الجزائر من سياسة الرئيس المبهمة إلى سياسة معلنة بتشجيع التحرّك في الداخل في انتظار منجزات المؤسسات على المستوى المحلي والمركزي 

عموماً، سنتان من حكم الرئيس تبون، انتقلت فيهما الجزائر من سياسة الرئيس المبهمة إلى سياسة معلنة بتشجيع التحرّك في الداخل في انتظار منجزات المؤسسات على المستوى المحلي والمركزي وفي الخارج، خاصّة أن عودة الدبلوماسية الجزائرية للواجهة من شأنه أن يعطي دفعة قوية للتحالفات مع الدول وتمكين الجزائر من وجودها القاري الأفريقي والدولي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بودن: العمل جار بين الجزائر وتونس من أجل الانطلاق في استراتيجية متكاملة

علاقات استثنائية بين تونس والجزائر.. ماذا عن التعاون الاقتصادي؟