17-ديسمبر-2023

أوراق نقدية بعملة الدينار الجزائري (فيليب مارل/أ.ف.ب)

اصطدم خبراء مجلس المحاسبة بحصيلة ضئيلة جدًا لعائدات الضريبة على الثروة، لا تزيد عن 260 مليون دينار (1.930 مليون دولار)، خلال سنة 2021 أي مقارنة بعائدات مرتفعة جدًا للضريبة على الدخل، تزيد عن 900 مليار دينار (6.693 مليار دولار)، وهو ما يجعل الخبراء يتساءلون: كيف يدفع أغنياء الجزائر ضريبة أقل من فقرائها؟

الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف لـ "الترا جزائر": كثرة النصوص القانونية التي تُفرض على الخاضعين للضريبة تبقى غير كافية فمن الضروري تطوير المنظومة المعلوماتية لإحصاء أملاك الأثرياء 

وفي السياق، كشف التقرير التقييمي لمجلس المحاسبة، الخاص بمشروع تسوية الميزانية لسنة 2021، الذي تلقى موقع "الترا جزائر" نسخة منه، أن إيرادات الضريبة على الثروة، بلغت  261,197 مليون دينار (1.930 مليون دولار) أي ما يمثل 0.02% من إجمالي حاصل الضرائب المباشرة، مقابل 248.288 مليون دينار  (1.9 مليون دولار) سنة 2020 و241.809 مليون دينار سنة 2019 أي 1.899 مليون دولار.

ويُضيف ذات التقرير أن الإيرادات المنجزة من حاصل الضريبة على الدخل الإجمالي لسنة 2021، بلغت 906.300 مليار دينار (6.693 مليار دولار) وهو ما يمثل نسبة 75.90% من مجموع حاصل الضرائب المباشرة، مقابل 867.205 6.02 مليار دولار في سنة 2020، مسجلة بذلك ارتفاعًا بمعدل 4.51%، وهو ما يوازي 39.095 مليار دينار (220 مليون دولار)، بينما سجلت ارتفاعًا طفيفًا بمعدل قدره 0.43% أي 3.701 مليار دينار (18 مليون دولار)  بين سنتي 2020 و2019.

ويبرز التقرير بأنّ الإيرادات المنجزة تتكوّن من هذه الضريبة، أي من حاصل الضريبة على الدخل الإجمالي واقتطاع الرواتب، حيث وصل المبلغ المحصل في سنة 2021 إلى 818,010 مليار دينار (4.8 مليار دولار) ما يمثل نسبة 90.26% من إجمالي حاصل الضريبة على الدخل الإجمالي.

ومقارنة مع سنة 2020، عرف هذا الحاصل، زيادة بمعدل 4.10 32.213 مليار دينار (237 مليون دولار)، بينما شهدت سنة 2020 بالمقارنة مع سنة 2019، ارتفاعًا قدره 1.46%، أي 11.285 مليار دينار (89 مليون دولار).

تهرب الأغنياء

ويرجع الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي سبب تهرّب الأغنياء عن دفع ضريبة الثروة في الجزائر إلى "عدم تفعيل الآليات القانونية الخاصة بتحصيل هذه الضرائب، إضافة إلى غياب الرقابة الجبائية رغم تأكيدات الرئيس عبد المجيد تبون في كل مناسبة على أهمية تحصيل هذا النوع من الضرائب."

ويقول الخبير الاقتصادي في إفادة لـ "الترا جزائر" أنّ "طبيعة البشر دائمًا تتجه نحو التهرب من دفع الضرائب إلّا في بعض الحالات وهي أن يكون الخاضع لها يمتلك حسًّا جبائيًا عاليًا أو تكون قوة القانون صرامة في متابعة تطبيق هذه الضرائب."

ويُردف: "ضريبة الثرورة منصوص عليها في القانون الجزائري ويعنى بها كل شخص يمتلك ثرورة معينة مصرح بها لدى المصالح الجبائية، إلّا أن المشكل المطروح حاليًا في الجزائر هو  عدم تفعليها من قبل المصالح الجبائية ما جعل الأغنياء يتهربون من دفع ضريبة الثرورة."

ويتساءل محدثنا عن دور الإدارة الجبائية في تطبيق هذه الضريبة ومتابعة الخاضعين لها رغم أنّ القانون الجزائري واضح، مشيرًا إلى أن "الإدارة الجبائية أكدت أن سنة 2023  ستكون سنة جبائية وسيتم خلال تحصيل ضريبة الأغنياء بكل الوسائل ومتابعة التصريحات بالثرورة."

ليتساءل هنا: "المشكل يبقى مطروحًا لماذا لم تُفعّل رغم وجود آلاف الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط".

إصلاح ضريبي شامل

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف لـ "الترا جزائر"، على ضرورة إصلاح المنظومة الجبائية في البلاد، لتكون ذات فعالية وجدوى، خاصة وأن التحصيل الضريبي في الجزائر -حسبه- منخفضٌ لاسيما بالنسبة لفئة الأغنياء فيما يُعرف بضريبة الثرورة التي تكاد تكون شبه منعدمة.

كما يشدد هادف على ضرورة "توفير الميكانيزمات لتحصيل الضرائب، لاسيما فيما تعلق بفئة الأثرياء من أجل الوقوف على أملاكهم وإحصائها بطريقة دقيقة ومنع حصول تلاعبات الغرض منها التهرب من دفعها."

خبراء اقتصاديون تساءلوا عن دور الإدارة الجبائية في تطبيق الضريبة على الثروة رغم وجود آلاف الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط

وحسب الخبير الاقتصادي فإن "كثرة التشريعيات القانونية التي تفرض على الخاضعين للضريبة دفعها  تبقى غير كافية فمن الضروري تطوير المنظومة المعلوماتية وتعميم الرقمنة والوسائل التكنولوجية لإحصاء أملاك الأثرياء والوقوف على مدى التزام هؤلاء بتطبيق القانون".

ليبرز في الصدد بأنّ "النظام المعلوماتي له دور كبير في التحكم بالملفات التي لها أثر على الاقتصاد الوطني والجبهة الاجتماعية."

ويصرّ الخبير هادف على "إصلاح كل أنواع الضرائب التي تحصل في الجزائر خاصة وأن الاقتصاد الوطني يراهن على توسيع الوعاء الجبائي والرفع من فعالية التحصيل الجبائي."

ليشدّد على أنّه "يجب أن يكون هناك إصلاح شامل لكل الأشخاص الخاضعين للضريبة من أجل تحسين أداء المنظومة الجبائية فهذه الأخيرة تبقى من أهم مصادر الموزانة المالية العمومية للدولة".

ضرائب جديدة

من جانبه، يعترف أستاذ العلوم الاقتصادية، أحمد حيدوسي، بالجهود المبذولة من قبل الحكومات المتعاقبة لتحصيل ضريبة الثروة من الأغنياء إلّا أن هذه الأخيرة تصطدم في كل مرة بغياب قاعدة للبيانات تُحصِي الخاضعين لها.

ويقول الحيدوسي إنّ اتجاه الحكومة في سنة 2024 نحو تخفيض الضريبة على الدخل بهدف تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، يدفعها، من جهة أخرى، للبحث عن مصادر مالية جديدة على غرار فرض ضرائب لا تؤثر بصفة مباشرة على المواطنين منها العمل على تحصيل ضريبة الثرورة المسكوت عنها وكذا بعض الضرائب، التي رأينها في قوانين المالية منها الضريبة على المواد الكحولية والتبغية.

ويرى حيدوسي أنّ هذه الضرائب تبقى غير كافية، لذلك يجب العمل على تشجيع الاستثمارات المدرّة للثرورة بكل أنواعها، خاصة تلك التي تركز على الطابع التنافسي وتساهم في تمويل الخزينة العمومية بالعملة الوطنية والصعبة على حدّ سواء.