28-أكتوبر-2022
(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تحت تأثير عدة عوامل ناتجة عن انعكاسات الأزمة الصحية وأزمة الطاقةالدولية المرتبطة بالصراع الروسي-الغربي، والتضخم وعدم ضبط التجارة الخارجية، تدهورت أوضاع معيشة فئات واسعة من المجتمع الجزائري.

يقدر الدخل الفردي المتوسط بالجزائر في حدود 250 إلى 300 دولار شهريًا

وكشفت أرقام حكومية أن معدل التضخم السنوي وصلت في تموز/جويلية الماضي إلى 9.4%، مقارنة بـ7.3 بالمائة من نفس الفترة الماضيةـ غير أن الخبراء في المجال الاقتصادي والمصرفي يقدرون نسبة التضخم في حدود 25 % وهو رقم الأقرب إلى الواقع الحقيقي الذي يعيشه المواطن الجزائري.

 ما هو ارتفاع التضخم؟

ويعني ارتفاع معدلات التضخم زيادة أسعار السلع والبضائع والخدمات، كالمواد الغذائية الأساسية ووسائل النقل، والطاقة والملابس والأدوات المدرسية والخدمات وغيرها، ما يؤدي إلى رفع تكلفة المعيشة وتدهور القدرة الشرائية.

ويَحدث التضخم نتيجة ارتفاع الطلب على المواد الأساسية والاستهلاكية والخدمات في ظل تراجع المعروض في السوق، ما ينعكس عن تضخم في الطلب ونقص في العرض ما يؤدي إلى "تخضم في الأسعار".

تراجع العرض قد يكون نتيجة فترة ركود اقتصادي أو استفحال ظاهرة المضاربة والتهريب، أو عوامل خارجية كأزمة سلاسل التمويل والإمداد التي عرفها الاقتصاد العالمي نتيجة أزمة كورنا والتي أدت إلى تراجع في انتاج السلع ووسائل الشحن والتوصيل.

وتعتمد الجزائر على استيراد القمح من الدول الأوروبية، ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا شهدت أسعار القمح ارتفاعًا في أسعار القمح، علاوة على ارتفاع في المواد الطاقوية ما ينعكس عنه ارتفاع في كافة المواد الأولية والمواد المصنعة والشبه المصنعة، تؤدي كل هذه العوامل إلى تراجع القدرة الشرائية في الجزائر.

القدرة الشرائية

ويقصد بالقدرة الشرائية مقدار السلع والخدمات التي يمكن اقتناءها من خلال الراتب الشهري أو الدخل الفردي، ويقاس الاقتصاد الوطني وفق القدرة الشرائية للمواطنين، إذا ارتفع مؤشر الاستهلاك واستقر فإن المجتمع يعيش في بحبوحة اقتصادية أما إذ كانت نسبة الاستهلاك ضعيفة وبالتالي القدرة الشرائية هشة فإن الاقتصاد الوطني يعاني من فترة ركود.

هشاشة الأوضاع المعيشية  

في سياق الموضوع، ومن خلال استطلاع "التر جزائر" حول نفقات الأسر الجزائرية، يلفت الانتباه أن هناك تراجعًا في النفقات وتدهورًا في القدرة الشرائية، نتيجة ارتفاع تكاليف وأسعار جل المواد الأساسية والخدماتية.

في هذا الإطار، تقول م. سهام وهي طبيبة عامة تشتغل في القطاع العمومي، متزوجة وأم لطفلين، أن تكاليف المعيشة ارتفعت بشكل كبير، مضيفة أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة تراجعت القدرة الشرائية واستبدل نمط الاستهلاكي العائلي وحتى العادات الاجتماعية تغيرت، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدينار.

وأشارت محدث "التر جزائر" أنها تعمل رفقة زوجها، إلا أن الدخل الشهري لا يكفي ليس بسبب زيادة الطلبات، بل ارتفاع نفس النفقات والحاجيات العائلية، مستطردة أن النفقات والطلبات العائلية تمثل الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية، كالتعليم والتبضع وتكاليف إيجار المسكن وكلفة التنقل، ولا وجود لحاجيات الترفيه كالخروج إلى المطاعم أو التنزّه خارج مقر الإقامة.

وتابعت أن أمام ارتفاع النفقات وقصد التكيف، أُرغمت على بيع سيارتها والاحتفاظ بمركبة واحدة تعود إلى زوجها، واعتمدت محدثنا على تقليص النفقات الأسرية بشكل كلي، بعدما قررت الاستعانة بوالدتها من أجل رعاية وتربية البنت الصغرى بدل دور الحضانة، وتمدرس الابن الآخر في المدرسة العمومية، بعدما أمضى الفترة الابتدائية في المدرسة الخاصّة.

التكيف وتغيير العادات

في السياق ذاته، يُقول عبد الوهاب وهو شاب في العقد الأربعينات، يشتغل موظف في القطاع العمومي، إن الحياة باتت أكثر صعوبة ومتعبة، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والأكل والإيجار والنقل. وأضاف أن رفع نسبة الأجور الأخيرة لم تؤدي بشكلٍ ملوس إلى تحسن في القدرة الشرائية بل العكس تراجعت بشكل هائل.

وأفاد محدثنا أنه قرر رفقة عائلته الاستغناء على بعض المتطلبات والعادات، التي كانت تعد أساسية من قبل، شملت نمط الغذائي الاستهلاكي اليومي. وزاد أن التأقلم مع الأوضاع المعيشية يمثل مخرجًا من الوضع الصعب، كالبحث عن الأسوق الرخيصة وعروض التخفيضات للسلع.

ويصنف عبد الوهاب نفسه أنه في خانة الطبقة المتوسطة كما صرح بذلك، غير أن راتبه الشهري لا يسمح له بتناول اللحوم الحمراء أو اللحوم البيضاء بشكل منتظم ومستمر. بحسب أقواله.

وزاد أن الراتب الشهري بات لا يغطي النفقات الأساسية، وأنه بات يعتمد على مساعدة الأقارب والأهل من أجل الصمود أكثر.

العائلة المتوسطة

في سياق متصل، لا توجد إحصائيات دقيقة تفضي إلى تحديد نسبة العائلات المتوسطة بالجزائر، نظرًا إلى انعكاسات التحولات الاقتصادية والاجتماعية خلال ثلاث عقود الأخيرة، والانتقال من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق، وما ترتب عنه من فقدان الآلاف من مناصب العمل القارة، وبداية الألفية التي شهدت تفاوتًا كبيرًا بين الفئات المجتمعية من الوسط الجغرافي والسكاني الواحد، دون إمكانية فهم ميكانزيم التفاوتات. وهذا نظرًا إلى وجود هياكل موازية سياسيًا واقتصاديًا.

ويقدر الدخل الفردي المتوسط بالجزائر في حدود 250 إلى 300 دولار شهريًا أي يتراوح بين 35 ألف دج إلى 42 ألف دج، وهو دخل متوسط حسب تصنيفات البنك الدولي العالمي.

إجراءات الحكومة

في المقابل، وأمام ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تتخذ الحكومة عدة إجراءات من أجل دعم الجبهة الاجتماعية، في هذا السياق، تم توسيع الاستفادة من منحة البطالة التي قد تبلغ ملياري دولار سنويًا، ومن المتوقع أن ترفع كتلة أجور الموظفين متنقلة إلى 4629 مليار سنة 2023، ومراجعة شبكة النقاط الاستدلالية، مع توقع نسبة نمو اقتصادي يقدر بـ 4.1 %، وتراجع نسبة التضخم المتوقعة بـ5.1 %، علاوة على ارتفاع ميزانية الدعم السلع والمواد الاستهلاكية كالزيت المائدة والسكر والحليب والسميد.

ويبدو أن الحكومة في ظلّ ارتفاع أسعار النفط والطاقة في الأسواق العالمية تراجعت عن تسليم أموال الدعم مباشرة إلى المستهلكين، قصد ترشيد النفقات العمومية والتحكم الأفضل في ميزانية التحولات الاجتماعية.

في ظلّ ارتفاع أسعار النفط والطاقة في الأسواق العالمية تراجعت الحكومة عن تسليم أموال الدعم مباشرة إلى المستهلكين

ختامًا، وفي ظلّ ارتفاع الأسعار وهشاشة الوضع المعيشي للعائلات المتوسطة، فإن التغيير يمسّ جوانب كثيرة من نمط وأسلوك الحياة واستبدال العادات الاجتماعية، وهذا لا يضعف القدرة الشرائية فحسب، بل الاقتصاد بكامله القائم على الانفاق والاستهلاك العائلي.