22-فبراير-2021

تمثال الأمير عبد القادر بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

 

تتمتّع التماثيل بنفس واجب الاحترام الذي لأصحابها حين كانوا على قيد الحياة/ اليونيسكو.

زرت مدينة معسكر عام 2008 للمشاركة في ملتقى شهيد القلم بختي بن عودة، فقصدت السّاحة التّي تحمل اسم الأمير عبد القادر، وما يميِّزها تمثاله. وهو التّمثال الذّي وجدت صعوبةً ـ حين وقفتُ أمامه ـ في معرفة لمن يكون، فلولا اسم السّاحة ما عرفت أنّه للأمير. منحوتة ناقصة لرمز متكامل! وهي ملاحظة نستطيع تعميمها على معظم التّماثيل الموجودة في المدن الجزائريّة كلّها، حتّى أنّنا نجد أنفسنا في مواجهة هذا السّؤال المرّ: هل نجعل تماثيلَ لرموزنا قصد تكريمهم أم تشويههم؟

إنّ هناك فوضى وقلّة خبرة ونزاهة ماليّة تطبع الأطر التّي تُقام في ظلّها التّماثيل

أخصّ التّماثيل الخاصّة بالرّموز البشريّة لحساسيّة رمزيتها؛ أمّا تماثيل العناصر الأخرى؛ فيمثّل بشاعتَها تمثالُ الأسد هذه الأيام في ولاية باتنة. فقد وقفتُ عام 2018 على تمثال لفرس في عين البيضاء مؤخّرتها أكبر من جبل؛ وكتبت حينها أنّ الإساءة لم تمسّ الفنّ فقط، بل مسّت أيضًا روح الفروسيّة التّي تشكّل منطلق هوّيّة الإنسان الجزائريّ الشّاوي. كما وقفت على تمثال آخرَ لكبش في مدخل الجلفة خصيتاه أكبر من عجلتين، وهلمّ تشويهًا ورداءةً وهدرًا للمال العامّ.

إنّ هناك فوضى وقلّة خبرة ونزاهة ماليّة تطبع الأطر التّي تُقام في ظلّها التّماثيل التّي هي حاجة فنّيّة تخدم الذّوق والذّاكرة العامّين معًا. وهو وضع جعلني أقترح عام 2013 إنشاء هيئة وطنيّة متخصِّصة تتمتّع بالصّلاحيات التّالية:

ـ تحديد الشّخصيات التاريخية والرموز الحضاريّة التّي ترقى إلى أن تكون لها تماثيل، إذ ليس معقولًا ألّا يكون؛ على سبيل المثال لا الحصر، لأبوليوس الجزائريّ كاتب أوّل رواية في التّاريخ تمثال محترم، أو ليبوبا الثّاني أو لحمدان خوجة أو لمصالي الحاج، أو للعربي بن مهيدي، أو لكاتب ياسين، أو للشّيخ التّيجاني، أو لجميلة بوحيرد، أو للبشير الإبراهيمي، أو للشّيخ آمود، أو للشّاب حسني، أو لمالك بن نبي، أو لمولود معمري، أو لعبد القادر علّولة، أو لعيسات إيدير، أو لمحمّد بوضياف ،إلى غيرهم من القامات التّي سنصبح أقزامًا إذا قزّمناها.

ـ انتقاء النّحاتين المبدعين من الدّاخل والخارج لإنجاز هذه التّماثيل،.ذلك أنّ السّمعة الفنّيّة للنّحّات تعطي مصداقيّة أكبر لمنحوتاته.

ـ انتقاء المكان المناسب لاحتضان التّمثال، بناءً على دراسة رصينة تراعي معطى أنّ التّمثال يُنصبُ للإبراز لا للإخفاء. فقد مررت قبل أيّام على تمثال لإحدى الشّخصيات المسرحيّة في مستغانم منصوبًا في مفترق طرق لا يمكن التّوقّف لمشاهدته أو لالتقاط صورة معه/ له.

ـ الحرص على أن يكون التّمثال مرفوقًا بلوحة رخاميّة تلخّص سيرة صاحبه تحقيقًا لأحد أهمّ أهداف إقامة التّماثيل: التّعريف.

ـ الإشراف على عمليّة استبدال التّماثيل المشوّهة (بفتح وكسر الواو) بتماثيل محترفة، وترميم ما يصلح منها.

ـ احتكار مهمّة صيانة التّماثيل وفق المعايير العالميّة، ذلك أنّ كثيرًا من التّماثيل تعرّضت للتّشويه بسسب أنّ عمليّة صيانتها خضعت لجهل الجماعات المحلّية التّي تكفّلت بالمهمّة. فهل يعقل مثلًا أن يتكفّل عمّال من البلديّة بطلاء تمثال الأمير عبد القادر في قلب الجزائر العاصمة؟ ثم ّهل يُطلى تمثال برونزيّ أصلًا؟

 

لا بدّ أن نصل إلى مرحلة يكون شعارها: "انحت أسدًا حقيقيًّا وإلّا سيأكلك الشّعب"

ألا يُفترض أن يكون الوعي الجماليّ لدى الفنّانين والقائمين على الشّؤون العامّة أعلى من نظيره لدى الطّبقات الشّعبيّة؟ لكنّنا لمسنا العكس مع تمثال الأسد؛ من خلال التّفاعلات الفيسبوكيّة. وهو معطًى يبشّر بأنّ هناك ضغطًا شعبيًّا سيجعل النّحاتين الهواة وحماتهم في الجهات الوصيّة يحسبون مستقبلًا عدّة حسابات قبل أن يعبثوا بأموال الخزينة العموميّة والذّوق الفنّي العامّ. إذ لا بدّ أن نصل إلى مرحلة يكون شعارها: "انحت أسدًا حقيقيًّا وإلّا سيأكلك الشّعب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إرث مغاربي مشترك.. طبق الكسكسي على قائمة اليونسكو

وزيرة الثقافة تمارس الرقابة على حسابات فيسبوكية لإطاراتها