04-نوفمبر-2023
عبد المالك مرتاض

(الصورة: مؤسسة العويس الثقافية)

فقدت الجزائر، الجمعة، فارس الضاد الأديب والناقد والأكاديمي عبد المالك مرتاض، الذي يعدّ أحد أبرز الباحثين في مجالات دراسة اللغة العربية والنقد الأدبي، في البلاد والوطن العربي، عن عمر ناهز 88 عاما. وقدّ خلف رحيله حزن على منصات التواصل وفي أوساط المثقفين الذين نعوه بكلمات مؤثرة.

الرئيس تبون: مرتاض أحد أعمدة اللغة العربية في الجزائر

عبد المالك مرتاض فارس الضاد وخادم العربية،  الذي ووري الثرى، الجمعة، بمقبرة عين البيضاء في وهران، ولد عام 1935 بتلمسان (غربي الجزائر)، وأثرى المكتبة بعشرات المؤلفات في مجالات اللغة، الدراسات النقدية والكتب الفكرية.

خيّم حزن كبير في أوساط المثقفين الجزائريين الذين نعوا الراحل عبد المالك مرتاض بكلمات مؤثرة مليئة بالحسرة والألم، لم ينس بعضهم فضله عليهم في تدريسه أو في الاستلهام من مسيرته الغنية والثرية، بعضهم الآخر أكدّ على أنّ المرحوم موسوعة وقامة أدبية وعلاّمة من أعلام اللغة العربية.

وجاء في نص التعزية التي نشرها رئيس الجمهورية على حسابه الخاص: "انتقل إلى جوار ربه في هذه الجمعة المباركة الدكتور عبد المالك مرتاض، أحد أعمدة اللغة العربية في الجزائر ومربي الأجيال..رحل الرجل ويبقى الأثر"
وأضاف الرئيس تبون: "تعازي العميقة لأسرة الفقيد وألهمهم جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون".

مثقفون ينعون فارس الضاد
وفي السياق عزّت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي عائلة الراحل  وقالت: " إنّ الجزائر بل العالم العربي كله خسر برحيل الأستاذ مرتاض قامة شامخة في الأدب العربي، فهو الأديب الروائي والمفكر والناقد والمؤرخ، فقد أسهم إسهاما واسعا في عديد ميادين المعرفة والعلم والأدب."

 وأضافت الوزيرة: "وبهذه المناسبة الأليمة وهذا الرزء الفادح، الذي لا راد لقضاء الله فيه، ترفع السيدة الوزيرة خالص عبارات التعازي لعموم أهل الأدب أينما كانوا، ولأهل المرحوم وذويه، سائلة الله تعالى أن يغدق على الفقيد، من كريم عفوه ورحمته، وأن يشمله بمغفرته ورضوانه، وان يسكنه فسيح جنانه مع النبيئين والصديقين و الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون."

ومن بين المثقفين الجزائريين الذين قدّموا شهادات حول الراحل مرتاض، الكاتب والروائي الحبيب السايح الذي قال في منشور على حسابه بفيسبوك: " أستاذي السابق في جامعة وهران، الدكتور عبد المالك مرتاض في ذمة الله."

 وأردف الحبيب السايح: "عرفته أستاذا قديرا وكاتب قصة ورواية وناقدا وأكاديميا ذا قيمة عالية، عليه الرحمة، ولعائلته وأهله تعازي ومواساتي."

وفي رحيله، كتب وزير الثقافة الأسبق الشاعر والروائي عزالدين ميهوبي: "وداعا شيخ النقاد..الدكتور عبدالملك مرتاض".

 وروى ميهوبي في منشور له على فايسبوك بعض الذكريات مع الراحل جاء فيها :"حين التقيته أوّل مرّة، وجدته يحضنني بحفاوة ويقول لي: "ستسمعُ مني عن شعرك ما يسعدك".. وفوجئت أنّ هذا الأديب الناقد، يفكك إحدى قصائدي، كما لو أنّ كاتبها مُكرّسٌ في الساحة الأدبية منذ خمسين عاما. فقد ارتقى بي إلى مصاف الشعراء الكبار، ولم يكن مضى على نيلي الجائزة الوطنية للشعر 1982، سوى عامين أو أقل".

 وأضاف: "وحين رأى الدهشة مرتسمة على وجهي، قال لي: "لا تندهش.. سيكون لك شأنٌ في الشعر وغيره"، من يومها، زادت محبتي للرجل الذي لم يبخل على المبدعين الشباب بالدعم والإسناد، فكان إلى جانب الراحلين الركيبي ومصايف وآخرين من خيرة النقاد الذين أخذوا بأيدي كتّاب واعدين، ودفعوا بهم إلى معترك الإبداع الجاد".

 واستطرد ميهوبي قوله: "وتواصلت لقاءاتي بالدكتور مرتاض في مختلف الفعاليات الوطنية والعربية، وجمعت بيننا صداقة عميقة، وكثيرا ما استشرته في مسائل تخص اتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للغة العربية وغيرهما من الهيئات التي جمعت بيننا، ولا يمكنني أن أنسى كلمته في حقّي يوم كرمتني صحيفة الجمهورية بوهران، فما قاله ما يزل صداه في أذنيّ اليوم بعد مرور عشرة أعوام".

صاحب "حيزية" الروائي والأكاديمي واسيني الأعرج دعا بالرحمة للأديب عبد المالك ونشر صورته وكتب: "لروحه الرحمة والسلام."

بدوره، الشاعر والباحث مشري بن خليفة، نعنى الراحل على جداره بفايسبوك وكتب:" لا حول ولا قوة إلاّ بالله، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أستاذي وصديقي الأعزّ الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض في ذمة الله."

 وتابع قوله:" إثر هذه الفاجعة وهذا المصاب الجلل، أتقدّم بأصدق التعازي إلى عائلته والى كل الكتاب والمثقفين وتلامذته، وأدعو الله العلي القدير، أن يتغمده برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته . وعظم الله أجرنا في فقده."

وفي فقدان الجزائر لمرتاض أحد أعمدة اللغة العربية، رثاه الشاعر والكاتب جمال فوغالي بنص جميل داء فيه: "وداعا..  وداعاً أستاذُ الأساتيذ عبد الملك مرتاض في العلياءِ العارفة بقدْرِكَ والمكانة، وقدِ ارتقيتَ إليها بعشراتِ الكتبِ النقديةِ واللغويَّةِ والإبداعية، وجحافلِ المتخرجينَ والمتخرِّجاتِ على يديكَ البيضاويْنِ في عطائهما والكرم، وعلوتَ بإنسانيتِكَ الرَّفيعةِ ومرحكَ الذي لا نظيرَ لهُ بينَ أقرانك، والضحكةُ الصادقةُ الأمارَةُ الباقية، وكنتَ ممعناً في التراثِ حتى لكأنكَ لمْ تغادرهُ أبداً، ومغرقاً في الحداثةِ حتى لكأنكَ مبدعُها وقدِ ارتويتَ منْ مهدِها ماءً سلسبيلاً… فمَنْ مِنْ أمثالكَ أستاذي ارتقى رقيَّكَ الأكاديميَّ؟ فشرَّقَ فيضُ حضوركَ بهِ وغرَّبَ يحملُ اسمَ الجزائرِ عاليًّا فخراً واعتزازاً… وداعاً وكفى، فأنتَ الحيُّ أبدا…"

الشاعر سليمان جوادي، نشر تعزية عقب وفاة الراحل مرتاض وورد فيها: "باسمي وباسم المكتب الوطني لبيت الشعر الجزائري أتقدم بخالص التعازي وأصدق المواساة للساحة الثقافية والفكرية الجزائرية والعربية في وفاة المغفور له بإذن الله تعالى العالم العلامة صديقنا الكبير وأخينا الأثير البروفيسور عبد المالك مرتاض ، راجيا من المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهمنا وأهله جميل الصبر والسلوان ."

الجدير بالذكر أنّ عبد المالك مرتاض، تعلّ في صغره الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم، عمل في بداياته مدرسا للأدب العربي في مدارس ابتدائية وثانوية، وبعد نيله شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر في مجال الأدب العربي، عيّن مدرسا للأدب العربي بجامعة وهران عام 1970.

و في 1983 عين مديرا للثقافة والإعلام بولاية وهران، كما حاز في نفس العام دكتوراه في الأدب من جامعة السوربون بباريس بفرنسا.

 وتقلد عبد المالك مرتاض عديد المناصب في حياته، بحيث ترأس المجلس الأعلى للغة العربية في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، واشتغل في الخليج وكان ضمن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة "أمير الشعراء". كما كان عضوا في اتحاد الكتّاب الجزائريين، وكان عضوا في عدد من الهيئات الاستشارية العربية مثل هيئة مجلة "كتابات معاصرةّ بيروت، لبنان، هيئة مجلة "أصوات" صنعاء، اليمن، مؤسسة "البابطين للإبداع الشعري" الكويت (1997).. وغيرها.

حظي مرتاض بثلة من الجوائز والشهادات والتكريمات أبرزها تكريم وزارة الثقافة والفنون في فعالية "منتدى الكتاب" 2023، 1987 شهادة تقدير من رئيس الجمهورية.. وغيرها.

في رصيد الراحل عدة مؤلفات  المتنوعة بين الأدب والدراسات الفكرية والنقدية من بينها "الميثولوجيا عند العرب"، "عجائبيات العرب"، "القصة الجزائرية المعاصرة"، "ألف ليلة وليلة (تحليل تفكيكي لحكاية حَـمّال بغداد)، تحليل الخطاب السردي (تحليل سيميائي مركب لرواية (زقاق المدق) لنجيب محفوظ، "سؤال الكتابة ومستحيل العدم"، "العَـربية أجمل اللغات"، "العَـربية أعـظم اللغات"، "الثقافة الجزائرية بين التأثير والتأثر"، "القصة في الأدب العربي القديم"، "النص الأدبي من أين إلى أين"، "أدب المقاومة الوطنية"، "صوت الكهف"، "الحفر في تجاعيد الذاكرة".. وغيرها.