19-مارس-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

ألقت أزمة انتشار وباء  فيروس "كورونا" بظلالها على المشهد السياسي في الجزائر، إذ اضطرّت السلطة السياسية في البلاد، التي كانت تعتزم طرح المسودة الجديدة للدستور هذا الأسبوع  على الرأي العام، والطبقة السياسية والمدنية لإثرائها، إلى تعليق ذلك وإرجاء الخطوة إلى حين التّعافي من الأزمة الراهنة، المفتوحة على كلّ الاحتمالات.

فضّل الرئيس تبون التفرّغ لمهمة إدارة الأزمة الراهنة المتعلقة بانتشار وباء كورونا

الصحة في المقام الأوّل

بخلاف ما كان متوقّعًا، لم يُعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن المسودّة الجديدة من الدستور الأحد الماضي، مثلما وعد قبل أيّام، المستشار المكلّف بمهمة في الرئاسة محمد لعقاب، والذي قال في مؤتمر صحافي سابق أنّ الرئيس سيتسلم من فريق الخبراء الدستوريين النسخة المنقّحة من الدستور الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: إصابات جديدة مصدرها فرنسا.. غضبٌ في الجزائر بسبب تأخّر تعليق الرحلات

وفضّل الرئيس تبون التفرّغ لمهمة إدارة الأزمة الراهنة المتعلقة بانتشار وباء كورونا، وتوجيه كامل المجهود السياسي والحكومي للدولة والمجتمع أيضًا نحو التركيز على مواجهة التطوّرات والتداعيات الخطرة لفيروس كورونا، وتسيير الراهن المستجدّ، خاصّة مع تزايد الأرقام المصابين وتمدّد الفيروس جغرافيًا إلى 10 ولايات جزائرية، وتسارع انتقاله من منطقة إلى أخرى، بعدما كان محصورًا في ولاية واحدة هي البليدة ثم الجزائر العاصمة.

وأدّت الأزمة الراهنة، إلى زحزحة مختلف الفعاليات السياسية أهمّها مسألة تعديل الدستور، ومراجعاته القانونية، وإبعاده من أولويات أجندة  الرئيس تبون، مع تأخير عديد الملفات المتعلقة بالإصلاحات التي وعد بها الرئيس الجزائري، منذ مؤتمر أعقب إعلان فوزه في الانتخابات في يوم الجمعة 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي، خصوصًا وأن الأمر لا يتعلّق بوباء يمكن احتواؤه، ولكن بقرارات رفيعة المستوى تمّ اتخاذها كإجراءات أوّلية، موازاةً مع الإقرار بأن الوباء في المستوى الأوّل وما زال لم يصل بعد إلى المستوى الثاني، الذي يمكن أن يتطلّب إجراءات أقوى وأقسى قبل الذهاب بنا نحو المستوى الثالث، وهو الأكثر خطورة على حياة الجزائريين.  

امتحان عسير

سياسيًا، يعترف المتابع للشأن السياسي في الجزائر الناشط السياسي مصطفى بلخير، بأن "ثمّة ارتباك واضحٌ لدى السلطة السياسية في البلاد في تسيير الأزمة الحالية"، سواءً على مستوى مؤسّسة الرئاسة، باعتبار أن الرئيس تبون تسلّم مقاليد الحكم منذ فترة قصيرة، إضافة إلى الحكومة التي تشكّلت في الـ25 كانون الثاني/جانفي الماضي، وهي التي تضم أغلب وزراء حديثي العهد في إدارة الشّأن العام، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أن هناك "من بين الطاقم الوزاري من يمارس التسيير لأوّل مرّة، أمام التركة الثقيلة الموروثة من فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".

الملفت، أن هيئة الرّئاسة الجزائرية، كانت تُرتّب لإعداد برنامج لتنظيم لقاءات لطرح مسودة الدستور على الأحزاب والمنظّمات، إضافة إلى تنظيم تجمعات لفائدة ذلك، قبل إقرار التعديل والاستفتاء خلال الستة أشهر المقبلة، بينما نزل قرار الرئيس تبون عقب اجتماعه بعدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة مساء الثلاثاء الماضي، القاضي بمنع تنظيم أيّة فعاليات وتجمعات، مما يفيد أن تعديل الدستور، سيكون آخر نقطة في أجندة الرئاسة والحكومة الفترة المقبلة، مع تفاقم الوضع الصحّي والبيئي وطنيًا ودوليًا، دونما الحصول على رؤية إلى أين ستؤول الأوضاع، كما قال.

وفي هذا الشأن السياسي، كلّف الرئيس الجزائري، في الخامس من كانون الثاني/جانفي الماضي لجنة تضم 17 خبيرًا دستوريًا، بمراجعة شاملة للدستور الجزائري الحالي ويرأسها الخبير الأممي السابق أحمد لعرابة، تهدف إلى صياغة جديدة للدستور في ظرف 60 يومًا، تسعى لإعادة النظر في مختلف الصلاحيات الخاصّة برئيس الجمهورية، وإعادة تشكيل صلاحيات الحكومة والبرلمان والفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وتوسيع الحرّيات واستقلالية أكبر للقضاء، فضلًا عن استبعاد النفوذ المالي على مجال السياسة والشأن العام والإدارة، وعرضه على مختلف الفعاليات السياسية من أحزاب ومنظمات وإعلام للإطلاع عليه، وطرحه للاستفتاء الشعبي.

أخلاقيًا، الدستور ومختلف الإصلاحات السياسية يمكن تعليقها، في مثل هذه الظروف، يقول المتابع للشأن السياسي عبد الله دخوش، معتبرَا أن معركة الوقاية وتسيير الأزمة الصحية، خطوة مفاجئة وامتحان حقيقي للجهاز التنفيذي الحالي، مفيدًا في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الرهان كبير على تسيير الأزمة والتمكّن من استرجاع ثقة الجزائريين منظومة الحكم الحالية، وهي التي تزعزعت منذ سنوات، واسترجاعها  يكون في خضم تسيير الأزمة والتعاطي مع فصولها، المرتبطة بالشأن العام الإنساني.

اللافت أن السلطة السياسية الجديدة، تسلّمت الحكم في أوضاع صعبة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي

أزمات متراكمة 

اللافت أن السلطة السياسية الجديدة، بما فيها الرئيس وطاقمه الحكومي، تسلّمت الحكم في البلاد، في أوضاع صعبة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، خاّصة مع آثار الغضب في الشارع والحراك الشعبي الناقم على رموز الفساد، والمنظومة السياسية التي أورثت فسادًا عمّر لمدة عشريتين من الزمن. تآكلت بعدها احتياطات الصرف، وظهرت أزمة انخفاض أسعار النفط، لتزيد أزمة انتشار فيروس كورونا متاعب إضافية، خاصّة أن القطاع الصحي متدهور وإماكنياته محدودة، باعتراف خبراء ومختصّين بالخلل الكامن في المنظومة الصحيّة وإخفاقه في كلّ برامج الإصلاح الصحية، وبذلك تكون هذه الأزمات، بمثابة اختبار حقيقي لهذه المنظومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا.. منظمة حماية المستهلك تشجب قرار عودة الرحلات إلى الصين

إجلاء الجزائريين من الصين وتعليق الرحلات.. هل تجنّبت الجزائر فيروس "كورونا"؟