04-فبراير-2020

لم يعد الحصول على موعد لإيداع ملف التأشيرة متاحًا لكثير من الجزائريين (الصورة: الشروق أونلاين)

يكاد صبرُ كمال ينفَذ؛ فالشاب الثلاثيني يخوض منذ حوالي شهر رحلة لم تكن في حسبانه، فهو لازال يبحث عن أمرٍ كان يبدو له سهلًا في الوهلة الأولى، وهو الحصول على موعد لدفع ملف طلب تأشيرة لإسبانيا، فبعد أربعة محاولات قوبلت بالرفض من السفارة الفرنسية، اهتدى كمال لفكرة طلب التأشيرة نحو إسبانيا، فمن الشائع أنّ إسبانيا تمنح تأشيرات للجزائريين أكثر من أيّ بلدٍ آخر، لكنّه في الآونة الأخيرة بات حجز موعد لدفع ملفّ الفيزا أصعب من الحصول على التأشيرة نفسها، فالمواعيد تكاد تكون منعدمة، وإن وُجدت في السوق السوداء، فبثمن يضاهي ثمن تذكرة طائرة نحو مدريد، أو ثمن أسبوع في إحدى فنادق أليكانت.

أصبحت وكالات السفر عاجزة عن توفير مواعيد لإيداع ملفات تأشيرة فضاء شنغن للجزائريين

سماسرة يهزمون السفارات؟

قبل سنوات مضت، كان الجزائريون يدفعون ملفّات التأشيرة مباشرة في سفارات البلدان التي يختارونها، لكن الأمر مختلف الآن، إذ بات هناك وسيط بين طالبي التأشيرات والسفارات الأوروبية، وهي مراكز جمع الطلبات التي اعتمدتها دول فضاء شنغن، ويخصّ الأمر شركات "في أف أس" و "بي أل أس" و"تي أل أس"، وهي الشركات التي تُعنى بتوفير مواعيد لوضع الملفات عبر أنظمتها الإلكترونية، وكذا جمع تلك الملفات وتحويلها نحو السفارات، ومن ثم استقبال جوازات السفر لتسليمها لأصحابها بعد نهاية معالجة الملفّات لدى سفارات الدول.

اقرأ/ي أيضًا: تعقيدات "الفيزا " التركية للجزائريين.. مخاوف اقتصادية وسياسية

كانت مواقع تلك الشركات الوسيطة، توفّر المواعيد مباشرة عبر نظام حجزٍ واضح، إذ يتمّ إطلاق تلك آجال التسجيل، بحسب العرض والطلب كل أسبوع، كلّما كانت هناك مواقيتٌ غير محجوزة تم توفيرها عبر الموقع.

لكنّ الأمر تغيّر كثيرًا، خاصّة خلال السنتين السابقتين، وازداد الأمر حدّة في الآونة الأخيرة، فلم تعد هذه المواقع المخصّصة لحجز المواعيد توفّر ذلك، وأصبحت حكرًا على مجموعة من الأشخاص، أضحوا يلعبون دور الوسيط بين الزبائن وتلك الشركات، رغم نفي هذه الشركات للأمر مرارًا، موضّحة أنّ الخلل ليس من جانبها، فلماذا أصبح الجزائريون يبحثون عن مواعيد "الفيزا" كبحثهم عن إبرة في وسط كومة قش؟

يسيّر أمحمد عيساوي، وكالة أسفار في مدينة البويرة، وأصبح يعايش الأمر يوميًا، عشرات الزبائن يطلبون مواعيد لفرنسا وإسبانيا كلّ يوم، لكن الوكالات أصبحت عاجزة عن توفير هذه الخدمة، يقول عيساوي "في بعض الأحيان، يقبع موظفونا أمام حواسيبهم ليومٍ كاملٍ دون أن يتمكنوا من حجز موعدٍ واحد، ويرجع ذلك حسب عيساوي "أن بعض السماسرة ومقاهي الانترنت، وكذا بعض الوكالات السياحية، تمتلك أنظمة تحجز من خلالها المواعيد وتجعل الموقع شبه مغلق لمن لا يملك تلك الأنظمة، المعروفة لدى هؤلاء بالسكريبت".

 ويسترسل عيساوي "أمّا بالنسبة لمواعيد إسبانيا، فالأمر أخطر من ذلك، إذ يتحدّث كثيرون، أنّ بيع المواعيد يتمّ من داخل الشركة الوسيطة "بي أل أس"، فبعض العاملين هناك، يبيعون المواعيد لمعارفهم الذين يبيعونها من جديد في السوق الموازية. يعلّق المتحدّث: "تصوّر أنّ ثمن موعد لتأشيرة إسبانيا بلغ 45 ألف دينار هذا الأسبوع".

وينهي أمحمد عيساوي كلامه، "كنّا نوفر المواعيد ضمن ملفٍّ متكامل لطالب التأشيرة، من حجزٍ فندقي وتذكرة طائرة، الآن صرنا مخيّرين بين عدم توفير هذه الخدمة، أو الدخول في عالم بيع وشراء المواعيد، وذلك على حساب أخلاقيات المهنة التي اخترنا ممارستها".

ملفات للبيع..

كان فريد يمتلك ورشة لكهرباء السيارات في الجزائر، حاول كجميع أقرانه الحصول على تأشيرة لفرنسا، لكن محاولاته كلّها باءت بالفشل، رغم أنّه يعتقد أنّ الملف الذي كان يقدّمه كلّ مرة كان جيّدا، فهو يشتغل لحسابه، ويمتلك دخلًا معتبرًا، لكنه سئم من رؤية تلك الجملة الشهيرة في ملفه، أو السبب "رقم 8" الذي يعاني منه غالبية الجزائريين، وهو رفضٌ سببه الشكّ في البيانات والمعلومات المقدّمة في الملفّ الخاص بـ"الفيزا"، من شهادة عمل وكشف للراتب وحجزٍ فندقي وشهادة للرصيد البنكي، وعدم مطابقتها لمبلغ الحجز ومدّة الإقامة في ذلك البلد، وهو ما يعتبره فريد حجّة من لا حجّة له.

وقعت عين فريد، على منشور في إحدى المجموعات الفيسبوكية، لشخص "يبيع" ملفّات جاهزة، ويوفّر لزبائنه شهادات عمل وكشوفات رواتب في شركات معروفة، منها شركات بترولية تنشط في الصحراء الجزائرية، إلى جانب ذلك، يمدّ زبائنه بكشف بنكيٍّ بأسمائهم وحجز فندقي مؤكّد، وما على الزبون سوى أن إيداع الملفّ في سفارة البلد الذي يريد، بعد أن يقبض منك هذا الشخص مبلغًا يتراوح بين 40 ألف دينار ومائة ألف دينار، وربّما أكثر في بعض الحالات.

حالة اليأس التي كان عليها فريد، جعلته يجرّب حظه بعد أن استقصى عن هذا الشخص، يقول فريد الذي اختار البقاء في فرنسا، في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّه "في غضون أسبوع، تمّ الاتصال بي وتوجّهت إلى مكتب هذا الشخص، وأخذت منه ملفًا كاملًا يظهر فيه أنني أشتغل ميكانيكيًا في إحدى الشركات العمومية، وضعت الملفّ في مركز الدفع، وبعد قرابة شهر، تم الاتصال بي لسحب جوازي، وهنا كانت المفاجأة. صرت أمتلك تأشيرة قضيتُ عامين في الجري وراءها، منحها لي منشور عابر على فيسبوك، كنت أظنه تحايلًا في الوهلة الأولى".

نصب واحتيال؟

في مقابل ذلك، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصّة فيسبوك، صفحات ومجموعات مختصّة في التأشيرات نحو أوروبا، إذ يقوم بعض الأشخاص باستغلال تلك المنصّات من أجل الترويج لخدماتهم وعروضهم خاصّة في المجموعات المغلقة، حيث يتمّ بيع الفيزا بصفة علانية وكأنّك داخل أروقة السفارات. يعرض البعض خدمة توفير تأشيرة مضمونة بمقابل مادي يبلغ في بعض الأحيان 120 مليون سنتيم، وقد ذاع صيت بعض الوكالات والأشخاص في هذا الميدان، إذ تمكّن حقًا بعض الأشخاص من الحصول على فيزا بمقابل مالي، خاصّة حينما يتعلّق الأمر برحلة منظّمة، وهنا يُطرح السؤال عن الطرف الذي يتعاون مع هؤلاء السماسرة، هل هم موظفون جزائريون في السفارات، أم أنّ هناك تواطؤ رسميٍّ من تلك السفارات؟ هنا، يعتقد الكثيرون أنّ الأمر لا يتعلّق بتاتًا بشراء وبيع "الفيزا"، وإنّما هؤلاء السماسرة يزوّرون ملفّات لطالبي التأشيرة، ويجرّبون حظهم في تمكينهم من تأشيرات دول فضاء "شنغن".

من جهة أخرى، ذهب كثيرون ضحية هذه الشبكات، التي تستغل طمع البعض والرغبة الكبيرة لدى الآخرين في الذهاب إلى أوروبا، حيث يقدّم الكثير أنفسهم على أنّهم وسطاء لدى السفارات الأجنبية، وبإمكانهم جلب "الفيزا" على أن يتم تسبيق المبلغ كاملًا قبل البدء في تحضير الملف، مع ضمان الحصول على "الفيزا"، لتبدأ رحلة البحث لشهور عن استرجاع المال المنهوب، بعد أن يتفطّن الزبون أنه كان ضحيّة عملية احتيال، وقد يسترجع في الأخير ماله منقوصًا تحت مسمّى "أتعاب الخدمة"، التي قد تبلغ في بعض الأحيان ربع المبلغ.

بعض الوكالات السياحية، ومكاتب الأعمال أصبحت تحترف هي الأخرى بيع "الوهم" للجزائريين

بعض الوكالات السياحية، ومكاتب الأعمال، أصبحت تحترف هي الأخرى بيع "الوهم" للجزائريين، كمثل العروض التي وجدناها على فيسبوك، والتي تبيع بطاقات دعوة لحضور مؤتمرات ومعارض دولية، أو دعوات رسمية من بعض الشركات الأجنبية، من أجل زيارة عمل، فبعض المعارض والصالونات المهنية توفّر للجميع حجز بطاقة حضور مجانًا عبر موقعها، لكن تلك الوثيقة أصبحت تباع بمبالغ ضخمة، وأضحى البعض يصوّرها للزبائن على أنّها ستضمن لهم الحصول على التأشيرة، مستغلين واقعًا مزريًا، جعل أوروبا تبدو حلمًا ورديًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فرنسا تعلّق منح "الفيزا" للجزائريين بسبب الإنترنت

الجزائر رابع مدينة يفضل الفرنسيون زيارتها في عطلة "عيد كل القديسين"