30-ديسمبر-2022
مصنع سيارات صيني (الصورة:Getty)

مصنع سيارات صيني (الصورة:Getty)

لم تعد تفصلنا إلا ساعات عن نهاية سنة 2022، حيث وصفتها الجهات الرسمية بأنها ستكون اقتصادية بامتياز ، وتحديدًا عند تدشين الرئيس جلسات قطاع الصناعة مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 2021، حينما أكد أن العام المقبل _ أي السنة الحالية _ ستخصّص بشكلٍ كبير لتحقيق قفزة في القطاعات الإقتصادية من صناعة وزراعة واستثمار وسياحة.

يرتقب أن تصل المركبات الجديدة للسوق الجزائرية خلال سنة 2023 وهو ما يُلزم وزارة الصناعة بالفصل في أكثر من 120 ملفًا على طاولة الأمانة العامة للجنة التقنية المتخصصة في القريب العاجل

تسارعت في أعقاب ذلك الوزارات الوصية إلى تجسيد "مخطط عمل ضخم" منذ بداية العام، بدءًا بإحداث ثورة في القوانين والتشريعات ومباشرة إجراءات مراجعة عدد من النصوص المؤطرة للنشاط الاقتصادي، أما اليوم وفي ختام هذه السنة، ورغم جاهزية جل القوانين والنصوص التشريعية لإعادة تنظيم الحياة الاقتصادية، وترتيب أولوياتها وتحقيق العديد من الإنجازات، إلا أن الإقلاع الاقتصادي الحقيقي بات مؤجلًا إلى سنة 2023، وهذا باعتراف كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية.

في هذا السياق، لا يمكن الحكم على حالة النمو الاقتصادي في البلاد من خلال ترسانة القوانين والتشريعات وكم التعديلات القانونية، كما لا يمكن الاعتماد على الأرقام الرسمية التي تقدمها الحكومة حول التنمية، إذ أن ذلك لا يتحق إلا بأثر هذه التشريعات على حياة المواطن وتحقيق الرفاهية الاجتماعية وارتفاع القدرة الشرائية، في ظل أزمة مالية خانقة كرستها عدة عوامل، أبرزها ارتفاع التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار.

إلى هنا، سبق وأن صرح الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول في كلمة ألقاها خلال افتتاحه مؤتمر التصدير، أن سنة 2023 ستكون سنة الانطلاقة الاقتصادية الحقيقية، ويأتي ذلك بعد صدور معظم القوانين المنظمة للاستثمار وتصنيع السيارات والقضاء على المضاربة، في وقت لم تنطلق الأشغال في هذه الورشات لحد الساعة ولم تبدأ الأعمال بشكل رسمي في الميدان.

وبالرغم من ذلك، هذا لا يمنع اليوم في ختام عام انقضى ومع بداية سنة جديدة، من تقييم ما أنجز وما لا يزال ينتظر التجسيد خلال المرحلة المقبلة، فما هي الملفات الاقتصادية الموجودة على طاولة حكومة أيمن بن عبد الرحمن في عامها الثاني، بعد استكمال ثلاث سنوات من حكم الرئيس عبد المجيد تبون.

قوانين تعدلت وأخرى على طاولة البرلمان

يجزم خبراء اقتصاديون أن العديد من القوانين الاقتصادية اليوم قد باتت جاهزة للتطبيق، بعد مصادقة البرلمان عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، وحتى صدور نصوصها التطبيقية بالسرعة القصوى، ويتعلق الأمر بقانون الاستثمار الذي دخل حيز التنفيذ وتم استحداث الهيئات المشرفة على تطبيقه لاسيما الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار، إذ يتصدر هذا النص أهم إنجازات سنة 2022، يقول الخبير الاقتصادي مراد كواشي لـ "الترا جزائر"، إلا أن التحدي الأكبر في نظره، هو جلب المشاريع الاستثمارية المحلية والأجنبية خلال العام المقبل، وتسجيل استثمارات ترقى لنوعية هذا النص الذي حظي يإشادة النواب والپاترونا ورجال الأعمال، ولم يحظ بالنقد أو المعارضة.
ويؤكّد كواشي: "التشريع خطوة هامة في طريق جلب الاستثمارات، لكن الأهم هو كيف يمكن تطبيق هذا القانون والترويج له لجلب مشاريع ذات قيمة مضافة محلية وأجنبية، من شأنها نقل الخبرة والتكنولوجيا وخلق مناصب الشغل وتكريس وجود منتوج جزائري وتقليص الاستيراد ونزيف العملة الصعبة، وفي المرحلة المقبلة رفع التصدير".

وإضافة إلى قانون الاستثمار، يشيد المتحدث بصدور دفاتر الشروط المنظمة لنشاط تصنيع السيارات، وتوقيع اتفاقية مع المتعامل الإيطالي "فيات"، فرع المجمع الدولي "ستيلانتيس"، إلا أن التحدي الأكبر حسبه، هو تخريج أول سيارة من المصنع الجزائري سنة 2023، وبيعها للمواطن بسعر في متناول قدرته الشرائية، وتوقيع اتفاقيات جديدة تخص قطاع السيارات خلال الأشهر المقبلة والشروع في التصنيع وفق نسب إدماج معقولة.

وبالمقابل، يطالب كواشي بالمسارعة بالإفراج عن النصوص القانونية المؤطرة للاقتصاد التي لم تصدر بعد على غرار القرض والنقد والصفقات العمومية والشراكة بين القطاع العام والخاص، والتي يرتقب أن تلعب دورًا هامًا في إحداث حركيةاقتصادية وإقلاع حقيقي خلال سنة 2023.

حتى لا يتأخر الإقلاع 

من جهته يشدد الخبير الاقتصادي كمال ديب في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الإنجازات المحققة خلال السنة الاقتصادية تستحق الوقوف عليها والإشادة بها، إلا أنها تتطلب في نفس الوقت التزام الحزم والسرعة في الأداء خلال سنة 2023، حتى لا تمضي الأيام والأسابيع في مجرد تعديل القوانين المتبقية دون الشروع في العمل ميدانيًا.

وفي هذا الإطار يطالب المتحدث بالصرامة في العمل والرقابة الدائمة على أداء الوزراء والمديرين العامين،والتطبيق الصارم لأوامر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حينما أكد من قبل في تصريحات للصحافة الوطنية أن معيار بقاء الوزير أو المسؤول في الدولة من عدمه هو مدى إلتزامه بتنفيذ تعليمات مجالس الوزراء بالسرعة القصوى دون أي تهاون.

كما دعا ديب إلى الاستمرار في مكافحة الفساد، ومنع أية محاولات للتشويش على البرنامج الاقتصادي، ومكافأة الإطارات الكفؤة والمجتهدة والمسارعة في نشر الرقمنة التي من شأنها أن تعجل في رفع مستويات الأداء بالوزارات والمؤسسات وتزيد من الشفافية وتمنع من تكريس البيروقراطية والعراقيل.ويجزم الخبير الاقتصدي أنه في حال تم الالتزام بذلك، لن نجد نفسنا في نهاية سنة 2023، نؤجل عام الإقلاع الاقتصادي إلى سنة 2024.

ملفات على الطاولة مطلع جانفي

تعد أهم الملفات الاقتصادية التي يفترض أن توضع على طاولة الحكومة مطلع السنة الجديدة 2023 قانون القرض والنقد الجديد الذي تم تمريره في مجلس الحكومة ويتواجد اليوم على طاولة الأمانة العامة للحكومة، حيث يفترض أن يقترح هذا الأخير حلولا لامتصاص أموال السوق الموازية التي تناهز 90 مليار دولار، وإقرار الصكوك الإسلامية لأول مرة وتنظيم السندات والتعامل بالعملات الرقمية،وملفات أخرى من شأنها ان تلعب دورًا هامًا في تنظيم السوق المالية والنقدية في الجزائر خلال المرحلة المقبلة.

كما يُفترض أن تسارع الحكومة أيضًا لإقرار زيادات في الأجور والمنح والمعاشات، واستكمال إجراءات الانضمام لمجموعة "بريكس" ، كما ستواصل الحكومة النظر في ملفات استيراد وتصنيع السيارات، حيث يرتقب أن تصل المركبات الجديدة للسوق الجزائرية خلال سنة 2023، وبالتالي فوزارة الصناعة مُلزمة بالفصل في الطلبات التي تناهز اليوم العشرات على طاولة الأمانة العامة للجنة التقنية المتخصصة في الملف في القريب العاجل.

يأمل كثيرون ألا تبقى هذه النصوص القانونية حبيسة الأدراج وخارج حيز التطبيق، ولا يظهر أثرها إلا في لغة الخطابات والأرقام التي تتحدث عن التنمية

وفي النهاية، ورغم أن سنة 2022، لم تحمل في مضمونها الاقتصادي إلا تغييرات في النصوص والتشريعات، إلا أنه لا يختلف إثنان على أهمية تطهير القوانين والتشريعات لتحقيق إقلاع اقتصادي آمن بعيدًا عن أية عراقيل أو منغصات من شأنها أن تقف في وجه الخطوات الاقتصادية التي انتظرها الجزائريون طويلًا، ليبقى أمل كثيرين ألا تبقى هذه النصوص القانونية حبيسة الأدراج وخارج حيز التطبيق، ولا يظهر أثرها إلا في لغة الخطابات والأرقام التي تتحدث عن التنمية دون أن يكون لها أثر حقيقي في الواقع.