27-ديسمبر-2022
نواب يرفعون أيديهم للتصويت بالبرلمان الجزائري (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

نواب يرفعون أيديهم للتصويت بالبرلمان الجزائري (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

سجلت سنة 2022 رقمًا قياسيًا في عدد النصوص المحالة إلى البرلمان بغرفتيه للنقاش والمعالجة والتعديل، منهية بذلك عصر نصوص سابقة عمرت لأزيد من نصف قرن وأخرى لم تعدّل منذ دستور 1963، ولكن الجدل الذي كان يثار دائمًا هو حول مدى تطبيق هذه  النصوص وأثرها على حياة المواطنين، فما كان موجودًا من "ترسانة قانونية" كان كافيًا لحفظ التوزانات الديمقراطية في البلاد لو طبّقت بشكل عادل، حسب متابعين.

شهدت سنة 2022 بداية تطبيق قانون المضاربة بعد مشاكل ندرة المواد الأساسية وارتفاع أسعارها

"الترا الجزائر" وضعت  سبعة نصوص تشريعية جديدة تحت المجهر، وهي النصوص يفترض أن تلعب دورًا هامًا في رسم ملامح الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، صادق عليها البرلمان ودخلت حيز التنفيذ العام الجاري، بعضها كان لها أثر مباشر في إنهاء ممارسات عمرت لعقود من الزمن مثل قانون المضاربة الجديد الذي أنهى بشكل شبه تام ظواهر سادت لسنوات مثل زيادة أسعار المواد الأساسية وندرتها، والبعض الآخر،  لا يزال الجزائريون ينتظرون نتائجه وانعكاساته.

وتتلخص التشريعات السبعة في قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، والهادف لحماية الحقوق الاقتصادية للمستهلك الجزائري، وتدعيم نظام مراقبة السوق الوطنية، وأيضًا القانون المحدد لتنظيم السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والذي يهدف إلى تحقيق أعلى مؤشرات النزاهة في تسيير الشؤون العمومية، إضافة إلى قانون التقسيم القضائي لجعله يتماشى مع الأحكام المتعلقة بالجهات القضائية الإدارية والعادية.

وترتبط هذه النصوص أيضًا بقانون الاحتياط العسكري الذي يتيح تجنيد العسكريين الاحتياطيين والاستعانة بهم في كل الظروف، وقانون الاستثمار الذي جاء لرفع عراقيل الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد في البلاد، وإنهاء بيروقراطية الإدارة ومحسوبيتها، وقانون المقاول الذاتي المتعلق بتنظيم نشاط موجود في السوق لكنه كان غير خاضع لأي أحكام من قبل، والقانون المتعلق بنشاط الصيد البحري وتربية المائيات.

سنة تشريعية

في السياق، يقول سيد أحمد تمامري، برلماني وقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، في حديث إلى "الترا جزائر"، إن قوانين هذه السنة حملت ثلاثة اتجاهات؛ الأولى جاءت بهدف معالجة مشاكل مترسبة منذ سنوات مثل الاستثمار والمضاربة، والثانية استجابة لاتفاقيات دولية وتسوية وضعية الجزائر مع المنظمات العالمية مثل قانون النقابات والعمل وتبيض الأموال، والثالثة هي قوانين جديدة جاءت لتنظيم نشاطات كانت موجودة من قبل على غرار المقاول الذاتي.

كما أن سنة 2022 شهدت بداية تطبيق قانون المضاربة، هذا الأخير دخل حيز التطبيق مع بداية الأشهر الأولى لهذه السنة، حيث برزت سريعًا آثاره الايجابية، "وقد لاحظنا كيف استطاع هذا القانون أن يعالج مشكلة الندرة والمضاربة"، يؤكد تمامري.

كما أنه في الجانب الهيكلي، تمت معالجة قانون السلطة العليا للوقاية من الفساد ومكافحته، حيث يندرج هذا القانون ضمن الإصلاحات الهيكيلية التي أقرها الرئيس، إضافة  إلى القانون الذي ينظم المجلس الأعلى للقضاء، وهي مشاريع هيكيلية.

ويضيف المتحدث: "في مجال التعليم العالي شهدنا ميلاد قانون الأكاديمية، وفي الجانب الاقتصادي عرفت هذه السنة ميلاد قانون مهم وهو الاستثمار الذي يرمي بالأساس لرفع القيود والعراقيل البيروقراطية ومعالجة مشكلة الشفافية من خلال إنشاء المنصة الرقمية لدعم الاستثمار".

وفي الجانب القضائي شهدت الجزائر إصلاحات عميقة على غرار  تعديل قانون الإجراءات الجزائية ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وكذلك القانون المتعلق بالجانب الأمني تحت تسمية "الاحتياط العسكري"، كما سُجّلت جملة من المشاريع التي تحمل طابعًا قطاعيًا، على غرار قانون الصيد البحري والمقاول الذاتي والقوانين التي تنظم العمل النقابي وعلاقات العمل.

ماذا ستغير هذه النصوص؟

من جهته، يقول القاضي السابق والمحامي المعتمد لدى المحكمة العليا خميسي عثامنية في تصريح لـ "الترا جزائر"، إن القوانين الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ، هي قوانين إصلاحية تكميلية قامت بتصحيح بعض الوضعيات التي كانت تشهد جملة من النقائص، مضيفًا: "كما هو معروف، ونتيجة بؤر الفساد التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الماضية، كان على القائمين على الجهاز التنفيذي البحث عن آليات قانونية لمحاربة هذه التجاوزات، والسعى لتطويق المتورطين فيها واسترجاع الأموال المنهوبة، حيث أن النصوص التشريعية الجديدة تندرج في إطار تحقيق هذه الأهداف".
كما أن هذه القوانين جاءت، حسب عثامنية، استجابة للواقع المعاش، ولوضع حد لممارسات أرهقت المواطن، على غرار ظهور عصابات الأحياء والمضاربة بقوت الجزائريين، لذلك جاءت القوانين الجديدة لاستدراك هذا الواقع، لاسيما وأن المضاربة على سبيل المثال مست الاستقرار الوطني والأمن الغذائي، فكان لابد من نص تشريعي صارم لمواجهة هؤلاء.

أما في الجانب المؤسساتي، فقد شهدت سنة 2022 عدة قوانين على غرار المجلس الأعلى للقضاء وتشكيلته وسير عمله وهذا يصب في إطار تجسيد النصوص الدستورية وكذلك إنشاء المحكمة الدستورية، يعلق المتحدث، وينتظر أن تقدم هذه القوانين الكثير خلال السنوات المقبلة والذهاب نحو بناء دولة القانون وتنظيم الحياة الاجتماعية، يشدد عثامنية.

ورشات جديدة مطلع 2023

أما بخصوص أهم مشاريع القوانين المنتظرة خلال سنة 2023، يؤكّد القاضي عثامنية أنه ينتظر أن تتواصل عملية إصلاح قطاع العدالة عبر قوانين جديدة، وفي الجانب التسييري ستعرف السنة المقبلة ميلاد قانون البلدية والولاية أما فيما يخص الحريات، فستشهد الجزائر  أيضًا نصوصًا عدة لتنظيم الحياة السياسية عبر قانون الأحزاب والجمعيات وقانون الإعلام المتواجد حاليًا على طاولة البرلمان.

ولم يحد سيد أحمد تمامري عن هذا التوجه، حيث أكد محدث "الترا جزائر" أن القوانين التي دخلت حيز التنفيذ هذه السنة هي امتداد للإصلاحات التي أعلن عنها من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في حين لا تزال مشاريع قوانين أخرى تنتظر في الورشات، وسيعلن عنها مع بداية عام 2023.

ويعتبر المتحدث أنه في البرلمان على سبيل المثال توجد عدة نصوص تنتظر في مكتب المجلس الشعبي، أو مبرمجة في الأجندة، على غرار مشروع القانون الناظم بين الحكومة والبرلمان ومشاريع المنظمة لقطاع الإعلام ومشاريع أخرى متعلقة بممارسة الحق النقابي إضافة الى قانون البلدية والولاية في انتظار نزول قانون الأحزاب والجمعيات، والقرض والنقد وترسانة أخرى من النصوص سيتم معالجتها جميعا السنة المقبلة.

إلى هنا، يقرأ كثيرون ماورد في مشروع القانون المتعلق بالإعلام، بأنه جاء لتشديد الرقابة على إنشاء المؤسسات الإعلامية وتشديد الرقابة على التمويل الخارجي، وإن لم يحمل هذا المشروع عقوبات سالبة للحرية على الصحافيين، فقد شهدت هذه السنة متابعة عدد من الصحافيين بتهمة المساس بالوحدة الوطنية أو الإضرار بالمصلحة الوطنية.

أما بخصوص مشروع الممارسة النقابة،فحمل بدوره جملة من القوانين التي تحدد شروط الحق في الإضراب، وتحمل شروطًا إضافية تحد من الحرية النقابية والحق في الإضراب، حسب قراءة متابعين لمشروع القانون.

حمل مشروع الممارسة الإعلامية والنقابية جملة من التضييقات والعقوبات أثارت جدلًا في الجزائر

وفي النهاية تبقى النصوص التشريعية الجديدة ضرورة قصوى تفرضها التغييرات التي تشهدها الجزائر منذ سنة 2019، لإحداث قطيعة مع الماضي، والممارسات المقيتة التي شهدتها الجزائر في السنوات السابقة، فهل ستنهي هذه الثورة التشريعية مظاهر الفساد في البلاد؟