11-فبراير-2023

إضراب نقابات التربية (الصورة: الخبر)

تتعالى يومًا بعد يوم في الجزائر أصوات تطالب بتدخل الرئيس، لإلغاء القانون الجديد لممارسة النشاط النقابي الذي ترى فيه عدة تنظيمات عمالية تراجعًا إلى الوراء في مجال الحرية النقابية، بالنظر إلى العديد من المواد التي تضمنها.

يتضح أن الحكومة سارعت إلى الحكم بعدم شرعية الإضراب لتفادي تجارب سابقة

واعتبر منتقدون أن القانون الجديديدخل ضمن التضييق على تحركات الشركاء الاجتماعيين، في مقابل ذلك، خرج حزب التجمع الوطني الديمقراطي الباحث عن تموقع جديد داخل السلطة بتصريحات قال فيها إن "أطراف أجنبية"تحاول عرقلة تنفيذ ممارسة الحق النقابي.

ويكمن الجدل الذي أحدثه القانون الجديد،في أنه حظر الجمع بين العمل السياسي والنقابي، إضافة إلى وضع شروط جديدة للقيام بالإضراب الذي يقره دستور البلاد، وهو ما رأت فيه النقابات تراجعًا عن الخطوات التي حققتها البلاد في مجال النضال العمالي، في حين ترى فيه السلطة تنظيمًا لوضع غلبت عليه الفوضى واستُعمل العمال في مرات عديدة في صراعات لا صلة لهم بها.

استشارة؟

 قبل أكثر من عام من اليوم، قال الرئيس تبون في اجتماع لمجلس الوزراءأن "ممارسة الحق النقابي ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية وأن دستور 2020 يكفل ويكرس هذا الحق"، وذلك خلال دراسة مشروع كيفيات ممارسة الحق النقابي

وأكد تبون وقتها أن "مراجعة قانون كيفيات ممارسة النشاط النقابي ينبغي أن تتماشى ولوائح المكتب الدولي للعمل، وأنتراعي ضوابط التمثيل الحقيقي للنقابات بعيدا عن التمييع مع إشراك النقابات القطاعية في استحداث آليات قانونية لتقييم الأداء النقابي".

وشدّد وقتها على "أهمية الفصل بين العمل النقابي، والمسؤولية في التسيير والانتماء السياسي".

وطرح القانون منذ البداية جدلا وعدم رضا عدة جهات سواء موالية أو مستقلة، الأمر الذي جعل الرئيس تبون يأمر مواصلة إثراء القانونفي اجتماع لمجلس الوزراء شهر تموز جويلية الماضي.

وحسب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، يوسف شرفة، فإن مشروع مراجعة قانون الممارسة النقابية أتى "نتاج استشارة واسعة وتضافر جهود جميع ممثلي القطاعات الوزارية والمنظمات النقابية للعمال وأرباب العمل الأكثر تمثيلًا على الصعيد الوطني إلى جانب خبراء مكتب العمل الدولي".

غير أن رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط الذي تنضوي نقابته ضمن تكتل تقابي يضم أكثر من 30 تنظيمًا عماليًا نفي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن تكون وزارة العمل قد قامت باستشارة مع الشركاء الاجتماعيين، وذلك بالرغم من التعليمات التي وجهها الرئيس تبون للحكومة،وآخرها تلك التي أسداها في اجتماع مجلس الوزراء شهر تموز/جويلية الماضي لما طالب بضرورة مواصلة إثراء قانون الممارسة النقابية.

تراجع

بالنسبة للنقابي الياس مرابط، فإن ما تضمنه القانونين المتعلقين بممارسة الحق النقابي والنزاعات الجماعية في العمل والحق في الإضراب سيمثل انتكاسة للحرية النقابية الجزائر، إذا ما واصلت الحكومة تشبثها بالتشريعين الجديدين، بالنظر إلى أنهما يشكلان تراجعًا واضحًا في هذا المجال مقارنةبما حملته التشريعات السابقة الصادرة في تسعينات القرن الماضي.

وأوضح مرابط، أن كونفدرالية النقابات المتكونة من أكثر من 30 تنظيمًا عمّاليًا مازالت تنتظر تجاوب السلطات مع مطلبها، فهي قد راسلت مختلف الجهات المسؤولة من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان، ودعتها للتدخل من أجل سحب هذه التشريعات.

وقال مرابط إن قانون الحق النقابي يتعارض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها الجزائر، إضافة إلى تناقضه مع الدستور الجزائري الذي يضمن الحق في الممارسة السياسية والنقابية، ولا ينادي بالفصل بينهما.

غير أن وزير العمل ينفي اتهامات الشركاء الاجتماعيين، وقال في تصريح سابق إن تعديل وتتميم بعض أحكام القانون رقم 90-14 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، جاء "تكييفاً لتشريعنا الوطني مع التشريع الدولي وموائمة لالتزامات الجزائر بالتكفل بالقرارات الصادرة عن لجنة تطبيق المعايير الدولية للعمل خلال الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي"

وأضاف مرابط أنه ليس من العدل تحميل العمال الجزائريين مسؤولية التجربة الفاشلة للاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي استُغل من قبل السلطة في السنوات الماضية، مذكرًا أن التزاوج بين النظام السابق والمركزية النقابية ممثلة في أمينها السابق عبد المجيد سيدي السعيد المتهم اليوم بقضايا فساد استعمل في العقدين الماضيين لضرب النقابات المستقلة.

عدم تساهل

لا يظهر حتى الآن أن الحكومة تنوي التراجع عما تضمنته التشريعات الجديدة بشأن الحقوق النقابية والاحتجاج العمالي، بل إنها بعثت منذ أيام رسالة واضحة مفادها أن تعاملها لن يكون كالسابق بالتفاوض والتساهل في احتجاجات العمال والشركاء الاجتماعيين، وذلك بإعلانها التحقيق في إضراب عمال بعض المكاتب البريدية، ففي نهاية شهر كانون الثاني/جانفي المنصرم قضت محكمة الدار البيضاء بالعاصمة الجزائر بعدم شرعية الإضراب المفاجئ الذي نفذه بعض عمال البريد.

وجاء في بيان لمحكمة الدار البيضاء أنه "فضلًا عما ستقرره العدالة وفقا لنتائج التحقيقات التي تمت مباشرتها بشأن النداءات مجهولة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، ستتخذ المديرية العامة لبريد الجزائر كل الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في النصوص القانونية والتنظيمية السارية المفعول".

وتضمنت مطالب المضربين الذين تقول الحكومة إنهم استجابوا لنداء مجهول المصدربإقرار يوم إجازة أسبوعية ثان، ورفع الأجور وبعض المنح، وتأسيس نقابة جديدة تمثلهم، ودفع منحة جائحة كورونا لهم.

وقالت الحكومة إن الإضراب جاء عشية دفع منحة البطالة التي يستفيد منها 1.8 مليون عاطل عن العمل، والتي تصرف في العادة في اليوم الـ 28 من كل شهر، وهو ما يكون قد يمكن أن يفهم انه محاولة لتأليب هذه الفئة ضد الحكومة.

ويتضح أن الحكومة سارعت إلى الحكم بعدم شرعية الإضراب لتفادي تجارب سابقة، إذ أن إضرابات عمال البريد تُحدث احتقانًا واسعًا وسط المواطنين، بالنظر إلى أنها تتسبب في عدم حصول العمال على رواتبهم.

وبسبب إضراب عمال البريد، أقال الرئيس عبد المجيد تبون في 2021 وزير البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية السابق إبراهيم بومزار، بسبب إضراب لعمال هذا القطاع استمر لأسبوعين، وانطلق عشية شهر رمضان، وتسبب في غضب وسط المواطنين، وهو المشهد الذي عملت الحكومة هذه المرة على تفاديه، وجعلته يكون بمثابة رسالة واضحةتوجهها لباقي العمال بأنه لا تراجع في تطبيق التشريعات الجديدة.

إلياس مرابط: قانون الحق النقابي يتعارض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها الجزائر

لكن هذه الرسالة لا يظهر أنها ستثني التكتل النقابي المتكون من أكثر من 30 تنظيمًا عماليًا في مواصلة المطالبة بسحب قانون الممارسة النقابية الجديد، بالرغم من عدم تضامن أيّة جهة مع هذه النقابات سواء كانوا أحزابًا أو برلمانيين أو نقابة أرباب العمل، مثلما يقول إلياس مرابط الذي أشار أن خطوتهم القادمة الجديدة ستقرر في الاجتماعات المقبلة التي سيعقدونها لاحقًا.