15-يوليو-2023
الشرطة الفرنسية تواجه حركة احتجاجية (الصورة:Getty)

الشرطة الفرنسية تواجه حركة احتجاجية (الصورة:Getty)

أعادت قضية مقتل الشاب نائل النقاش والجدل حول "عنصرية" الشرطة الفرنسية، بين طرف يرى أن عنف الشرطة العنصري هو واقع لا يمكن إنكاره وتجاهله، وبين من يرى بضرورة التصدي للجريمة وعدم التساهل معها.

تكشفت تقارير إعلامية محايدة عن تزايد حالات عنف وقمع الشرطة الفرنسية تجاه الشباب الضواحي

في المقابل يعتقد تيارا اليمين الوسط والمتطرف في فرنسا، أن الشرطة الفرنسية مؤسسة تتعرض إلى حملة تشويه واتهامات لا أساس لها من الصحة، وراءها اليسار المتطرف وأطراف من الجماعات الدينية المتشدّدة، وتعتبر أن الشرطة جهاز مكانه الصفوف الأولى في مواجهة عنف الضواحي، وصد الجريمة الواقعة وسط العديد من الأحياء الفرنسية الفقيرة

 تجاهل

يَعكس مقتل المراهق نائل الذي وثقت أطوار عملية مقلته مقطع فيديو، سلسلة من السلوك الممنهج للشرطة الفرنسية تجاه شباب الضواحي الفرنسية من أصول أفريقية وشمال مغاربية، ففي سنة 2005 وقع حادث مشابه لثلاثة مراهقين مات منهم اثنان بالصعق الكهربائي بعد أن لجأوا إلى محطة كهرباء فارغة هربًا من متابعة الشرطة فيما أصيب الشاب الثالث بحروق بالغة الخطورة.

على إثر هذه الحادثة اندلعت حركة احتجاجية في الضواحي الفقيرة دامت أسابيع، وردّت السلطات الفرنسية آنذاك على لسان نيكولا ساركوزي، الذي كان وزيرًا للداخلية بالقول: "إذا لم يكن لديك ما تخفيه، فلن تهرب من الشرطة"، محاولًا تبرير مطاردة الشرطة الفرنسية للشباب الذين أشعلوا المدن الفرنسية المهمشة.

في السياق، فَقد سبق أن وجهت الأمم المتحدة انتقادات إلى باريس على خلفية تصاعد خطاب الكراهية تجاه المهاجرين واعتماد خطاب عنصري منمط وأعمال عنف تمارسها شرطتها.

إلى هنا، كشفت تقارير إعلامية محايدة رفعتها منظمات المدافعين عن المواطنة والمساواة، عن تزايد حالات عنف وقمع الشرطة الفرنسية تجاه الشباب الضواحي من أصول أفريقية في الغالب، وباتت عمليات التحقق من الهوية شكلًا من أشكال التمييز العنصري، يستهدف فئة معينة أكثر من باقي السكان من البيض.

ودعت هيئة حقوقية تابعة للأمم المتحدة السلطات الفرنسية إلى معالجة المشاكل العميقة المتعلقة بالعنصرية والتميز العنصري.

أزمة ما بعد الكولونيالية

في سياق الموضوع، يرى أكاديميون وباحثون أن السلوك "العنصري والتمييزي" الذي يطبع الشرطة الفرنسية لا يعود إلى مشاكل الضواحي الفقيرة الفرنسية، ولا إلى تزايد الجريمة المنظمة وسط شباب من أصول مهاجرة، ولا انتشار تجارة المخدرات في الشوارع بفرنسا، بل هي أزمة أعمق، تتعلق بمخلفات وذهنيات الكولونيالية التي صقلت مؤسسة الشرطة الفرنسية عبر عقود ماضية.

ويشدد باحثون أن البعد الكولونيالي والتاريخي للشرطة الفرنسية من المسكوت عنه، ولم يحظ بالنقاش العام، وبالتالي بقي دون معالجة السلطات الفرنسية لتلك الإشكالية، هذا رغم العديد من الدراسات والملاحظات المنجزة من مكاتب وزارة الداخلية الفرنسية، أو هيئات أكاديمية واستشارية ومنظمات حقوقية.

وبَحسب متتبعين، فإن وجود بعد تاريخي أسس العقيدة الأمنية للشرطة الفرنسية هو ما يفسر التعاطف الدائم لليمين المتطرف مع مؤسّسة الشرطة، بينما ينتقد اليسار الذي يقوده جاك لوك ميلونشون، ممارسات مؤسسة الشرطة الفرنسية وإدانة عنف شباب الضواحي.

تاريخ حافل

في السياق ذاته، تتثبت الشواهد التاريخية المرتبطة بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، على وحشية وعنصرية الشرطة الفرنسية، هنا، يمكن الإشارة إلى شخصية فرنسية هو محافظ الشرطة أندر أشياري Andre  Achiary والذي عمل بالجزائر العاصمة في جهاز الشرطة بين سنة 1940 و 1942، وعرفت فترة إداراته لشرطة العاصمة حملة تعذيب وقمع تعرّض لها أنصار الحركة الوطنية، وبلغت ذروة ممارسته الوحشية إبان أحداث ماي وجوان 1945 ، حيث كان وراء تشكيل مليشيات مسلحة من معمرين ومستوطنين كانت وراء مقتل آلاف من الجزائريين في ولاية قالمة في الشرق الجزائر.

وبعد اندلاع الثورة التحريرية شارك أشياري رفقة أنصار "الجزائر فرنسية" في سلسلة من الاختطاف والتعذيب واغتيال مناضلين ووضع قنابل في أحياء القصبة رفقة أعوان الشرطة التابعة له.

17 أكتوبر 1961

أما بالمتروبول الفرنسي، تبقى أمسية 17 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1961 "وصمة عار" في تاريخ الشرطة الفرنسية، حيث أقدمت على قمع مظاهرة سليمة نظمها جزائريون ضد التمييز العنصري وحظر التجول الذي فرضه موريس بابون مدير الشرطة بباريس آنذاك، وتحريضًا من رئيس الوزراء ميشيل دوبري ووزير الداخلية روجي فراي.

ويوصف هذا الحدث الدامي الذي ذهب ضحيته المئات من الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية "بجريمة الدولة الفرنسية"، وما يزال هناك تعتيم وتجاهل رسمي حول أحداث 17 تشرين الأوّل/أكتوبر 1961، رغم الخطوات المحتشمة من طرف السلطات الرسمية الفرنسية، لكن دون إعلان رسمي عن التوبة والاعتذار للضحايا.

منظمة الجيش السري

تجدر الإشارة أيضًا أن "منظمة الجيش السري الفرنسي" تشكلت وتكونت أيضًا من طرف عناصر الشرطة الفرنسية سواءً بالجزائر أو باريس، وكانت وراء اختفاء واغتيال العديد من المناضلين والجزائريين إلى غاية أواخر سنة 1962.

كثيرًا ما تشير تقارير صحفية وإعلامية فرنسية مستقلة إلى وجود ارتباط بين اليمين المتطرف والشرطة الفرنسية

إلى هنا، كثيرًا ما تشير تقارير صحفية وإعلامية فرنسية مستقلة إلى وجود ارتباط بين اليمين المتطرف والشرطة الفرنسية، وهذا ما يفسر البعد العنصري والأيديولوجية الكولونيالية التي ما تزال مرتبطة بهذه المؤسسة فكريًا وسلوكيًا، الأمر الذي يستدعي شجاعة في الإقرار والاعتراف، وليس اتهام مراهقين ضحايا التهميش بتهديد الجمهورية الفرنسية.