09-يوليو-2020

الحكومة عادت إلى فرض إجراءات الحجر على عدد من الولايات بسبب تطوّر الأزمة الوبائية (تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

 بات القلق يسيطر على الجزائريين مؤخّرًا، نتيجة تمدّد الخريطة الوبائية وظهور بؤر للفيروس من جهة، والشعور بإخفاق الخطط الحكومية لمواجهة الوباء، وعجز المسؤولين في التحكّم في الوضع من جهة أخرى، ما استدعى مراجعة السلطات لطريقة تسيير الأزمة والعودة إلى تدابير آذار/مارس الماضي، في واقع بنيته الصحية متهالكة.

تُلقي الجهات الرسمية في الجزائر، بكامل المسؤولية على عاتق المواطنين

القلق والارتباك

منذ تاريخ 14 حزيران/جوان الماضي، تاريخ الرفع التدريجي للحجر الصحّي في الجزائر وإعادة فتح الأنشطة التجارية والاقتصادية وتحرير حركة النقل، بعد ثلاثة أشهر من الإغلاق، اتخذ منحى الإصابات بفيروس طفرة غير مسبوقة، وتضاعف معدّل الإصابات أربع مرات، ففيما كانت الإصابات في، حدود الـ 100 إصابة أو أدنى من ذلك بقليل في منتصف حزيران/جوان الماضي، إذ بلغ عدد الإصابات أكثر من 460 إصابة حتى الأربعاء الماضي، ومازال مرشحًا للارتفاع أكثر.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. قلقٌ من ارتفاع الإصابات مجددًا بالبليدة وعداد الوفيات يصل 459 وفاةً

تُلقي كلّ التحاليل الرسمية، الصادرة من المستوى السياسي أو الصحّي في الجزائر، بالمسؤولية على عاتق المواطنين، وتذكّرهم بعدم التزامهم بالتدابير الصحيّة المقرّرة ونظام التباعد الاجتماعي، وتعتبره السبب الرئيس وراء هذا الارتفاع المقلق في الإصابات المسجلة؛ فالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكّد في آخر حوار تلفزيوني أجراه السبت الماضي لصالح قناة فرنسية، أنّه "قلق ومنزعج من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا"، وأردف أنه لن يتوانى في اتخاذ قرار بالعودة إلى الحجر الصحّي التام بناء على تقديرات المجلس العلمي، وطالب الوزير الأول عبد العزيز جراد من جهته، في آخر تغريدة له المواطنين وخصوصًا أهالي منطقة بسكرة جنوبي البلاد، بضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية.

من جهته، طالب وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد، خلال زيارة إلى ولاية بسكرة الأربعاء الماضي، المواطنين بضرورة تحمّل مسؤوليتهم في المساعدة على الحدّ من انتشار الوباء، أمّا رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية في الجزائر، الدكتور إلياس مرابط، في تصريح صحافي، فأرجع جانبًا من المسؤولية في التطورات الوبائية الراهنة في عدد من الولايات، إلى عدم وجود استجابة من طرف المواطنين، وتراخيهم واستخفافهم بتدابير الوقاية، موضحًا أن "ما نراه في الشارع محبط، بسبب استخفاف الكثير من المواطنين بخطورة الفيروس، وعدم احترام تدابير الوقاية، كاحترام مسافة التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة الواقية، وهذا يجهز على كلّ الجهود التي تقوم بها الأطقم الطبية".

انكشاف النظام الصحي

هذه الوضعية التي تعرفها الجزائر منذ بدء أزمة كوفيد -19، تسببت في انكشاف النظام الصحّي في الجزائر، إذ باتت ولايات بسكرة والوادي ووهران وسطيف، خلال الأيّام الأخيرة، مناطق موبوءة، بسبب حالة التشبع التي وصلت إليه المستشفيات، ونداءات الأطباء في هذه المناطق، وهو ما يوضّح  سوء الإدارة على مستوى عديد المؤسّسات الاستشفائية في الجزائر، وهو ما تتحمّله اليوم الحكومات المتعاقبة التي أوجدت هياكل صحيّة ولم تؤسّس لمنظومة متكاملة وإدارة صحية للأزمات، بحسب تصريحات الدكتور جمال بوكلوز، من ولاية سكيكدة، في حديثه لـ "الترا جزائر"، لافتًا إلى أننا اليوم أمام "معضلة حقيقية، تحتاج إلى إعادة توصيف للأزمة الوبائية التي تعيشها الجزائر".

في هذا السياق، فقَد السلك الطبي منذ بدء الأزمة، 70 إطارًا ما بين رؤساء مصالح وأطباء وممرّضين وموظفين في القطاع الصحي، فضلًا عن إصابة أزيد من 1700 عنصر من السلك الطبي في الجزائر عبر الوطن، إذ كان الجيش الأبيض أوّل من واجه الوباء في الصفوف الأمامية، غير أن الواقع يفيد أن المواطن يعاني في الوصول إلى الكشف عن الفيروس حين القيام بالتحاليل، مع غلاء الفحص في المصحّات الخاصّة.

 "يتحدّث كثيرون أننا نملك صحّة معطوبة ومهترئة"، تقول الأخصائية في الطبّ الداخلي بولاية قسنطينة، الدكتورة نورة بوحلاسة ، في حديث إلى"الترا جزائر"، موضّحة أننا اليوم أمام قدرنا، فلا المواطن قادر على استيعاب الدروس من خلال ما تتناقله وسائل الإعلام، حول نتائج التهاون في الالتزام بالوقاية ولا كلّ كوادر السلك الطبّي.

تدابير جديدة

إزاء هذه الأوضاع غير المطمئنة، وجدت الحكومة الجزائرية نفسها في وضعية ارتباك، نتيجة عدم نجاعة للخطط والتدابير التي اتخذتها، وعدم تعاون المواطنين مع السلطات بالقدر الكافي، إضافة إلى قرار الإبقاء على البلاد في حالة عزلة بحدود بريّة وبحرّية مغلقة وملاحة جوّية معلقة، فإن الحكومة قرّرت العودة إلى تدابير شهر آذار/مارس الماضي، إذ تقرّر إعادة غلق الأسواق والأسواق الأسبوعية وأسواق الـماشية لمدّة خمسة عشرة يومًا في الولايات التي تشهد حركة نشطة للفيروس، وكذا المراكز التجارية وأماكن تمركز المحلّات التجارية والحظر التام، لأيّ نوع من التجمّعات العائلية، لاسيما تنظيم أعراس الزواج والختان، وتم تعليق عقود الزواج في البلديات لمنع العائلات من إقامة حفلات الزفاف، كما أعيد فرض إلزامية ارتداء القناع في سيارات الخواص وفرض على التجار الامتثال لبروتوكولات الوقاية الصحيّة، سيما فرض ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي لأيّ شخص يدخل إلى المساحة التجارية، وإجراء عمليات مراقبة دورية للمحلّات التجارية والأسواق وتقرّر الغلق الفوري للمحلات التجارية التي لا تحترم التدابير الوقائية.

كما تقرر منذ هذا الأربعاء الماضي، فرض حجر مشدّد، على 18 بلدية بولاية سطيف شرقي العاصمة الجزائرية، لكونها باتت بؤرًا، لانتشار فيروس كورونا في البلاد لمدة 15 يومًا، تمنع خلالها حركة المواطنين، في الفترة بين الساعة الواحدة زوالًا حتى الخامسة من صباح اليوم الموالي .

الخطوات المتخذة خلال فترة الأشهرالماضية لم تكن الطريقة الأسلم لمعالجة انتشار الفيروس

ضرورة العودة إلى الحجر

تماشيًا مع التطوّرات الأخيرة، أعلنت الحكومة، الخميس، عن فرض حجر منزلي جزئي ببلدتي القالة والشط بولاية الطارف، شمال شرق البلاد، بسبب توسع انتشار فيروس كورونا المستجد، وأفاد بيان لوزارة الداخلية، أنّه "نظرًا لتطور الوضعية الوقائية بولاية الطارف، تنهي وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية إلى علم كافة المواطنين، بعد موافقة السلطات العمومية المختصة بإقرار حجر منزلي جزئي ببلدتي القالة والشط". وهو ما يعني أن الخطوات المتخذة خلال فترة الأشهر الأربعة الماضية، في رحلة تسيير الأزمة، لم تكن الطريقة الأسلم لمعالجة انتشار الفيروس والتحكم فيه، يأتي هذا عقب وضع سياسي مربك، وفي وسط منظومة صحيّة ينتظر إصلاحها والاستثمار في الكفاءات في المستقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيديو مصلحة كورونا.. إيقاف 5 موظفين بالمستشفى الجامعي لقسنطينة

خرق قرار حظر السباحة.. هل تنقل مياه البحر فيروس كورونا؟