15-أغسطس-2021

(فيسبوك/الترا جزائر)

طلب الاعتذار، وجمع الفدية، وتقديم الجناة للعدالة، هي ثلاثة مطالب انشغلت بها التعليقات الفيسبوكية في سياق مقتل الشاب جمال بن إسماعيل، بل وصبّت هذه التعليقات في سياقات تحريضية أحيانًا، انخرط فيها بعض المثقفين والأكاديميين والنشطاء.

من يعتذر لمن؟ من المفروض أن الجاني هو المعني بالاعتذار وليس غيره

هنا، ظهرت بعض الفيديوهات التي توثّق شبابًا من منطقة القبائل يتأسّفون فيها عمّا حدّث، ويدينون بشدّة الجريمة النكراء التي وقعت بالمنطقة، وذهب بعضهم إلى إطلاق مبادرة لجمع الفدية لأهل الضحية تضامنًا معهم، وتعبيرًا عن أسفهم لما وقع بمنطقتهم.

اقرأ/ي أيضًا: الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تطالب بتحقيق شفّاف في مقتل جمال

نتّفق جميعًا أن من نفّذ الجريمة وخطط لها وشارك فيها قام بعمل وحشي لا إنساني. هي جريمة بشعة بكل المقاييس، ولا يوجد أيّ مبرّر تحت أيّ ظرف كان، لمن يشرّع إراقة الدماء والتنكيل بالجثث.

ولكن دعونا نتساءل، من يعتذر لمن؟ أليس من المفروض أن الجاني هو المعني بالاعتذار وليس غيره، وهو ليس إجباريًا في حالة إثبات التهمة ضدّه مادامت العقوبة ستطبّق عليه، فلماذا نحمّل منطقة القبائل بأكملها مسؤولية الاعتذار والخروج في مسيرات مندّدة بالجريمة النكراء؟.

ألم نقع بهذه الطريقة في منطق التعميم، لماذا نحاول أن نُقنع الجميع بأن يتكيفوا مع طريقة تفكرينا التي تعمم الجريمة على منطقة القبائل، ولا نُحاول التخلّص من هذه العقليات السائدة.

هناك من قصد بالاعتذار، التنديد بالجريمة في مسيرات حاشدة، إن كان الأمر كذلك فهي مسؤوليتنا جميعًا، فنحن جميعنا مواطنون ونتقاسم الحقوق والواجبات نفسها، فأيّ الشرائع هذه حمّلت منطقة القبائل مسؤولية أكبر من مسؤولية بقية المواطنين؟

فرضًا، لو خرج سكان منطقة القبائل في مسيرات حاشدة لتقديم الاعتذار للجزائريين، بهذا المنطق يصبح لزامًا على الجزائريين الخروج للشارع وتقديم الاعتذار للعالم أجمع الذي شاهد الجريمة صوتًا وصورة، وتبرير ما حدث في بلادنا بأنّه لا يمثّل كل الجزائريين ورفع شعارات تقول بأننا لسنا إرهابيين ولا مجرمين ولاقتلة، أليس هذا ما يُفترض أن يحدث؟

لماذا لم نأخذ الأمر بعقلية أن مجموعة من المواطنين - وإن كانوا بالمئات- أقدموا على ارتكاب جريمة بشعة ضدّ مواطن آخر؟ من سمح لنا بإدراج العرقية والإثنية في كل ما يحدث؟ لماذا يندّد سكان منطقة القبائل فقط ويُعفى آخرون لأنهم ليسوا من المنطقة؟

أمّا بخصوص الفدية، وإن كانت مسألة دينية يفصل فيها أهل الاختصاص، فما نعرفه أن الفدية يقدّمها الجاني لأهل الضحية وليس سكان منطقته، وإن كانت المبادرات التي أطلقها البعض، تدخل في أجواء التهدئة والصلح وإسكات الأصوات الانتقامية فهي معقولة جدًا، إلا أنّ تحميلها لمنطقة بأكملها استعمل كثيرًا في الخطابات الاستفزازية وخرج عن سياق الاقتراحات.

أخيرًا، إن كان البعض يدعو سكان المنطقة إلى تقديم الجناة للعدالة فهذا أمرٌ خطير حقًا، إذا كنا نحن من نُطالب بالاحتكام للقضاء وعدم العودة إلى الانزلاقات التي حدثت.

وإن كان هناك شخص لديه الحق بالمطالبة بالفدية، فهو والد جمال فقط، وقد أنهى والد الضحية الخلاف حول مقتل ابنه بكثير من الحكمة والصبر والتعقّل.

مطالبة سكان منطقة القبائل بالتدخّل وإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، يمكن قراءته في سياق التحريض على القتل وتطبيق شريعة الغاب 

مطالبة سكان منطقة القبائل بالتدخّل وإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، يمكن قراءته في سياق التحريض على القتل وتطبيق شريعة الغاب التي ندّدنا بها في مقتل الشاب جمال بن اسماعيل، وحينها لن يكون جمال الضحية الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية