12-يونيو-2019

عمل للفنان العراقي سيروان باران

تشويش الجدران

أخيرًا، استطاعا أن يقهرا الظّروف الصّعبة والعراقيل الجمّة كلَّها، ويفرضا زواجَهما على محيطهما، الذّي كان يرفضه رفضًا.

يوم العرس: خرج العريسان ممسكَيْنِ يَدَيْ بعضهما وهما عاريان تمامًا إلّا من نشوتهما بتحقيق الهدف

شرعا في الإعداد للعرس. فشرع محيطُهما يتحدّث عن تفاصيلَ لم يَحِنْ حينُها: هل سيسكنان وحدهما أم يبقيان في بيت العائلة؟ هل سيُنجبان الأطفال في عامهما الأوّل أم سيُؤجّلان ذلك إلى وقتٍ لاحق؟ كم من مرّةٍ ستزور العروس بيتَ أبيها؟ هل سيبقى العريس معها في تلك الزّيارة أم سيكتفي بإيصالها؟

اقرأ/ي أيضًا: تحوّلات الرّعب في الجزائر

لم يلتفت الخطيبان إلى هذه الهواجس الخارجة عن المقام والمشوّشة عليه. وواصلا معركة الإعداد للزّواج بكلّ أنفاسهما وفلوسهما.

طوّر المحيطُ هواجسَه المُعَرقلة: هل سيكون العرس في البيت أم في قاعة الحفلات؟ هل سيكون بالأناشيد أم بالغناء والموسيقى؟ هل سيكون مفصولًا أم مختلطًا؟ هل سيجوب الكورتاجُ المدينةَ أم يكتفي بنقطتي الانطلاق والوصول؟ هل ستخرج العروس بالبرنوس أم بالرّوبة المكشوفة؟ هل سيدخل عليها في البيت أم يأخذها إلى الفندق؟

يوم العرس: خرج العريسان ممسكَيْنِ يَدَيْ بعضهما وهما عاريان تمامًا إلّا من نشوتهما بتحقيق الهدف. فهرب المحيط كلّه إلى جحوره.

أليس هذا حال النّخب السّياسية والثّقافية والحزبيّة مع الحراك، في مباشرتها الحديثَ عن شكل الدّولة القادمة، قبل تحقيق ظروف قيامها بطرد العصابة؟

 

الشّبل والطّريدة

خرج الشّبل للمرّة الأولى إلى البريّة مملوءًا بنفسه. فكونه سليل الأسود منحه إحساسًا مسبقًا بأنّه سيّد المكان. وأنّه سيحصل بالضّرورة على ما يريد، بالطّريقة التّي يريد، وفي الوقت الذّي يريد.

لكنّه اكتشف في الميدان، والعبرة بالميادين، أنّ الفريسة لا تأتيه من تلقاء نفسها، فقط لأنّه أسد، وأنّ حشرات صغيرة يمكن أن تعرقل هدوءَه وتسمّم لحظاتِه، وأنّ ثمّة منافسين من بني جنسه مستعدّون لأن يمزّقوه إن هو دخل في النّطاق، الذّي احتلّوه لأنفسهم تاريخيًّا.

هناك تعلّم أنّ أسديته لا تتحقّق إلّا بمطاردة الفريسة (الصّبر على الهدف) والتعوّد على الحشرات (الصّبر على التّشويش) والاعتماد على الجماعة (إلغاء الذّات للحفاظ عليها في الوقت نفسِه).

منحت الملايين التّي شكّلت الحراك الشّعبي إحساسًا للجزائري بأنّه لن يتجاوز الجمعة الثّالثة حتّى يُسقط العصابة. فمن هذا الذّي يستطيع أن يصمد في وجوه الملايين؟

ولأنّه فخامة الشّعب، فما على العصابة إلّا أن تفعل ما يريد، حتّى أنّه راح يضع سيناريوهاتٍ صدّقها بناءً على امتلائه بنفسه، من قبيل أنّ الطّيّب بلعيز رئيس المجلس الدّستوري سيستقيل ليخلفه وجه يرضاه، ثمّ يستقيل بن صالح ليحلّ محلّه هذا الوجه، أمّا استقالة حكومة بدوي، فتصبح تحصيل حاصل.

ولم يزل قطاع واسع من الشعب حتّى اليوم يعتقد أنّ العصابة ستستجيب لمطالبه فقط لأنّ الشعب أراد. وهذا ما يجب على الحراك أن يتجاوزه، باليأس التامّ من العصابة، فلا ينتظر منها إلّا التعنّت والتسمّر والاستمرار في المسار، الذّي رسمته لنفسها وله في الوقت نفسه، فيعتمد سياسة المطاردة أسلوبًا نهائيًّا في تعامله معها.

كما أنّنا مطالبون بالانتباه إلى أنّ العصابة ألقت بجرائها في حضن الحراك عند انطلاقه، حتّى لا يدوسهم معها، فقد ارتبكت فعلًا خلال الجمعات الثّلاث الأولى، وها هي تسترجعهم، بعد أن استجمعت قواها من جديد، فراحوا يرتمون في أحضانها، من خلال الترشّح لرئاسياتها والمشاركة في جلسات مشاوراتها.

على الشعب أن يتجاوز منطق الاعتماد على الخطّة الواحدة، إلى منطق تعزيزها بخطط أخرى مرافقة

لم تكن العصابة الحاكمة في حاجة إلى أن تتعلّم كيف تجهض ثورة شعب، فخبرتها في ذلك تساوي أعمار كهوله وشبابه، لكنّ الشعب بحاجة إلى أن يتعلّم كيف يجهض خططها في إجهاض ثورته (منطق فيروس الإيدز)، فخبرته في ذلك بضعة أسابيع فقط. وهو يبدي في الأمر عبقريّة رائعة ومثيرة للإعجاب. فقط عليه أن يتجاوز منطق الاعتماد على الخطّة الواحدة (المسيرات) إلى منطق تعزيزها بخطط أخرى مرافقة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

دُور الثّقافة في الجزائر.. لأيّة ثقافة؟!

الحراك الشعبي يحرر الصورة الفوتوغرافية!