30-يناير-2023
تبون

عبد المجيد تبون، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (الصورة: Getty)

لا يختلف اثنان على أن العلاقات الجزائرية الإيطالية شهدت قفزات غير مسبوقة، خلال الفترة  2022 _ 2023، سواءً على المستوى السياسي أو حتى في المجال الاقتصادي، وهو ما يعكسه رقم قياسي لزيارات مسؤولي البلدين ووفود الأعمال والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين في كافة القطاعات خلال الـ 13 شهرًا الماضية.

يتساءل متابعون: ماذا ستحمل صفقة الغاز واتفاق الباترونا من جديد للسوق الجزائرية خلال الأيام المقبلة؟

ويأتي ذلك، رغم أن إيطاليا كانت ومنذ عقود من الزمن توصف بـ "الشريك التاريخي للجزائر"، حيث تعود العلاقات بين البلدين إلى ما يربو عن قرن من الزمن، وتحديدًا إلى حقبة الثورة التحريرية الجزائرية.

وإلى جانب التعاون الطاقوي، من خلال أنبوب الغاز الذي شكل محور اتفاق بين "سوناطراك" الجزائرية و"إيني" الإيطالية، خلال زيارة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني للجزائر بين 22 و23 جانفي / كانون الثاني 2023، والتي التقت الرئيس تبون شخصيًا، سيحظى المتعاملون الإيطاليون بصفقات اقتصادية مهمة في الجزائر، شريطة نقل الخبرة والتكنولوجيا وتحقيق القيمة الاقتصادية المضافة وتوظيف اليد العاملة والمساهمة مستقبلًا في تشجيع التصدير، إذ تعتزم الحكومة الجزائرية بداية من سنة 2023 تحقيق صادرات خارج المحروقات تتجاوز رقم 10 مليار دولار، كسابقة أولى من نوعها.

وبعيدًا عن الرسميات، حظي أهم تجمع لرجال الأعمال في الجزائر تحت تسمية مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري "كريا" برئاسة كمال مولى، باتفاق تعاون مع أكبر منظمة لأرباب العمل في إيطاليا "كونفيدوستريا"، وهو ما دفع متابعين للتساؤل: "ماذا ستحمل صفقة الغاز واتفاق الباترونا من جديد للسوق الجزائرية خلال الأيام المقبلة؟"

ماذا تضمن اتفاق الپاترونا؟

خلال زيارة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني للجزائر، كشف مجلس التجديد الاقتصادي عن توقيع بروتوكول تعاون مع منظمة أرباب العمل الإيطاليين "كونفيدستريا"، وأكد بيان للمجلس استلمت "الترا جزائر" نسخة منه "استقبل كمال مولى رئيس كونفيدرالية أرباب العمل الإيطاليين كارلو بونومي، حيث يأتي توقيع هذا البروتوكول في أعقاب المحاورات التي جرت بين المنظمتين شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في روما، بهدف إتمام التوافق على مضمون مذكرة التفاهم، ومن خلال هذه المذكرة يتفق الطرفان على الإسراع في تنفيذ الشراكات المنشودة في كل القطاعات المحددة، لاسيما في مجالات الفلاحة وصناعة الأغذية والطاقات المتجددة والصناعات الصيدلانية والسياحة".

ويضيف البيان "من خلال هذا التقارب أصبحت المنظمتان مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري و"الكونفيدرستيا"، طرفًا في الديناميكية التي أرستها الدولتان لمواجهة التحديات الإقليمية، حيث أصبحت ترغبان في تعزيز الشراكة في مجال التوطين المشترك للمشاريع من أجل تكامل اقتصادي حقيقي من خلال إنتاج ومقاسمة سلسلة القيم الاقتصادية بين البلدين بشكل يعود بالفائدة على كل طرف من الأطراف".

وبخصوص بروتوكول التعاون، يعلق نائب رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري كمال خليفاتي في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه تم الإتفاق على مرافقة الإيطاليين للجزائريين في تحقيق السيادة الغذائية والصحية والطاقوية، وهذا عبر التعاون في قطاعات الصيدلة والطاقة المتجدّدة والفلاحة والصناعة الغذائية، كما تم اقتراح مرافقة الإيطاليين للمؤسّسات الناشئة الجزائرية، بحكم الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها هؤلاء في هذا المجال.

وتم التفاوض مع "كونفيدستريا" _ يضيف خليفاتي _ إما لتأسيس شركات لهم في الجزائر توظف اليد العاملة وتخلق القيمة المضافة وتصدر للخارج، أو إبرام شراكات مع جزائريين لتحقيق نفس الأهداف، وقد حظي طلب "كريا" بقبول لدى "كونفستريا"، ويرتقب حسب خليفاتي، تنظيم لقاءات ثنائية وتبادل زيارات وفود أعمال خلال الفترة المقبلة، مع تنظيم مجلس أعمال جزائري إيطالي سينعقد هذه المرة في إيطاليا.

"فيات".. عربون تقارب

ويجزم خبراء الاقتصاد على أن مصنع "فيات" للسيارات بالجزائر، والذي سيكشف النقاب عن أصناف مركباته المصنعة بوهران شهر مارس/آذار المقبل، في حين سيوفر أول سيارة في السوق شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 كأقصى تقدير، سيكون عربون تقارب اقتصادي بين الجزائر وإيطاليا ليتبعه عدد مهم من المشاريع الجديدة.

هنا، يعتقد الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن العلاقات الجزائرية الإيطالية ليست وليدة اليوم، بل هي متجذرة عبر محطات التاريخ، منذ أيام صديق الثورة الجزائرية أنريكو ماتي المصنع الإيطالي الذي دافع عن الجزائر وثرواتها، وهو نفس النهج الذي تسلكه اليوم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بتأكيدها على أهمية الشراكة مع الجزائر بشعار رابح _ رابح، بعيدًا عن النزعة الاستعمارية التي لطالما انتقدتها.

وبالعودة الى ماضي البلدين، يقول الحيدوسي "شهدنا كيف ساندت إيطاليا الجزائر، حتى خلال أزمة التسعينيات، حينما أدارت بعض الدول ظهرها لبلادنا، لتشهد منذ تلك الفترة العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورًا ملحوظًا، خاصة في ظلّ زيارات المسؤوليين الإيطاليين  للجزائر المتتالية والتي تبرز جودة العلاقات".

وعرفت سنة 2022 حسب الخبير الاقتصادي، قفزة على مستوى التعاون و"البزنس" حيث وُقعت عدة اتفاقيات مسّت مختلف القطاعات، ففي منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، وقع الطرفان اتفاقية لتصنيع السيارات من علامة "فيات" بولاية وهران.

وفي الجانب الطاقوي أيضًا تعهدت الجزائر برفع مستوى إمدادات  الغاز إلى إيطاليا لأكثر من 25 مليار متر مكعب، فضلًا عن توقيع عدة مذكرات تفاهم في مختلف المجالات، منها الصناعة التقليدية والصيدلانية والمقاولاتية والطاقات المتجددة ونشاطات أخرى ثقافية واجتماعية وفي مجال التعليم والتعاون الدبلوماسي.

ويتوقع الخبير الاقتصادي أن تضيف زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية للجزائر دفعًا في حجم التعاون مستقبلًا في عدة مجالات على رأسها الصناعة والطاقة.

روما انتزعت حصة مدريد

من جهته يؤكّد الخبير الاستراتيجي الإيطالي دانييلي روفانيتي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن العلاقات بين محور الجزائر _ روما "لطالما كانت ممتازة، إلا أن جودتها تزايدت خلال الأشهر الأخيرة بفعل انعكاسات الخلاف بين الجزائر ومدريد، حيث استطاعت إيطاليا انتزاع حصة إسبانيا من السوق والاستثمارات خلال سنة 2022 ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالامدادات الإضافية للغاز".

ويتوقع روفانيتي إمضاء المزيد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية بين الجزائر وإيطاليا خلال المرحلة المقبلة لاسيما في قطاعات الصيدلة والصحة والأشغال العمومية والبناء والطاقات المتجددة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والفلاحة والصناعة الغذائية.

الجزائر انفتحت اقتصاديًا نحو عدّة دول منذ سنة 2021 أبرزها روما واسطنبول

وبدا ظاهرًا للعيان منذ سنة 2021، انفتاح الجزائر إقتصاديًا نحو عدة الدول، من خلال تقارب مع روما وأنقرة وإبداء رغبة في الانضمام إلى تكتل "البريكس" الذي يضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وتصحيح بنود الشراكة مع باريس، ومغازلة المستثمرين الأميركيين وتكريس التعاون البيني العربي والأفريقي، وقبل ذلك الكشف عن قانون استثمار جديد، سيكون بمثابة دستور اقتصادي للسنوات  المقبلة، حيث لا يمكن تعديله قبل 10 أعوام على الأقل، لضمان الأمن التشريعي للمستثمرين الأجانب.