08-أبريل-2024
 (الصورة: Getty) في أحد الأسوق الجزائرية

في يوم مشمسٍ وحار، صادف أواخر شهر رمضان المبارك، قرّر الأب الطيب، عبد الناصر، أن يتوجّه إلى سوق الجرف شرق الجزائر العاصمة، ومعه ابنته كهينة، البالغة من العمر تسع سنوات، لاقتناء ملابس العيد، ولكن بمجرد تجوّلهم في محلّات المنطقة، صُدموا بأسعارٍ مرتفعة جدًا، أثارت قلق وتوتّر عبد الناصر، الذي كان يأمل في توفير ملابس تليق بابنته دون إرهاقٍ ماليٍ كبير.

مصطفى زبدي لـ "الترا جزائر": 80%  من الملابس الجاهزة مستوردة من الخارج والصناعة النسيجية المحلية ما تزال عاجزة عن تغطية الطلب الوطني المتزايد

ورغم الصدمة، لم يستسلم عبد الناصر الذي اقترض مبلغ 10 آلاف دينار (74.31 دولارًا)، ليتمكن من تحقيق أمنيات كهينة وإسعادها بالملابس الجديدة مثل أقرانها.

فمع اقتراب مناسبة عيد الفطر، يتساءل كثيرون في الجزائر عن كيفية توفير ملابس العيد في ظلّ ارتفاع الأسعار، رغم جهود الحكومة لخفضها، وتحسّن القدرة الشرائية نسبيًا مؤخّرًا، حيث تتزايد الضغوط على الأسر لتوفير الملابس الجديدة لأطفالها، مما يضيف عبئًا ماليًا إضافيًا في زمن يحمل العديد من الالتزامات الاقتصادية.

وبينما يتضاعف الطلب على الملابس والأحذية، تظلّ الأسعار ترتفع وسط إشكاليات عدّة تواجهها السوق المحلية بسبب اعتمادها الكبير على الاستيراد كما يتزايد بالمقابل الوعي بأهميّة دعم الصناعات المحلية، خاصّة بعد النمو الملحوظ الذي شهدته بعض فروع الأحذية والجلود والنسيج.

هذه التحدّيات تجعل مسألة توفير ملابس العيد تتحوّل إلى قصّة معقدة في الجزائر، تجمع بين الرغبة في اتباع التقاليد وتوفير الحاجيات الأساسية وضرورة مواجهة غلاء الأسعار من طرف الأسر وتخفيف عبء النفقات عن كاهلها.

حملة تخفيض

رغم الدعوة الاستباقية التي أعلن عنها الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين لتخفيض أسعار ملابس العيد خلال الأيام الأخيرة والتي تسبق نهاية شهر رمضان الفضيل بأسبوع، إلا أنّ المتجوّل في المحّلات والمراكز الكبرى لبيع الألبسة يرى بوضوح الارتفاع الكبير في أسعارها حيث ارتفعت هذه الأخيرة بنسبة 10% مقارنة بالسنة الماضية حسب تصريحات رئيس منظمة حماية المستهلك الجزائرية مصطفى زبدي.

 ووصل متوسط سعر طقم ملابس لطفلة تبلغ تسع سنوات، سعر 11 ألف دينار جزائري أي (89.61 دولارًا) حسب ما وقفت عليه " الترا جزائر"، والشيء نفسه بالنسبة للأطفال الذين لم يتجاوز سنهم خمس سنوات، حيث وصل سعر لباس مكون من قطعتين إلى 7500 دينار جزائري أي 55.7 دولارًا، دون احتساب سعر الحذاء الرياضي.

من جانبه، أكّد الأمين العام للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين عصام بدريسي في حديث إلى "التر جزائر"، أن جمعيته قامت بتوجيه مراسلة لكلّ التجار المنضوين تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين من أجل خفض أسعار ملابس العيد، وأطلقت في هذا الصدد حملات تحسيسية_ يقول برديسي_ لتجار الألبسة لتوعيتهم بضرورة التضامن والتكافل مع المواطنين في هذه الأيام المباركة.

وأضاف برديسي، أن التجار يعملون على إنجاح حملة التضامن التي سبق وأن أطلقوها خلال شهر رمضان وتكللت بالنجاح في انتظار أن تعمم على ما تبقى من الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل خاصة ما تعلق بتخفيض أسعار الملابس.

80% من ملابس العيد مستوردة

وضمن هذا السياق، يقول رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك مصطفى زبدي أن 80%  من الملابس الجاهزة التي تسوق في المحلّات والمراكز التجارية مستوردة من الخارج، مؤكدًا أن الصناعة النسيجية المحلية لاتزال عاجزة عن تغطية الطلب الوطني المتزايد.

وأوضح زبدي في حديث إلى "الترا جزائر" أن أغلب الملابس المسوّقة اليوم تأتي إما عن طريق الاستيراد النظامي من خلال منح التراخيص للمتعاملين في هذا المجال أو عن طريق الاستيراد الفوضوي أو ما يعرف بالتهريب.

ويقول المتحدث، إن شراء ملابس العيد الجديدة أضحت ظاهرة مناسباتية لكثير من العائلات الجزائرية حيث باتت من تقاليد مجتمعنا الذي يلجأ إلى شراء ملابس جديدة لكل افراد الأسرة على رأسهم الأطفال ويخصص في هذا الإطار رب الأسرة مبلغًا ماليًا كبيرًا لشراء هذه المقتنيات بما يقارب خمسة ملايين سنتيم لعائلة مكونة من ثلاثة أطفال.

ويرى رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك أن سوق الملابس خاصّة خلال فترة الأعياد وبالدرجة الأولى عيد الفطر غير مستقرة من حيث الأسعار وتخضع لتقلبات السوق الدولية، قائلًا: "الشيء الملاحظ ككل سنة أن أسعار ملابس العيد تترتفع خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان بسبب تزايد الطلب عليها كما أن سوق الملابس حرة ولا تخضع لتقنين الأسعار".

ومن بين أسباب ارتفاع اسعار الملابس كون هذه الأخيرة مستوردة بالعملة الصعبة، وبالتالي تحتسب بنفس التكلفة فمن غير المعقول أن يلجأ التجار إلى تخفيضها ويعرض نفسه للخسارة المالية.

وفي سياق معاكس، يقول مصطفى زبدي أن الطلب على الأحذية المصنعة محليًا عرف تزايدًا بنسبة قدرت بـ 20% نظرًا للجهود المبذولة من قبل الناشطين في هذا القطاع من أجل تطوير هذه الصناعة إضافة الى المرافقة الكبيرة التي أولتها السلطات العليا في البلاد لهذه الشعبة، كما زادها تطورًا التفاف الصناعيين على هذه المهنة ورفع وتيرة الإنتاج وتحسين النوعية.

نفقات الأسرة الجزائرية

وغير بعيد عن ذلك، يرى الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي أن النفقات المالية التي تخصّصها الأسر الجزائرية لاقتناء ملابس العيد باتت خلال السنوات الأخيرة ترهق كاهلهم، وذلك نتيجة ارتفاع أسعارها من جهة، وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين من جهة اخرى.

وأوضح محدث "الترا جزائر" أن ما تدفعه الأسر الجزائرية لاقتناء الملابس في هذه المناسبة هو ضعف المرتب الذي يتقاضاه ربّ الأسرة، فعلى سبيل المثال الأب الذي يتحصل على مرتب بقيمة 40 ألف دينار، ولديه ثلاثة أو  أربعة أطفال ينفق ما معدّله 80 ألف دينار لشراء الملابس والأحذية.

ويؤكد حيدوسي، أن الطلب على الملابس والأحذية ارتفع بنسبة 70%، خلال هذه الفترة الأمر الذي يقابله ارتفاعٌ كبيرٌ في الاسعار خاصّة وأن جلّ هذه المنتجات مستوردة.

الأمين العام للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين لـ "التر جزائر": الجمعية وجهت مراسلة لكل التجار المنضوين تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين من أجل خفض أسعار ملابس العيد

ورغم أن الإنتاج الوطني من الألبسة ارتفع بأكثر من 20 في المائة خلال السنتين الماضيتين بفضل دخول ثلاثة آلاف ورشة نسيج وخياطة الى سوق العمل إلا أن هذه النسبة لا تزال تغطي فقط 5% _يقول حيدوسي_ من احتياجات السوق الوطنية، الأمر الذي يتطلّب بذل مزيد من المجهود للنهوض بهذه الشعبة على غرار صناعة الأحذية التي عرفت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة.