18-سبتمبر-2023

في مكتبة الجامعة (Getty/كاترينا إيقلو)

لماذا تجدّد الحديث عن العودة إلى النظام الكلاسيكي في الجامعات الجزائرية والبدء تدريجيًا في التخلي عن نظام " أل أم دي"، ولكن هذه المرة بصيغة "سياسية" وبقرار تمخض عن اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون؟

لماذا تواصل العمل بنظام "أل أم دي"  طيلة ما يقارب 20 سنة؟

لماذا تواصل العمل بهذا النظام طيلة ما يقرب 20 سنة، لنكتشف أخيرًا أنه غير ناجع، أو بالأحرى يحمل معه بذرة اختلالات؟ وهل هذا الحديث يعني أن النّظام الجديد الذي أصبح زمنيًا قديمًا بات فاشلًا ؟ أو بالأحرى لم يحقق نتائجه وفاعليته على المستوى الاجتماعي والاقتصادي؟

ميدانيًا، طالب الرئيس تبون الحكومة بإعداد دراسة شاملة ومتكاملة حول جدوى العودة المرنة لنظام "ليسانس كلاسيكي"، تعويضًا لنظام "أل أم دي"، وهو أحد المؤشرات التي تعنى بقرب نهاية "أل أم دي" وإعادة هيكلة المؤسسات الجامعية من حيث المناهج والتكوين ومستوى الكادر البشري الذي ينسجم مع هذا التمشي، خصوصًا أمام بعض الثغرات التي أفرزها الانتقال من الكلاسيكي إلى "أل أم دي" بحكم مخرجات جامعية سنوية لم يتمكن سوق الشغل من استيعابها.

2004: منظومة أم استشراف؟

هيكليًا، يتألف نظام " أل أم دي" من طورين، أولّهما شهادة ليسانس، حيث تحضر في ثلاث سنوات وتنقسم بدورها إلى فرعين؛ أولهما شهادة ليسانس مهنية يتلقى الطالب تكوينًا يؤهله لأن يكون جاهزًا للحياة العملية،وثانيهما شهادة ليسانس علمية، أكاديمية: تسمح للطالب بمتابعة الدراسة تحضيرًا لنيل شهادة الماستر.

الطور الثاني من النظام الدراسي هو شهادة الماستر، وهي ما يعادل الماجستير في النظام الكلاسيكي، حيث تحضر هذه الشهادة في ظرف سنتين بعد اللسانس وتنقسم هي كذلك إلى فرعين: الأول ماستر مهني: يؤهّل حامله إلى الحياة العملية مباشرة، وتراعي البرامج التكوينية في هذا النوع من الشهادات الجانب المهني، أما الثاني ماستر البحث الأكاديمي: يسمح لحامله بمواصلة الدراسة للتحضير لنيل شهادة الدكتوراه.

أما مرحلة الدكتوراه، فيتم تحضيرها في ثلاث سنوات بعد الحصول على شهادة الماستر وبمسابقة وطنية مفتوحة، وذلك على خلاف الدكتوراه في النظام القديم التي يتم تحضيرها في ظرف خمس سنوات، وبعد الانتهاء من إعداد شهادة الماجستير. 

ليس خفيًا على الفاعلين الاجتماعيين على مستوى الجامعات، بأن "ال أم دي" كان مرحلة تعليمية تأمل منها الأكاديميون الكثير مستقبلًا، لكنه الأمل في ذلك خاب مع مرور السنوات والزمن، والسبب بحسب البعض عدم تمكن هذا النظام التعليمي من مجاراة تسارع المنظومة الاقتصادية والثورة التكنولوجية التي غيرت المجتمع في بنيته الداخلية وتغيرت معها ضرورات الحياة الخَدَمِية، التي قذفت بعديد المهن والتخصصات للواجهة فرضًا لا اختياراً، وفي المقابل لم تلحقها بعد الجامعة باعتبارها محضنة التكوين.

بناءً على ذلك، يصف أستاذ الاقتصاد عبد الكريم بن صافي من جامعة قسنطينة الجامعة خلال الفترات السابقة بـ"حقل التجارب" دون وضع دراسات حقيقية ومخرجات ونتائج وجب تنزيلها على أرض الواقع، مشيرا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن المنظومة عموما لم توضع على سكة البحث والدّرس والاعتراف بالنتائج التي لا يمكن تنفذيها على منظومة تسير بذهنيات قديمة.

قبل 19 سنة

تساهم الجامعة مؤسسة عمومية تساهم في إعداد وتعميم نشر المعارف وتطويرها، إلا أنها وبالرجوع إلى التشريع الجزائري، وُضعت تحت سلطة الدولة مباشرة، لأجل خدمة الأهداف والسياسات التي ترسمها، بالإضافة إلى وظيفتها الأساسية في تكوين الإطارات اللازمة لتنمية البلاد تبعًا لما يقتضيه المجتمع ويحتاج إليه.

لا تضع الجامعة أهدافها منفردة برأي الأستاذ بن صافي إذ يفرضها المجتمع بما يتماشى مع ما تمليه عليه مشاكله وطموحاته، وتوجهه السياسي الاقتصادي والاجتماعي.

وبالنظر إلى ذلك فإن الجامعة تتلقى مدخلاتها من المجتمع في مقابل استفادته هو من مخرجاتها البحثية التي تسهم في رقي المجتمع وازدهاره، وهي أهم مصدر للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

كل ما سبق ذكره، لا يتساوق مع منظومة التعليم الحالية، وهو ما يعني أن ثغرات فعالية نظام " أل أم دي" بدأت تطفو على السطح بعد عقدين من الزمن على مستوى "الكم" ووجود الآلاف من المتخرجين الجدد في خضم دوامة كبرى، بين الاعتراف بشهاداتهم أم لا على مستوى الوظيف العمومي، وبين "تخريج بطالين" على حدّ تعبير أستاذة علم الاجتماع بجامعة وهران كريمة منداس، لافتة في تصريحها لـ"الترا جزائر"، إلى أن الهدف من "أل أم دي" هو التكوين النّوعي الذي يساير التطور الحاصل في الأبحاث والتكوين في المدارس العليا في مختلف دول العالم.

هل تحققت هذه الأهداف؟

في تفسير بسيط لهذا النظام التعليمي، أكد الدكتور أسامة بلحي في تصريح صحفي لـ" الترا جزائر" على أنّ " أل. أم. دي” استطاع أن يجمع بين الجانب البيداغوجي والتعليم وجانب البحث العلمي في الوقت نفسه، مضيفًا أن هناك تعليمة وزارية تؤكّد ارتباط التكوين بالتطبيق في مختلف المخابر المتوفرة في الجامعات، لكن في هذا السياق عند النزول للميدان قلب المؤسسات الجامعية فالأمر بعيد كل البعد عن التطبيق في الكثير من التخصّصات، أو أن الجمع بين النظري والتطبيقي مازال لم يرق إلى المطلوب".

من المجحف التسليم بفشل كلي لهذا النظام التعليمي، إذ يتضح جليًا أنه وجب إعادة الاعتبار  إلى مخططات الإصلاحات التي جرت خلال الـ 20 سنة الماضية، يتحملها مختلف الفاعلين السياسيين الذين مروا على الحكومات السابقة والوزارة المعنية، وهي "مجهودات لا يمكن أن تسقُط في الماء"، على حدّ تعبير الباحث في علوم التربية في سلك الدكتوراه إسلام بجاوي، معتبرا أنه الحكومة ضخت المليارات من الدولارات في سبيل تعزيز المنظومة التعليمية في الجامعات وهيكلة المنشآت وتكوين الباحثين والأساتذة والطلبة على حدّ سواءً، لذا يقترح إعادة تقييم المنهاج التعليمي برمته، وطرق تقديمه للطالب بداية من المستويات السابقة للتعليم، أي بما فيها قطاع التربية.

وينظُر الأستاذ بجاوي إلى أن المشكلة المطروحة الآن هي "ربط الجامعة بجانب علمي يتمثل في تكوين الإطارات، والاستعانة العلمية بالبحوث الجامعية من أجل تحقيق التنمية والرقي للمجتمع" من جانب، وعملية تزمين الدروس من جانب، إذ يشرح لـ "الترا جزائر" فعلى خلاف الثلاث سنوات في مستوى الليسانس وجب تركيز الدروس في أربع سنوات، وهنا يتحدث حول عملية الانتقال من حجم ساعي لـ 4 سنوات إلى 3 سنوات، دون البحث في المضامين ومدى قابلية إسقاطها على المنظومة الاقتصادية للبلاد.

لبّ التكوين

لما كان التغيير في المنظومة الجامعية في الجزائر رهانًا في يد السلطة الحاكمة، باشرت البلاد تنفيذ "نظام ال أم دي" تسابقت من أجل وضعه في السكة في فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وذلك في بدايات 2004، وهنا نتساءل: كيف استفادت الجامعة الجزائرية من مشاريع المنظومة التعليمية الجديدة آنذاك؟ وهل من مؤثّرات خارجيّة مسهمة في بعث فعل تكويني واقتصادي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وكثير سواها، حسب المهتمين بالمعضلة الجامعية، يعتقد كثيرون بأن إمكانية العودة للنظام التقليدي راجع بالأساس إلى جودة التعليم وقيمته العلمية، وتركيز التخصصات وليس تمييعها، أو تجريب المجرّب سابقًا لا غير.

وعلى خلاف نظام الأربع سنوات، حيث كان الطالب يتلقى مجموعة من الخبرات التطبيقية، أشار بعضهم إلى أن ثلاث سنوات غير كافية لإعداد طالب متمكّن في مادة معينة، بعد تقليص المواد وزمن تدريسها.

اقترح متابعون إعادة تزمين الدراسة واستمرارية الجامعة بنظام الحصتين ليل نهار

من جانبهم اقترح البعض إعادة تزمين الدراسة واستمرارية الجامعة بنظام الحصتين ليل نهار، حتى تستمر عجلة التعليم والاقتصاد في الدوران.