11-يناير-2023
احتجاجات صحافيين أمام دار الصحافة بالعاصمة (الصورة: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

احتجاجات صحافيين أمام دار الصحافة بالعاصمة (الصورة: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

عرف قانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية، من الناحية الشكلية، تطورًا لافتًا مقارنة بالتشريع الساري المفعول حاليًا، عبر إلغاء نظام الاعتماد لصالح نظام التسجيل والتصريح.

الصحافي عماد بوبكري: المشرّع لا يمنح الحق في الطعن أو اللجوء إلى القضاء في حال امتنعت الوزارة عن منح صاحب المؤسسة الإعلاميةوصل التسليم

ويقترح المشروع الجديد للصحافة المكتوبة والإلكترونية، الجاري النظر فيه على مستوى البرلمان الجزائري، نظام التصريح بدلًا عن النظام الذي اعتمد في تسعينات القرن الماضي، تنفيذًا لأحكام المادة 54 من دستور سنة 2020.

ونظام التصريح، هو آلية سيعمل بها على الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الجديدة، حيث نصت (المادة 6) من المشروع (تقابلها المادة 28 الخاصة بالصحافة الإلكترونية) على أنه "يخضع إصدار كل نشرية دورية إلى تصريح يوقعه مدير النشر، مرفقًا بملف يودع لدى الوزارة المكلفة بالاتصال مقابل وصل".

هنا، يقول البرلماني والصحفي يزيد بن حمودة عضو لجنة الثقافة والاتصال بالغرفة السفلى سابقًا لـ "الترا جزائر"، إن الإجراء الجديد يهدف لتيسير وتقليص آجال الردّ على طلبات إنشاء صحف مكتوبة أو إلكترونية"، حيث لا يشترط إلا تقديم طلب للموافقة على إنشاء مؤسسة إعلامية للجهات المعنية (بعد استيفاء الشروط الأخرى المنصوص عليها في القانون).

واستدرك المدير السابق لعدة محطات إذاعية جهوية مملوكة للحكومة "هذا شيء جميل لكننا نجد أنفسنا أمام مشكل تفضيل الكم على النوع أي كثرة العناوين الإعلامية على حساب جودة المضمون".

وتابع تضم السوق الإعلامية ما يزيد عن 200 دورية، هذا رقم هائل ما يوجب إخضاع انشاء الصحف الورقية لقيود مشددة تكون شبيهة بالشروط الواجبة على اصحاب مشاريع السمعي البصري لدفع اصحاب المشاريع الجادة لولوج قطاع الصحف الإلكترونية".

وقال "طبيعة المرحلة وحاجة البلاد لإنشاء جدار صدّ إعلامي، دفاعًا عن الوطن في مواجهة حملات مغرضة من قبل وسائط ومواقع إعلامية تحركها أطراف معادية".

خطوة إيجابية

من جهته، يعتقد الصحفي عماد بوبكري أن نظام التصريح "خطوة إيجابية نظريًا إلا أنها تصطدم بالممارسات الإدارية والبيروقراطية، ضف إلى ذلك التشبع الذي تشهده الساحة الإعلامية بوجود أكثر من 200 دورية، بالإضافة إلى 129 موقعًا إلكترونيًا يجعل من المقاربة العددية هي السائدة على حساب التعددية والمضمون الإعلامي الراق، على حد قوله.

وتابع المتحدث في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن هذا النظام يطرح عمليًا تحدّيات كبيرة، لكون وزارة الاتصال هي من يمنح وصل الاستلام بعد أن تحدد شكّل للتصريح الكتابي الذي يقدمه صاحب المشروع الإعلامي (على حسب أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 7 من المشروع).

وفي الوقت نفسه، يُضيف بوبكري، لا يمنح المشرع الحق في الطعن أو اللجوء إلى القضاء في حال امتنعت الوزارة عن منح صاحب المؤسسة الإعلامية قيد الإنشاء وصل التسليم، "داعيًا الى الأخذ في الحسبان هذا الانشغال من قبل اللجنة البرلمانية المختصة وأعضاء البرلمان".

وطرح بوبكري في السياق ذاته، إشكالية تشبع السوق الجزائرية بالصحف الورقية، لأنه فسح المجال لعناوين جديدة يؤدي، حسبه، إلى إضعاف النموذج الاقتصادي للمؤسّسات الإعلامية القائم حصرًا على الإشهار، موضحًا أن حجم سوق الإشهار صغير مقارنة بالوسائل الإعلامية المتوفرة ولا يكفي لتلبية كل طلبات الإشهار سواءً كانت سمعية بصرية أو مكتوبة بجانبيها الإلكتروني والورقي".

ويقترح لمعالجة هذا الوضع "إعادة تفعيل آليات أخرى لتمويل المؤسسات الإعلامي ودعمها ماليًا وفق شروط مهنية واقتصادية قصد تحسين المنتج الإعلامي من ناحية النوعية والتعددية يسمح بتنافس المحتويات الإعلامية ذات الجودة العالية".

179 يومية جزائرية

وفي تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الانسان الأممي بعنوان: "الاستعراض الدوري الشامل" في دورته الـ 41  (3/16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، كشفت الحكومة الجزائرية عن وجود 203 عناوين ما بين صحيفة يومية وأسبوعية وجرائد تصدر مرة كل شهر، منها 99 صحيفة يومية باللغة العربية و80 صحيفة يومية باللغة الفرنسية، بمعدل سحب يومي يبلغ 697 ألف نسخة.

بينما بلغ عدد الأسبوعيات التي تصدر باللغة العربية أربعة مقابل ثلاثة باللغة الفرنسية، بمعدل سحب يقدر بـ 16000، وفيما يبلغ عدد المجلات الشهرية 17 مجلة منها خمسة فقط باللغة العربية، حسب المصدر نفسه.

أما بالنسبة للصحافة الإلكترونية فقد تم تسجيل 129 عنوانًا منها 115 موقعًا إلكترونيًا و14 إذاعة وموقع واب تيفي، فيما يبلغ عدد شركات طباعة الصحف 10 مطالبع منها سبعو مملوكة للدولة.

مقارنة بالدول الأخرى، تتوفر مصر التي تعد رائدة في العالم العربي في قطاع الإعلام وخصوصًا الصحافة الورقية على حوالي 70 يومية (إحصاءات عام 2018) بسحب يقدر بـ 1.5 مليون عدد يوميًا.

السوق التونسية بدورها تضم قرابة 50 جريدة وتباع قرابة 100 ألف نسخة يوميًا، ونزل عدد الصحف الورقية في المغرب الأقصى من 252 صحيفة في عام 2018، إلى 105 صحف ورقية عام 2020 ).

مستقبل غامض

لا يشكّل الحصول اعتمادات الصحف والمنصّات، أو الترخيص لها، إلا جزئية في التشريعات الجديدة في سوق الإعلام في ظل تنامي الإكراهات والصعوبات المالية والضغوط التي تمارسها السلطات على الصحف المستقلة لتغيير خطها التحريري وملاحقة الصحفيين المستقلين، إيذانًا بمرحلة جديدة لتحجيم دورهم بعدما كانوا في قلب معركة الوعي وساهموا في منع استمرار فريق الحكم السابق بفضح ممارسات الفساد وسوء استغلال السلطة.

يبدو أن التهديد الذي واجهه نظام الحكم هو الدافع الرئيسي لتحجيم دور الصحافة في الجزائر 

يبدو أن التهديد الذي واجهه نظام الحكم هو الدافع الرئيسي لتحجيم دور الصحافة، بالموازاة مع التسويق في المرحلة الحالية لأولوية الخدمة العمومية واحترام اخلاقيات المهنة، إلى جانب وضع مجموعة من الطابوهات تضع كل من يتجاوزها تحت تهديد السجن وإغلاق مؤسسته الإعلامية.