13-فبراير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

كانت كلّ المؤشّرات، حين جاء عبد المجيد تبّون رئيسًا للجمهوريّة، منها ضغط الحراك الشعبي والسلمي، ورغبة السّلطة نفسها في أن تنقذ نفسها من مأزق لم يسبق أن وقعت فيه من قبل، تقول إنّ كثيرًا من السّلوكات التّي كانت تميِّز العهد البوتفليقي، الذّي ثار عليه الشّعب ستتغيّر، وتحلّ محلّها سلوكات تنسجم مع شعار "نحو جمهوريّة ثانية".
أعطى السيّد تبّون انطباعًا، يوم تأديته لليمين الدّستوريّة، بأنّه سيتجاوز هذا المنطق

من تلك السّلوكات التّي كنّا ننتظر أن تختفي، نسبةُ كلِّ خطوة يقوم بها مسؤول من المسؤولين في القطاعات كلِّها إلى رئيس الجمهوريّة، حيث باتت عبارة "بأمر من رئيس الجمهوريّة قام المسؤول الفلانيّ بالفعل الفلانيّ" مثيرةً للأعصاب والاشمئزاز والقرف، ليس لكثرة تداولها فقط، بل أيضًا لأنّها تؤشّر على أنّ البلاد لا تسيّرها منظومة وطنية من تلقاء نفسها، وفق مبدأ التّكامل، بل تُسيّر بإيعاز من شخص واحد ونخبة من المحيطين به والمقرّبين منه.

اقرأ/ي أيضًا: عن الأربعين مليون خبيرٍ متعدّد التخصّصات

وقد أعطى السيّد تبّون انطباعًا، يوم تأديته لليمين الدّستوريّة، بأنّه سيتجاوز هذا المنطق، بقوله إنّه يتنازل عن لقب "فخامة الرّئيس"، لأنّ الحراك الشّعبيّ منح الفخامة للشّعب، غير أنّ الأيّام القليلة التّي أقام فيها في قصر المراديّة بيّنت العكس تمامًا، فقد واصل الإعلام الحكوميّ استعمال عبارة "بتوجيهات من رئيس الجمهوريّة، قام المسؤول الفلاني بالفعل الفلانيّ"، حتّى في الأفعال التّي هي من اختصاص والٍ أو رئيس بلديّة أو مدير تنفيذيّ.

سمعنا ذلك أثناء الزّيارة التّي تفقّد فيها وزير الصّحّة، مستشفىً تأخّر إنجازه في ولاية برج بوعريريج، وفي إرسال طائرة خاصّة لتجلب الرّعايا الجزائريّين من الصّين، في ظلّ الأزمة الصّحيّة التّي فرضها وباء كورونا، وفي الجلسات التشاوريّة التّي باشرتها كتابة الدّولة للصّناعة السينمائيّة، وفي أحداث شبيهة كثيرة.

فهل كان وزير الصّحّة، مثلًا، محتاجًا إلى أمر من رئيس الجمهوريّة ليتفقّد مستشفى تأخّر إنجازه؟ أليست هذه مهمّة المدير الولائيّ للصحّة أصلًا، والوزير مطالب بإقالته إن هو لم يقم بها، مع الاكتفاء بإرسال تقرير إلى رئاسة الجمهوريّة؟

كيف ينسجم حديث الرّئيس عبد المجيد تبّون عن الدّخول إلى جمهوريّة ثانية، مع منطق حصره كلَّ الأفعال والخطوات والقرارات في شخصه، تمامًا كما كان يفعل عبد العزيز بوتفليقة، إذ كان وزير التّضامن يقول، وهو يوزّع بضع محافظ على التّلاميذ المعوزّين إنّه يفعل ذلك بأمر من الرّئيس؟ ماذا يُبقي هذا المنطق من هيبة لمؤسّسة رئاسة الجمهوريّة ما دامت تتدخّل في الأفعال المصنّفة في خانة "العادي"؟

هل يعود هذا إلى شعورٍ لدى السّيّد تبّون بنقص في الشّرعيّة، فهو قد أتى بانتخابات كانت وما تزال مرفوضة من طرف قطاعٍ واسعٍ من الجزائريّين، فظنّ أنّ نسبة كلّ الأفعال إليه تعطي انطباعًا لهم بأنّه مواكب ومتابعٌ وساهرٌ على الشّؤون العامّة؟ أفليس من بين مستشاريه من يقنعه بأنّه إنّما يقع بتصرّفه هذا في عكس ما قصد؟

أم أنّ الأمر يعود إلى مبادرة غير مملاة من منابر الإعلام الحكوميّ التّي يبدو أنّها تجد صعوبة في أن تقطع مع مفردات العهد السّابق الذّي دام عشرين سنة، باتت فيها هذه المفردات تجري منها مجرى الدّم؟

مثل هذه السّلوكات، ستذكّرهم بالعهد الذّي ثاروا عليه، وخرجوا من أجل إزاحته بالملايين إلى الشّارع

لقد بات قطاع واسعٌ من الجزائريّين، على استعداد للتّعامل مع رئاسة عبد المجيد تبّون بصفتها عادية، من باب التّفاؤل وتوقّع البديل، غير أنّ مثل هذه السّلوكات، ستذكّرهم بالعهد الذّي ثاروا عليه، وخرجوا من أجل إزاحته بالملايين إلى الشّارع، وتجعلهم يتخلّون عن هذا التّفاؤل ويراجعون مواقفهم تجاه الرّجل. ثمّ لماذا لم نسمع عبارة "بأمر من رئيس الجمهوريّة ووزير الدّفاع الوطنيّ والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة"، قام السّيّد قائد أركان الجيش الوطنيّ الشعبي بزيارة إلى منطقة تمنراست؟ 

 

اقرأ/ي أيضًا:   

عهود النظام الجزائري.. للثورة أم لفرنسا؟

تعديل الدستور.. بين تبون وبوتفليقة والشاذلي وديغول