14-أغسطس-2022
انعكاس صورة الروائي ياسمينة خضرا في المرآة الأمامية للسيارة (Getty)

انعكاس صورة الروائي ياسمينة خضرا في المرآة الأمامية للسيارة (Getty)

التقيت الرّوائيّ الجزائريّ محمّد مولسهول المعروف بيسمينة خضرا (1955) في معرض الشّارقة الدّوليّ للكتاب. ومن جملة ما سمعته منه أنّ بعض البشر لا يستطيعون أن يدخلوا بقعةً من غير أن يتركوا أثرًا. وإذا لم يكن الكاتب من هذه الطّينة؛ فالأجدر به أن يكون حارس مقبرة، حتّى يكون منسجمًا مع صمتها. 

محمد الأمين لعلاونة اعتبر أن المنظومة الثّقافيّة والجامعيّة والإعلاميّة الوطنيّة لم تساهم في صناعة مجد ياسمينة خضرا

إنّها ليست مجرّد مقولةٍ يقولها الرّجل؛ بل هي قناعة يُمارسها ميدانيًّا. فلم يُجرِ حوارًا أو ينشّط ندوةً أو يكتب كتابًا إلّا وأثار كثيرًا من الغبار في الواقع والمواقع؛ بل إنّ مساره الأدبيّ ذاتَه مثير لذلك. فليس سهلًا أن تطلع من أعماق الصّحراء المنسيّة إلى غاية اليوم، ناهيكم عن الأمس، فتنخرط في المؤسّسة العسكرية وما تفرضه من تحفّظ مطلق، على مدار ثلاثة عقود، ثمّ تتخلّى عن ذلك المسار وما يترتّب عنه من امتيازات، في بلدٍ يلعب الجيش دورًا حاسمًا في سياسته واقتصاده، وتخوض في مسار مغاير تمامًا، فتفرض نفسك فيه، ليس محلّيًّا فقط، على مستوى القارّات الخمس. 

وكانت آخر زوبعة أثارها صاحب رواية "الفضلاء" التّي ستتزل إلى السّوق أواخر شهر آب/ أوت الجاري؛ تصريحه في النّدوات الثّلاث التّي نشّطها؛ قبل أيّام، في وهران والجزائر العاصمة وتيزي وزّو، حيث قال إنّه أكثر الكتّاب الجزائريّين مقروئيّةً في العالم، بل أكثر من نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل للأدب نفسِه. وقال في حوار لجريدة "الشّروق اليوميّ" إنّ الكتّاب الجزائريّين لا يتواصلون معه لأنّه أقوى منهم. 

تلقّى قطاع واسع من "الفسابكة" الجزائريّين هذه التّصريحات بصفتها علامةً على تكبّر صاحب "فضل اللّيل على النّهار" واستعلائه وغروره، وتعاملوا معها بروح ساخرة واضحة، فيما برّرها البعض بكون قائلها كاتبًا عالميًّا فعلًا، ومن حقّه أن يصف نفسه بالكاتب الكبير انطلاقًا من المعطيات المتعلّقة بمقروئيته وتفاعل مختلف الدّوائر العالميّة مع نصوصه. 

يقول الأكاديميّ المتخصّص في النّقد الرّوائيّ محمّد الأمين لعلاونة إنّ الجزائريّين تعوّدوا على طمس مواهب النّابغين منهم، طمسًا مؤلمًا ومجحفًا بما يحملهم على الهجرة والنّبوغ في الخارج، حتّى تحدّثوا عن أنفسهم بما هم أهل له وصفوهم بالمتكبّرين والمغرورين والمتعجرفين؛ "إنّها عقليّة دعني أقتلك وإلّا فأنت مغرور". 

ويتساءل صاحب كتاب "كيمياء الرّواية: "من الأولى بالاستهجان لو كنّا وسطًا ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا صحّيًّا وذا منطق سليم، تحالف كلّ المنظومات الوطنيّة على طمس الموهبة، أم وصف صاحب تلك الموهبة نفسَه بكونه متفوّقًا؟

إنّ يسمينة خضرا، يضيف محدّث "الترا جزائر"، انطلق من الحكم على مقامه الأدبيّ، على معطيات واقعيّة تتعلّق بحضوره في خارطة القراءة العالميّة، ولم ينطلق من فراغ. وعوضًا عن إدانته على ذلك، علينا أن ندين كون المنظومة الثّقافيّة والجامعيّة والإعلاميّة الوطنيّة لم تساهم في صناعة مجده، فهي تقتات اليوم على ذلك المجد جاهزًا.

من جهته، لا يُنكر الكاتب والنّاشر رفيق طيبي أدبيّة يسمينة خضرا ولا شهرته القائمة على الجدارة؛ "لكنّه لو تَصرّف على أنّه أكبر كاتب في العالم والجزائر مثلما صرّح في ندواته وحواراته، وأكبر من نجيب محفوظ و"بعيد بزّاف" على الكتّاب الجزائريّين، لكان عيّن مكلّفًا بأعماله ليبرمج حواراته ويُرتّبها ويتشَاور مع فريق يحرّر الحوار المكتوب قبل إرساله إلى الصّحافة ويدفعه الفريق إلى الاعتذار عن إجراء حوارات متلفزة كونه متحدّثًا سيّئًا بالفرنسيّة والعربيّة". 

في هذا السياق تذكّرت؛ يقول صاحب دار "خيال"، حواراتٍ لكتّاب كبار توّجوا بنوبل وحقّقوا مقروئيّة عالميّة لا تُضاهى، تجدهم حقيقةً أو اصطناعًا بارعين في الكلام، فيلهمون القرّاء من كلّ الفئات، ويُعطون صورةً ناعمة، متواضعة ولطيفة عن الكُتاب. 

ويعترف طيبي بكون التّعامل الجزائريّ مع الكتّاب والمثقّفين يشعرهم بنقمة مستمرّة وضجر من الرّاهن الثّقافيّ وصنّاعه، "لكن كيف تكون كاتبًا فعليًّا من دون امتلاك وعي بما يجب قوله، وامتلاك أناقة فكريّة ولغويّة تجعلك في منأًى عن هذا السّلوك المملّ".

الكاتب رفيق طيبي: تعامل الجزائريين مع الكتّاب والمثقّفين يشعرهم بنقمةوضجر من الرّاهن الثّقافي وصنّاعه

ولئن عجز 300 وجه ثقافيّ وأدبيّ جزائري، عن إحداث أثر ولو صغير، في الواقع والمواقع، خلال اللّقاء الذّي جمعهم بوزيرة الثّقافة والفنون، فقد استطاع يسمينة خضرا بمفرده أن يحرّك ركود الصّيف الثّقافيّ، بغضّ النّظر عن وجاهة تصريحاته من عدمها.