05-ديسمبر-2019

عبد العزيز بلعيد، علي بن فليس، عبد القادر بن قرينة، عبد المجيد تبون، عز الدين ميهوبي (تركيب/الترا جزائر)

المتابع لخطابات المرشّحين للانتخابات الرئاسية في الجزائر، يلاحظ إجماعهم على محور سياسي عام يضمّ ثلاثة خطوط عريضة؛ أوّلها تعديل الدستور الحالي، وثانيها حلّ البرلمان، أمّا ثالثها فهو يتعلّق بتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة "كفاءات وطنية"، غير أن هذا المحور الأخير، لن يكون سهل المنال لأسباب كثيرة، في ظلّ ضبابية المشهد السياسي وضخامة الواجبات أمام الشعب.

رافع المرشّحون على أهميّة تعديل الدستور الذي أعاق العمل السياسي بمنحه صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية

بين المال الفاسد والسياسة

رغم التصريحات المكثفة للخماسي المتنافس في سباق قصر المرادية بالجزائر، عبر اللقاءات التلفزيونية والتجمّعات التي بدأت مع الحملة الانتخابية، إلا أنّها تكشف توجُّهًا أحاديًا حول المرحلة السياسية المقبلة، الغاية منه ظاهريًا، "إحداث قطيعة مع ممارسات المنظومة القديمة وإعطاء مشهد سياسي مغاير لما كان في سابق الرئيس المستقيل"، بحسب متابعين للشأن السياسي، إذ رافع المرشّحون على أهميّة "إجراء عملية جراحية" على الدستور الذي أعاق العمل السياسي حسبهم، وأعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب في الحملة الانتخابية.. مرشحو الرئاسيات يفتحون الملفّات الشائكة

تعديل الدستور حسب المرشّح المستقلّ عبد المجيد تبون، أهمّ خطوة سياسية سيجريها في حال انتخابه رئيسًا للجمهورية، لافتًا في تدخله المنضوي تحت غطاء الحملة الانتخابية، أنه في حالة الفوز"سيطرح تعديلًا دستوريًا للاستفتاء الشعبي بعد ثلاثة أشهر من الاستحقاقات الرئاسية".

 كما لوّح رئيس الحكومة الأسبق، إلى إمكانية حلّ البرلمان مباشرة بعد الانتخابات، مشدّدًا على أن اقتراحه الدستوري يتعلّق بـ" نظرة مغايرة لتوزيع الصلاحيات ومراجعة شاملة لصلاحيات المجالس المحلية". وأكّد المرشح الحرّ التزامه بتعديلات دستورية "تمنع الانزلاق نحو الحكم الفردي"، إذ "يصبح لرئيس الجمهورية ضوابط تمنعه من أن يصبح ملكًا أو شبه ملك".

وفي مصفوفة الوعود السياسية ومقترحاته الانتخابية، ذكر المرشّح الحرّ أنه يتعهد أمام كل الجزائريين بـ"إعادة تنظيم السلطة ومؤسّسات الدولة"، معرجًا على أهميّة محاربة "اختلاط المال بالسياسية وإنهاء هذ التفشي الذي يعكّر الممارسة السياسية خصوصًا في البرلمان، قائلًا: "المال أفسد الدولة وأجهزتها على كل المستويات بما في ذلك الانتخابات. البلاد كادت أن تباع". ولتنفيذ برنامجه الرئاسي، أعلن تبون أنه سيعتمد على تشكيل "حكومة كفاءات" معتبرًا أنه يخطط لإبعاد "عقلية حكومة الولاءات" التي أخذت الجزائر إلى الهاوية.

حكومة كفاءات وطنية

مرشّح حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، حاول في غير مرّة دغدغة مشاعر المنتفضين في الشارع، فركز في تصريحاته على تحقيق طموحات الحراك الشعبي في اختيار حكومة كفاءات وطنية، موضحًا في إحدى خرجاته الانتخابية، أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة العمل السياسي المشترك"، إذ تعهّد في حال مروره للرئاسة بـ"تشكيل حكومة كفاءات وطنية تكون متفتحة على كل الكفاءات الجزائرية في كل مكان"، مقترحًا في طرحه "تقديم فرصة لإطارات المناطق الداخلية التي هُمّشت في فترة حكم الرئيس المستقيل".

خطوة أخرى، وعد بها المرشّح بن قرينة مباشرة بعد الانتخابات، وهي تعديل الدستور وحلّ البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة، وتنيظم انتخابات تشريعية مسبقة، معلّلا ذلك أن البلاد بحاجة ماسة إلى "برلمان كفاءات وقوّة اقتراح يخرج من رحم الشعب ويمثّل مختلف أطياف الشعب الجزائري"، أما فيما يتصل بتعديل وثيقة الدستور؛ فهذا الأمر يتطلب حوارًا مفتوحًا مع مختلف العائلات السياسية في الساحة الوطنية وطرحه لاستفتاء شعبي، على حدّ قوله.

بين البرلمان والرئاسة

من جهته، فإن حاجة الجزائر اليوم بحسب مرشّح حزب طلائع الحرّيات علي بن فليس، تتمثل في "نظام سياسي شبه رئاسي أي نظام شبه برلماني يقوم على توزيع الصلاحيات التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، حتى نخرج من الشخصنة والهيمنة في الحكم، كما قال.

ووفق رؤيته لتعديل الدستور، فإنه "يقر بتوزيع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث أي: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان، وهو ما يمنع ما وصفه بـ" تغوّل وهيمنة الحكم الفردي ومركزة السلطات لدى جهة ما".

حلّ البرلمان يعتبر حجر الزاوية في برنامج بن فليس في حالة فوزه بالرئاسة، مقترحًا تنظيم انتخابات تشريعية في أقل من سنة، ووعد بالذهاب إلى انتخابات تشريعية حقيقية "لتأسيس برلمان قوي"، في السياق نفسه، كما يوضّح رئيس الحكومة الأسبق أن "رغبته الملحة في برلمان قوي سيعجّل بتعديل الدستور ومنح صلاحيات متوازنة للبرلمان".

يبرّر المتحدّث حديثه حول البرلمان الجزائري، بتقاسم الصلاحيات مع رئيس الجمهورية، مضيفًا أن "الجزائر تحتاج حكومة متفتحة"، وأنه سيعمل على تشكيل حكومة كفاءات وطنية جزائرية ومنفتحة على مختلف الأطياف السياسية، وتحسين قانون الانتخابات، ومراجعة قانون السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على حدّ قوله.

عملية جراحية عاجلة 

يبدو أن تعهدات المرشّحين السياسية، تحتاج فعلًا إلى "عملية جراحية دقيقة ومستعجلة"، يقول الباحث في العلوم السياسية عبد العالي بن حمودة من جامعة سطيف، موضحًا أن الشقّ السياسي في برنامج المرشّحين يحتاج إلى أخصائيين من الناحية القانونية والسياسية، معتبرًا أنها "خطوات إيجابية من الناحية الدعائية في إطار الحملة الانتخابية، غير أنها تحتاج إلى خطوات ومناقشات ومشاورات تضم مختلف الأطياف السياسية في الساحة الجزائرية".

وأضاف محمودي في حديث إلى "الترا جزائر"، أن العملية السياسية برمتها تحتاج فترة زمنية طويلة، فتعديل الدستور وقانون الانتخابات وحل البرلمان معناه أن الجزائر "ستدخل في مسار سياسي يحتاج الكثير من الوقت والنقاشات، لأننا سنعبر من مسار سياسي سابق إلى مؤسّسات تحفظ مشروعية المنجز السياسي عقب حراك شعبي وحمل الرئيس بوتفليقة على التنحّي من الحكم".

واقعيًا، ستكون المرحلة القادمة ورشة مفتوحة بين "أنصاف الحلول" للأزمة التي تراوح مكانها في الجزائر منذ استقالة الرئيس بوتفليقة في الثاني من نيسان/أفريل الماضي، وتحتاج إلى مخطط كبير لإنجاز ما يمكن إنجازه في فترة الحراك الشعبي، وبقاء بعض مطالب الشارع للتغيير المنشود عالقة حتى الآن.

محمد بوفنداسة: رئيس الجمهورية القادم لا يملك مصباحًا سحريًا لتحريك حالة السكون الاقتصادي

هنا، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي محمد بوفنداسة في حديث إلى "الترا جزائر"، إن مرحلة ما بعد الرئاسيات ستكون بثلاث أوجه سياسية، لأنّها ستدفع الرئيس القادم إلى تغيير عدّة قوانين ولكنها بأبعاد اقتصادية واجتماعية، على حدّ قوله، ويردف المتحدّث أنّ رئيس الجمهورية القادم، لا يملك مصباحًا سحريًا لتحريك حالة (الستاتيكا) أو السكون الاقتصادي أو يوقف غلق المؤسّسات. فهي بحسب بوفنداسة، لها عواقب سلبية، أبرزها تسريح العمال وارتفاع أرقام البطالة، وهو أمرٌ خطير على الصعيد المجتمعي في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

على خطى بوتفليقة.. عبد المجيد تبون يلجأ لخطاب العشرية السوداء

الرئاسيات في الجزائر.. حملة انتخابية أم حملة اعتقالات؟