02-سبتمبر-2019

قرار إحالة أساتذة جامعيين على التقاعد أسعد آلاف الطلبة من حملة الشهادات العليا (أ.ف. ألجيري)

قبل سنوات، وقف أستاذ تجاوز الستين بمدرّج إحدى الجامعات الجزائرية، ومشى خطوات للفت انتباه الطلبة. كان يتمعّن في الصفوف الفارغة، دون النظر إلى الصفوف الممتلئة، ثم اتكأ على كرسيه وفتح محفظته العتيقة وسحب دفترًا صغيرًا، قلّب أوراقه بأصابعه، ليُعلن بدء محاضرته عن تاريخ الجزائر. شدّت كلماته الانتباه عندما توجّه للطلبة الحاضرين بسؤال صادم: "من منكم يعرف الجزائر؟"

 يدور جدل كبير حول إحالة أزيد من 1300 أستاذ جامعي على التقاعد تراوحت أعمارهم ما بين 70 و80 سنة

بقيت تلك المحاضرة راسخة في أذهان كثيرين، فهذا الأستاذ الجامعي الذي بلغ من العمر عتيًا، لا يعرفه الطلبة الجدد بالمدرّج الجامعي، ولم يسمعوه يومًا لا في قنوات الإذاعة ولا في التلفزيونات التي يتهافت عليها كثير من زملائه، بينما هو يتعفّف حتى عن تقديم درجته العلمية (بروفيسور)، غير أنه وبحسب بعض العارفين والمتمرّسين والمتمدرسين وخرّيجي جامعة الجزائر، هو أستاذ ظاهرة، ألّف كتبًا بلغات عدّة، وقدّم محاضرات في كذا جامعة عربية وأوروبية، ثم جاءت فترة الأزمة الأمنية والإرهاب ليحمل حقيبته ويرحل، ويصبح نسيًا منسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: انقسام في الجامعة الجزائرية.. هل يعزز إضراب الطلبة زخم الحراك حقًا؟

قرار إداري..

كثيرة هي الأسماء التي تُشبه البروفيسور لخضر معقال، ممّن يمرّون على المدرّجات وأقسام الجامعات والمعاهد الجزائرية، دون أن تُخلّد أسماؤهم في مشروع بحثي، أو في دفتر علمي، أو تكرّم في نهاية خدمتها. هو حال العشرات من الأستاذة الجامعيين، ممن تركوا وراءهم رصيدًا من الخبرات والتجارب في شتى المجالات، دون أن تهتم لهم الإدارة الجامعية ولا الوزارة الوصيّة.

اليوم، يدور جدل كبير حول إحالة أزيد من 1300 أستاذ جامعي على التقاعد، تراوحت أعمارهم ما بين 70 و80 سنة، بينما تُدار هنا وهناك نقاشات ثريّة المضمون، وحمالة أوجه داخل الأسرة الجامعية من أساتذة وطلبة الدكتوراه، حول تقاعد الأستاذة الجامعيين، وماذا استفادت الجامعة منهم في مجال التكوين والتدريب والإنتاج العلمي والمعرفي والتقني؟

تبيانت الآراء، حول القضية، التي تعرف جدلًا هذه الأيّام، فمن جهته، يرى عبد الرزاق بن عمرة، طالب الدكتوراه بجامعة فرحات عباس بولاية سطيف في تخصّص الاقتصاد الكمّي، "أنّه لا يجب أن يكون قرار إحالة الأساتذة على التقاعد ارتجاليًا، مبنيًا على عامل السنّ وفقط، بل نحتاج إلى تقييم مردودية كل أستاذ حتى لا نبخس الأساتذة حقّهم، وتحافظ الجامعة على أهل الخبرة والإنتاج الفكريّ والمعرفيّ".

في هذا السياق، اقترح الباحث بن عمرة في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن تلجأ الوزارة إلى اشتراط شهادات طبيّة للأستاذة، علاوة على سجلّ المردودية الأكاديمية ليكون فرض التقاعد مشفوعًا بشهادة طبيّة، حتى يتبدّد اللبس حول قدرات الأستاذ الجسدية والذهنية في التدريس والتكوين، لافتًا أن الهدف في النهاية ليس خلق مناصب شغل وحسب، لأننا بذلك قمنا بحلّ مشكلة البطالة بتنصيب كفاءات غير منتجة، على حدّ تعبيره.

رسميًا، ذكر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطيب بوزيد في تصريح للصحافة قبل أيّام، أن "إحالة الأساتذة على التقاعد يهدف لفتح مناصب شغل بعد تحيين المناصب الشاغرة، واستخلاف المتقاعدين بأساتذة جدد، مشيرًا إلى أن قطاع التعليم العالي، يرتّب لإجراء مسابقة توظيف 1000 أستاذ خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من سنة 2019.

هذه القرارات من شأنها أن تكون حقنة مهدئة لمشكلة لأزمة التوظيف بالجامعات، ولكنها برأي كثير من العارفين في قطاع التعليم العالي، لن تحلّ المشكلة من أساسها، إذ يرى البعض أن إحالة الأساتذة على التقاعد إجحاف في حقّه، مطالبين بتوزيعهم على مراكز البحوث والاستشراف، بينما يُطرح سؤالٌ جوهريٌ، يتعلّق بمدى مردودية مراكز البحوث في الجزائر وإسهامها في الاقتصاد الوطني؟

قرار وزارة التعليم العالي، أسعد آلاف الطلبة من حملة الشهادات العليا  دكتوراه وماجستير، لأنه سيضاعف فرص التوظيف، إذ فتح القرار نقاشًا واسعًا بين الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أقرّه الطالب الجامعي بجامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار بالجزائر العاصمة، إلياس قاسمي بالقول: "هي مناصب شغل يمكن أن تكون من نصيب الحاصلين على الشهادات العليا، لكن على المسؤولين عدم ترك خبرة من سبقونا تضيع".

 يُلفت المتحدّث في تصريح لـ" الترا جزائر"، إلى أولوية أن تلتفت الوزارة إلى المخابر البحثية، لتتمكّن من معالجة الداء الذي استشرى في الجامعة، موضّحًا أنّ الجامعة الجزائرية تقهقرت إلى ذيل ترتيب التصنيفات العالمية، وهذا مرده -بحسبه- إلى مستوى التكوين والتأطير، وتمييع النظام التعليمي.

يقترح قاسمي، مجموعة المخارج لمشكلة التوظيف في الجامعات الجزائر، ويعتبر أن "الحلّ ليس سدّ المناصب الشاغرة والتقليل من نسبة البطالة الأكاديمية، التي ظهرت مع تمييع التعليم العالي بمنظومة جديدة في هيكلة التعليم العالي بنظام (أل. أم. دي)، وعدم تشجيع البحث ومخرجاته، وتأثير ذلك على المستوى العلمي والاقتصادي للبلاد".

ضخّ دماء جديدة

قضية إحالة الأساتذة الجامعيين على التقاعد، لها شق ّعلمي أكاديمي، وشقّ اجتماعي، فمن غير المعقول أن تتخلّى الجامعة عن أستاذ بلغت خبرته أزيد من نصف قرن في التعليم العالي، ومن غير المعقول أيضًا أن يواصل الأستاذ وهو موظف عمومي، في دفع أقساط الضمان الاجتماعي وقسط التقاعد بعد عشرين سنة من بلوغه سنّ التقاعد.

تقترح بعض الأصوات الجامعية "ضرب عصفورين بحجر واحد"، مثلما يوضّح الأستاذ إبراهيم بن مبروك  في حديث إلى" الترا جزائر"؛ فهو يرى أنّ إحالة كل أستاذ بلغ سنّ التقاعد إجباريًا إلى نهاية الخدمة، يوفّر على الجامعات جزءًا كبيرًا من ميزانية تسييرها في قسم الأجور، إذ يتقاضى الأستاذ الجديد تقريبًا نصف راتب الأستاذ الذي بلغ سنّ التقاعد، وهو ما يُساهم في تراجع حجم أقساط واقتطاعات الضمان الاجتماعي التي تدفعها الجامعة، هذا أوّلًا.

ثانيًا، يرى المتحدّث أنّه "يُمكن التعاقد مع الأستاذة المتقاعدين، بصفتهم أساتذة مشاركين في القسم نفسه الذي كانوا يدرّسون فيه، بدون تغيير أيّ شيء وبمنحة جزافية تعادل راتب أستاذ مساعد، وليس بالراتب نفسه الذي كان يتقاضاه قبل التقاعد، وبذلك يستفيد من منحة التقاعد التي تعادل تقريبًا راتبه الذي كان يتقاضاه في السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى منحة منصبه أستاذًا مشاركًا، والتي تعادل راتب أستاذ مساعد".

يعتقد بن مبروك، أنه من خلال المقترحات، يُمكن للوزارة الوصية أن تجد حلولًا لعدة مشاكل يشهدها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي أهمها ضمان التأطير والتكوين الجيّد، وتعزيز مراكز البحوث  فضلًا عن تحرير المناصب وتوظيف حملة الشهادات العليا، ومعالجة مشكلة تضخم ميزانية التسيير والأجور في هذا القطاع على حدّ قوله.

لكن، هناك طرح آخر، يفرضه واقع سياسة التوظيف المنتهجة في قطاع التعليم العالي، إذ يذكر علي مومني، الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الصديق بن يحي، بولاية جيجل شرقي الجزائر، أن إحالة أساتذة على التقاعد لن يفكّ عقدة مناصب الشغل الجديدة، لأنّ الإشكال حسب ما صرح به لـ "الترا جزائر"، يكمن في سياسة التوظيف وليس في كبار السن من الأساتذة، على حدّ تعبيره.

تتخبط الجامعة الجزائرية في جملة من المشاكل المتعلقة بالتأطير والتوظيف ومناهج التدريس

 في السياق نفسه، يشير المتحدّث إلى أن القطاع يشهد عجزًا كبيرًا في التأطير، وهو ما يعني أن الجامعة لديها مشاكل أعمق من التوظيف، مفسّرًا ذلك بالقول: "بل في نظام تعليمي وتكويني كامل، لأنها مكان للتدريس والتعليم، ومنبع البحث المتواصل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل

شبح السنة البيضاء.. ما الذي قد يؤدي إليه إضراب طلبة الجامعات؟