29-مارس-2024

التيار الديمقراطي أعلن مقاطعته التشريعيات في الجزائر (صورة أرشيفية/رياض كرامدي/أ.ف.ب)

غاب التيار الديمقراطي عن الاستحقاقات الانتخابية منذ آخر مشاركة له في انتخابات نيسان/ أبريل 2004، حيث شارك، سعيد سعدي رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أحد أبرز الأحزاب الديمقراطية التقدمية في البلاد في ذلك الوقت.

على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية يبرز خطان متناقضان في الموقف من الانتخابات داخل التيار الديمقراطي

وفي غضون ثلاث انتخابات رئاسية تلت رئاسيات نيسان/ أبريل 2004، لم يشارك التيار الديمقراطي في تلك الاستحقاقات، لأن جزءًا منه التيار الديمقراطي كان قد دخل في تحالف مع السلطة، وانتقل للمشاركة في الحكومة منذ عام 2000، مع تسلم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم في انتخابات 1999.

انتخابات واحدة ورؤيتان

على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها في الـ 7 أيلول/ سبتمبر القادم، يبرز خطان متناقضان في الموقف من الانتخابات داخل التيار الديمقراطي، ونتجت تلك المواقف المتباينة بسبب القراءات المختلفة للمشهد السياسي في البلاد.

وعلى الرغم من أن مجموع فعاليات التيار الديمقراطي متمسكة بموقفها المعارض للسلطة ولسياسيات الرئيس عبد المجيد تبون منذ عام 2019، وتعرضت للتضييق بعد ذلك، إلا أنها مازالت لحد اليوم تتلاقى حول نقاط اتفاق تتعلق أساسًا باستقلالية القضاء والحريات الفردية والجماعية وحرية الإعلام.

ومن الواضح، فإن الخط الأول مازال يصرّ على رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية ويصفها بـ"المسرحية الانتخابية" وفقًا لرئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "الأرسيدي" عثمان معزوز، حيث يرى أنه لا جدوى من الانتخابات، وعزا تلك النظرة المتشائمة إلى ظروف الإغلاق السياسي والإعلامي والتضييق على ممارسة النشاط السياسي الذي تفرضه السلطة.

أما الخط الثاني فيمثله بالأساس حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي الذي تقوده القاضية السابقة وعضوة في المجلس الانتقالي (هيئة تشريعية مؤقتة في التسعينات)، زبيدة عسول، والتي تعتبر أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تمثل فرصة للتيار الديمقراطي وتيار التغيير السياسي لفرض وجهة نظره، وتعتبر أن الملايين التي كانت في الشارع في 2019، وطالبت بالتغيير، يمكن أن تحقق ذلك عبر المشاركة في الانتخابات والحرص على احترام الإرادة الشعبية.

ومن خلال هذا المنظور الثاني، فإن عسول أعلنت مبكرًا ترشحها رسميًا للانتخابات والمشاركة في آليات التغيير التي يطمح إليها الحزب، على اعتبار أن هذا القرار مقياس لدرجة التحولات السياسية في اتجاه معين وتكرس الاختيارات المستقبلية للدولة والمجتمع.

التحالفات والعودة للميدان؟

 يؤكد مراقبون على أن ما سينقذ التيار الديمقراطي من تلك الهشاشة في الميدان، هو إبرام تحالف أو تحالفات من شأنها أن تتفق على إعلان اسم مرشح للرئاسيات القادمة، أو وضع استراتيجية سياسية لعودة التيار للساحة من بوابة الانتخابات وتحسباً لاستحقاقات أخرى.

وفي هذا الإطار، سبق لحزب التحالف الوطني الجمهوري، أن أعلن في كانون الثاني/ يناير الماضي عن التفكير في آليات عمل مشتركة مع الأحزاب من نفس العائلة السياسية، وذلك لخوض المعترك الانتخابي، وربما بحث إمكانية تقديم مرشح مشترك.

وقد باشر الحزب التشاور والاستعداد للموعد الانتخابي، ولم ينف رئيس الحزب بلقاسم ساحلي، ضرورة العودة إلى لقاءات الحوار بين الأحزاب، إذ "من بين السيناريوهات المطروحة في الحزب إيجاد مرشح مشترك عن التيار الديمقراطي".

وفي هذا الصدد، كشف ساحلي بأن الانتخابات الرئاسية هي "تنافس انتخابي بين مشاريع مجتمع أكثر منها صراع بين أحزاب"، لذلك فإن تقديم مرشح عن تحالف بين أحزاب يدور حول القناعات والمشروع والخطط المستقبلية، ما يجعل التنافس أقوى من حيث الرؤية والاستشراف في قيادة تنمية البلاد.  

خلفية الغياب

يرجع المتابعون للشأن العام في الجزائر، أنه في خضم "الجمود" السياسي في الجزائر، بات هذا التيار متشتت، رغم محاولات التجميع التي عرفها خلال ما سمي بـ"البديل الديمقراطي"، الذي ضم أحزابًا معروفة بنهجها العلماني، مثل حزب العمال الحركة الديمقراطية والاجتماعية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والحزب الاشتراكي للعمال والاتحاد من أجل التغيير والرقي، وغيرها من الوجوه المعروفة في الساحة، كتكتل ظهر للوجود بعد أشهر من انطلاق مسيرات الحراك الشعبي في 2019.

ولكن فقد هذا التيار ذلك التوهج لأسباب كثيرة، منها استخدامه لآليات قديمة في الترويج لفكره السياسي وخلق تحالفات لأجل وضع آراء ومقترحات لمعالجة العديد من القضايا المطروحة في الساحة.

ويقول الباحث في العلوم السياسية عبد الكريم سحنون بأن الممارسة السياسية والتعددية الحزبية والنشاط النقابي والجمعوي هي أوجه مهمة لسلامة واستقرار البلد، مشددا في حديث لـ" الترا جزائر" على أن الحفاظ على حرية التعبير في الفضاء العام من شأنه أن يفتح النقاش حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بمشاركة مختلف الحساسيات من أحزاب وتنظيمات المجتمع المدني والفاعلين في الفضاء السياسي والإعلامي.

وفي هذا السياق، وجب الإشارة إلى أنه في نيسان/ أبريل من العام الماضي، كان أول تحرك للتيار الديمقراطي، خلال اجتماع ضم كل من الأمنية العامة لحزب العمال لويزة حنون، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي، زبيدة عسول، سعى إلى بعث النشاط السياسي للتيار، بعدما كان كذلك فيما سمي بـ" البديل الديمقراطي" فترة الحراك الشعبي.

ونبه الحزبان خلال ذلك اللقاء إلى "هشاشة الوضع الداخلي وتراجع للحريات العامة، فضلًا عن" التدهور المستمر للظروف الاجتماعية-الاقتصادية التي تؤرّق حياة معظم المواطنين والمواطنات في الجزائر".

أدوار المعارضة

رغم محدودية تأثيرها، إلا أن انحياز أحزاب التيار الديمقراطي إلى خانة المعارضة، راجع لاعتقادها الأساسي بفكرة إمكانية التغيير السلمي على هرم السلطة، وذلك منذ تباشير التعددية الحزبية في الجزائر برزت كنتيجة للتحولات السياسية التي عرفتها الجزائر بمقتضى دستور 1989. وهي التحولات التي مست بدورها مختلف المستويات والبنى الأساسية التي تقوم عليها السلطة.

وأمام هذه الأحزاب وتوزع القوى السياسية كشكل من أشكال "التجربة الديمقراطية في الجزائر"، إلا أن "تقلص فضاء الحريات" هو أحد العلل القائمة التي تشكو من عقباتها مختلف الأحزاب السياسية بتعدد مشاربها الفكرية في البلاد.

لكن لم تؤدي المعارضة السياسية، -حسب البعض - الدور المنوط بها خلال السنوات الأخيرة، إذ يفترض المختصون في السياسة – كما يقول الأستاذ سحنون أن تكون هذه المعارضة "قوة بديلة في المجتمع، وتحوز على خيارات وإمكانيات لإرضاء متطلبات فئات متعددة في المجتمع، وتمارس أيضا ضغوطًا على السلطة وتوجيهها نحو مصالح المواطن".

ومن سلوكات المعارضة أيضًا أن تكون حريصة على الاستقرار في المجتمع لأنها كأحزاب معارضة فإن "رأسمالها هو المجتمع والحفاظ على حقوق مختلف الفئات الاجتماعية والاستقرار والتمسك بالوحدة بين أفراد الشعب".

التيار الديمقراطي في الجزائر مازال يعاني في السنوات الأخيرة من مشكلات تنظيمية وضعف في التعبئة السياسية، بسبب الانقسامات وغياب مرجعيات سياسية مؤثرة

الثابت في الميدان، أن التيار الديمقراطي في الجزائر مازال يعاني في السنوات الأخيرة من مشكلات تنظيمية وضعف في التعبئة السياسية، بسبب الانقسامات وغياب مرجعيات سياسية مؤثرة، ولهذا فإنه سيسعى مجتمعًا بكل فروعه الحزبية، نحو العمل على الإبقاء على حظوظه في المنافسة الانتخابية المقبلة.