10-يونيو-2020

من معرض "الفن في زمن كورونا" للتشكيليين عبد الجليل جاب الله وخليفة الأسود (فيسبوك/الترا جزائر)

أطلقت العديد من المؤسسات والمديريات الثقافية الولائية، مبادرات للحفاظ على النشاط الثقافي عبر الإنترنت، تماشيًا مع الظروف التي تعيشها الجزائر كغيرها من دول العالم، بفعل جائحة كورونا، فهل ستمهد هذه العروض الافتراضية لبداية النشاط الثقافي إلكترونيًا الذي يبقى غائبًا في البلاد، أم أنها مبادرات وُلدت ميتة بالنظر إلى أن الطلاق بين الجزائري والنشاطات الثقافية واقع منذ مدة، إذا ما استثنيا بعض الفعاليات كالمعرض الدولي للكتاب، وبعض المهرجانات الغنائية والمسرحية.

مرابط: الحكم على فشل التجربة الثقافية الالكترونية في بدايتها سابق لأوانه

وبسبب الجمود الذي تعيشه الساحة الثقافية الجزائرية، منذ إقرار الحكومة الحجر الصحّي في البلاد، تحاول العديد من المؤسّسات كسر هذا السبات المحتوم، باللجوء إلى الحلول التي يعطيها العالم الافتراضي، حتى ولو كانت غير قادرة على إشباع حاجة المواطنين الثقافية والفكرية.

اقرأ/ي أيضًا: "سينيفيليا سوسايتي".. مجتمعٌ سينمائيٌّ يبحث عن وطنٍ لأحلامه

مختلف الفنون

اختلفت المبادرات التي أطلقت للتعويض عن الصوم الثقافي المفروض هذا العام، خاصّة في شهر رمضان الذي كان يعرف انتعاشًا فنيًا على الأقل في السنوات الماضية، من مسرح إلى غناء ولقاءات فكرية.

وبولاية سوق أهراس شرق البلاد، التي كانت من أولى المدن التي شهدت تسجيل إصابات بفيروس كورونا، قال مدير الثقافة الولائي الطاهر عريس لوكالة الأنباء الجزائرية، إن مصالحه بادرت ببرمجة أنشطة فنية متنوعة، على غرار عروض مسرحية افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف التكيف مع الوضع الذي فرضته جائحة فيروس كورونا.

وأوضح عريس أن الأمر يتعلق بشبكات التواصل لكل من المسرح الجهوي، ودار الثقافة "الطاهر وطار" ومديرية الثقافة بالولاية نفسها، فمنذ الأيّام الأولى لرمضان، تم الشروع في تجسيد برنامج ثقافي وفني متنوّع افتراضي، تحت شعار"معارج الأرواح ومقامات الأفراح في رحاب رمضان" يتضمن عروضًا فنية وموسيقية ومسرحية للكبار، وأخرى للصغار بالإضافة إلى عروض سينمائية على منصّات التواصل الاجتماعي كذلك.

وبسكيكدة، أطلق طلبة الإقامة الجامعية "الحدائق 7" سلسلة ثقافية بعنوان "لقاء السابعة'' عبر موقع فيسبوك، تطرّقوا من خلالها إلى عديد المواضيع ذات العلاقة بحياة الطالب، من خلال عرض محاضرات مصورة ينشطها دكاترة وأساتذة حول مواضيع الساعة في شتى المجالات (دينية و وطنية وعلمية أو تاريخية).

أما بولاية البليدة غرب العاصمة، التي عرفت حجرًا صحيًا شاملا لعدّة أسابيع، فقد كشف مدير الثقافة الحاج مسحوب أن مصالحه "سهرت على ضمان حقّ المواطن في الاستمتاع بالسهرات الرمضانية المتنوعة في منزله مع عائلته".

وتمثّل البرنامج في سهرات الطبوع الغنائية الأصيلة كالشعبي والأندلسي، والأناشيد الدينية والمديح، إضافة إلى مسرحيات ومسابقة في الرسم والقصة القصيرة موجهة للأطفال، بهدف حثهم على ولوج هذا المجال، والتخفيف عنهم في فترة الحجر الصحّي، خاصّة وأنه على غير العادة سيدخلون في عطلة ستمتد لنصف عام.

متابعة متدنية

غير أن هذا الجهد الرسمي في إبقاء القطاع الثقافي نشطًا خلال فترة الحجر الصحّي، لم يلق متابعة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فعند النظر إلى عدد المشاهدات والمشاركات تبقى محتشمة لا تحقّق الهدف المنتظر من قبل السلطات الرسمية.

ويعود عدم الإقبال على هذا النشاط الثقافي، إلى أن المؤسّسات الجزائرية، خاصّة الرسمية كانت شبه غائبة عن تقديم محتوى ثقافي على الإنترنيت قبل جائحة كورنا، لذلك لم تلق متابعة لافتة، فحتى المسرح الوطني الذي له تاريخ في الذاكرة الثقافية الجزائرية لم تلق المسرحيات التي يعرضها على قناته باليوتيوب مشاهدات كبيرة، إذ لم تستطع ولا مسرحية واحدة بلوغ ألف مشاهدة إلى غاية كتابة هذه الأسطر رغم مرور أسابيع على نشر بعضها.

وربّما من سوء حظ هذه المؤسّسات الثقافية، أن عرض محتواها المنشور افتراضيًا تزامن مع شهر رمضان الذي يتّجه فيه مستجوبو الإنترنت، إلى مشاهدة المنتوج التلفزيوني الذي تبثه القنوات المحليّة والأجنبية، والذي يكون في الغالب أحسن بكثير من محتوى هذه المؤسّسات الثقافية سواءً من حيث المضمون أو جمالية الصورة ونوعيتها.

غير أن الكاتب الصحافي حسان مرابط يوضح لـ"الترا جزائر" أن "الأمر لا يتعلق بالمنافسة مع القنوات التلفزيونية، لأنّ للسينما لها جمهورها، فمشاهدة فيلم داخل قاعة ليس كما تشاهده أمام شاشة التلفزيون، وكذلك  بالنسبة للمسرح فمشاهدة مسرحية على الخشبة وسط جمهور غفير، ووسط تفاعل بين الممثل والمتلقي يختلف عن المشاهدة عبر شاشة حاسوب أو هاتف، إنّما الأمر يعود إلى أن مديريات الثقافة لا تتحرك أصلًا، وما حاولت تقديمه في رمضان مجرّد شكليات وبهرجة خاصّة في زمن كرونا".

تجربة فتية

غير أن الحكم على هذه التجربة الثقافية بالفشل في بدايتها قد يكون قاسيًا، بالنظر إلى أنها تظلّ فتية، وفي غالبها لم يتم التحضير لها، وإنما "فرضها الوضع وفرضتها كورونا، فسابقًا لا توجد نشاطات افتراضية"، وفق ما أوضحه حسان مرابط لـ "الترا جزائر".

وأضاف المتحدّث أن"النشاطات الثقافية لم تكن سابقًا تقدم افتراضيًا بسبب ضعف قسم الملتيميديا بهذه المؤسّسات أو لعدم الاهتمام به، فعلى الأقل من المفروض تجد الموقع الإلكتروني لمؤسسة معينة، يقدم لك البرنامج ويقدم نشاطات على المباشر، لكن كل هذا يكاد  يكون غائبًا، وبالتالي فسرعة حضورها وظهورها وعدم الترويج لها هو من يبقي عدد المشاهدات ضئيلًا ومحدودًا".

نجاح المؤسسات الثقافية الرسمية يتطلب مواكبتها للوسائط الحديثة

ويبدو أن نجاح المؤسسات الرسمية الثقافية في القيام بالدور المنوط بها، خاصّة في زمن الجائحة، يتطلب منها التخلّص من نظرتها "الدونية"، لكل ما له علاقة بالعالم الافتراضي، مع ضرورة توفير شروط إنجاح وصوله إلى الجمهور بشكل واسع، خاصّة وأنه في هذا الفضاء، لا يبقى الجزائري هو المعني فقط بتلقي هذه الرسائل الثقافية، إنما أي أحد يمكن أن يطلع على محتوى ما، لذلك وجب على الأقل في البداية الدراية بأبجديات التسويق الإلكتروني للمحتوى الثقافي، لضمان وصوله على الأقل للجمهور المستهدف من دخول هذه التجربة الافتراضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا "تؤسّس" لمشهد ثقافي افتراضي في الجزائر

عروضٌ افتراضية.. هل يملك الفنّ القدرة على كسر الحجر؟