24-ديسمبر-2022

استمرار حملات مكافحة الفساد في الجزائر، كان أكثر الملفات التي تم تداولها في الساحة السياسية في الجزائر خلال عام 2022، حيث أثير جدل حول صعوبة إدارة ملف استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج والتعقيدات القانونية التي تحيط بها من جهة، وبين اقتراح التسوية الودية مع الملاحقين قضائيًا من جهة أخرى ، بينما يرى متابعون أن هذا الملف استغل سياسيًا وإعلاميًا بشكل مبالغ فيه.

ملفات الفساد في الجزائر  استُغلت على فترات متباعدة واستهلكت الكثير من الوقت واستُثمرت بشكل مبالغ حسب متابعين

قبل أيام، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية برقية مفادها مواصلة فتح ملفات الفساد، وجاء في مضمون التقرير الذي وسم بعنوان: "الجزائر في عهد التطور والبروز"، أنه "رغم أنف بقايا العصابة ومعاول الهدم، فالجزائر الجديدة التي يرسي دعائمها الرئيس تبون لا تمت بصلة للنظام القديم".

ويقرأ كثيرون أن الخطاب الرسمي الذي يركز على أرقام استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج وملاحقة المتورطين قضائيًا،  يأتي في إطار حملة انتخابية رئاسية استباقية، حيث تُدرج كل الإجراءات الروتينية المعتمدة في كل دول العالم، في خانة إنجازات الرئيس وتنسبها إلى شخصه، إذ أن مثل هذه الملفات، حسبهم، تُعالج على مستوى القضاء غالبًا وتعتبر مهمة قضائية بالأساس، ويُلاحق حتى الرؤساء أنفسهم في دول أخرى في مثل هذه القضايا إذا تورطوا فيها.

هذه البرقية التي سبق لـ" الترا جزائر" أن عالجتها إعلامًيا، توحي أن رحلة محاربة "العصابة"، كمصطلح ظهر بشكلٍ كبير ٍخلال الحراك الشعبي، لازالت طويلة ومحطاتها متعدّدة ومتشعّبة ومتشابكة، وبات من استعمالات القاموس السياسي والسلطوي، خصوصًا أنه توسع ليشمل نهب وسرقة المال العام وملاحقة المسؤولين في المناصب العليا.

في مقابل ذلك، أشاحت قضايا الفساد المعالجة هذه السنة، النقاب عن الكثير من الملفات التي نخرت عديد المؤسسات العمومية في صفقات أبرمت خلال فترة لا تقلّ عن عشرين سنة، غير أن اللافت للانتباه أن سنة 2022 ليست سياسية فقط ولا حكرًا على قطاع آخر، لكنها كانت تراوح بين مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والإقليمية، لكن الملف الأكثر بروزًا والأقوى حضورًا في مختلف أيام السنة الحالية التقارير الرسمية في إطار حملة مكافحة الفساد.

يبدو أن ملاحقة المسؤولين قضائيًا، كان من بين أهم الأحداث التي عرفتها السنة خصوصًا وأن متابعة المتورطين في نهب المال العام هي من بين التزامات الرئيس تبون منذ توليه سدة الحكم في 2019، غير أن العملية حسب متتبعين استغلت على فترات متباعدة واستهلكت الكثير من الوقت، واستُثمرت كثيرًا "بشكل مبالغ فيه" في الخطابات السياسية الحكومية ونالت مساحات واسعة من الإشادة والمدح إعلاميًا.

هنا، وجب التذكير أن الحكومة قد طرحت خلال 2022، وضع آلية لتسوية استعادة الأموال المهربة إلى الخارج، وهي بتقديرات حقوقية بالمليارات من الدولار، خصوصًا وأن العمليات التي طرحت في الملفات القضائية متفرقة ويطول مداها خلال فترة تغول الكارتل المالي، بحسب تصريح مختص القانون مراد شيباني لـ"الترا جزائر"، لافتًا إلى أن العملية القانونية لجلب الأموال أو استعادتها ليست كما يعتقدها البعض، إذ تمر بعدة مراحل أهمها التشريعات والتأطير القانوني، على حد تعبيره.

وأضاف الأستاذ شيباني أن آلية التسوية الودية ستكون عبارة عن إجراءات منتقاة بشدة، يشرف عليها مختصون في تحليل البيانات أيضًا، مع الأمور التقنية المرتبطة بالعلاقات فيما بين الدول، ولم ينف المتحدث: "تأثير العامل السياسي على الجوانب القانونية، فالمفاوضات حيال ذلك تحتاج إلى نفس طويل وأيضًا إلى قوة الطرح لدى السلطة السياسية في البلاد".

وفي الحديث عن الآلية، فإن التسوية الودية لاستعادة الأموال المنهوبة، أو حسب ما درج على استعماله إعلاميًا بـ" المصالحة الاقتصادية"، فإن الأموال الموجودة في حسابات بنكية في الخارج.

وبالعودة إلى وثيقة بيان السياسة العامة الذي قدمه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أمام نواب البرلمان الجزائري، فإن الحكومة تعتزم "اعتماد طريقة تسوية ودية تضمن استرداد الأملاك المختلسة، واستكمال مشروع القانون المتعلق بقمع مخالفة تشريع وتنظيم الصرف وحركات رؤوس الأموال من وإلى الخارج".

ويعتبر متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن هناك خطوات غير معلنة تستهدف تسوية بين السلطة ورجال الأعمال الموجودون في السجون المتابعين قضائيًا من أجل إعادة الأموال المهربة في بنوك دولية، لإرجاعها للجزائر مقابل تخفيض عقوبات لهم.

وأكد شيباني على أن الرئيس تبون سبق أن تعهد بهذه الخطوة مهما كلفه ذلك في العديد من اللقاءات الإعلامية، بل هي من المهمات التي عكف عليها منذ توليه الحكم، خصوصًا وأن " العصابة" هي حجر الزاوية التي تمحورت عنها نداءات الجزائريين خلال المظاهرات الشعبية على أسابيع امتدت على أكثر من 54 أسبوعًا، على حدّ تعبيره.

والواضح أن الأمر يتعلق أيضًا بطريقة إيصال هذه الطريقة المسار القانوني والسياسي لحلحلة الملف الخاص بقضايا الفساد والصفقات المشبوهة والمال العام المنهوب والسرقات التي تمت على مستويات أعلى في عدد من المؤسسات الجزائرية.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية محمد السعيد بن عمارة، أن الحكومة منذ أكثر من سنتين فتحت صفحة الإجراءات القضائية الممكنة لاسترجاع هذه الأموال، والطبيعي أنها تمر عبر هيكل رسمي أو هيئة لتدرس جميع الملفات دون التداخل مع اختصاصات أخرى، خصوصًا ما تعلق منها بالعلاقات بين الدول.

ولتحديد الحسابات والأملاك غير الشرعية وبهدف الحجز عليها من قِبَل الجزائر، فإن اللاّفت في هذا الموضوع أن الرئيس الجزائري سبق له أن أعلن في بداية سنة 2022 عن استرجاع الجزائر لـ 44 عقارًا من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة نحو الخارج، كما "حثّ دول الاتحاد الأوروبي على تذليل العقبات  لمساعدة الجزائر لمساعدة الجزائر على استرجاع أموالها."

كما كشف الأستاذ بن عمارة في إفادته لـ"الترا جزائر"، أن الحكومة أعلنت عن التوصل إلى وضع الآلية أو الهيئة كونها "جهازًا من شأنه أن يقوم بتسيير الأملاك المحجوزة وفي شفافية تامة، فضلًا عن "تضمين الجهاز أو الهيئة بأحكام خاصة لتسيير الشركات والمؤسسات والأموال التي تظل محلّ المتابعات القضائية".

ومن الأصداء التي اطلعت عليها " الترا جزائر" فإن الحكومة لن تترك المؤسسات كهياكل " فارغة أو خاوية" بل سيتم توجيهها للصالح العام، أو لوضعها تحت ذمة السلطات لترقيتها إلى أفضل حال وجعلها كمؤسسات منتجة في الصالح العام".

استغلال للصالح العام

ومن خلال تصريحات المسؤولين الحاليين، فإن العملية ستكون تحت تصرف الحكومة وتحت مسؤولين تنسيقية بين وزارتي المالية والعدل، إذ سبق تكليف وزير الصناعة بالقيام بعمليات تقييم وجرد المؤسسات والمصانع ومؤسسات الإنتاج المملوكة لرجال الأعمال الملاحقين في قضايا فساد، والتي تمت تسوية وضعيتها القانونية، وصدرت بشأنها أحكام لمصادرة تلك الأملاك نهائيًا واستعادتها لفائدة الصالح العام.

ستقف الهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، على إعادة النظر في القوانين أو التشريعات المتعلق بالوقاية من غسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية ومكافحتها، وبالمحصّلة فإن الجزائر لديها عدة هيئات لمكافحة الفساد، وجب تفعيلها جميعًا على جميع المتورطين، لكن اللافت أن وجود كل هذه الهيئات الرقابية ومكافحة الفساد لم يمنع من تعرض الجزائر خلال العقدين الماضيين، بشكل خاص، من أكبر موجة فساد ونهب للمال العام وتلاعب بالصفقات العمومية والمقدرات والممتلكات.

هل ستمس هذه الملاحقات القضائية كل المتورطين في ملفات الفساد؟

وبمرور هذا العام ستكون ملفات الفساد، من بين أهم الملفات التي نالت حظًا وافرًا من خطاب السلطة والإعلام المحلي، غير أن التي ترافق هذا الملف أسئلة كثيرة مفادها: هل ستمس هذه الملاحقات القضائية كل المتورطين في ملفات الفساد؟ أم أنه ستكون هناك استثناءات لبعض الأسماء التي دار الحديث حول تورطها في ملفات فساد في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.