19-ديسمبر-2019

الحراك الشعبي مازال مستمرًا في الشارع (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

في وقت تستمرُّ فيه المسيرات الشعبية الغاضبة في الشارع، كانت أعين الجزائريين في الداخل والخارج تتطلّع إلى تصريحات الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون، عن المفاجأة التي وصفها بـ"السّارة" حول تشكيلة فريقه التنفيذي في المرحلة المقبلة، قائلًا "إن الحكومة ستضمّ أسماء شابة تتراوح أعمارهم بين 25 سنة إلى 27 سنة". مفاجأة فتحت الباب على التهكّم والسخرية من الخبر أو الطموح في حقيبة وزارية.

لم تكن المناصب الوزارية في الجزائر، متاحة إلّا لمجموعة من الكوادر المتخرّجة من المدرسة الوطنية للإدارة بالدرجة الأولى

تشبيب الحكومة

لا تُنبئ التغييرات الحكومية الأخيرة بأن تبون سيفي بوعوده القائلة بتشبيب الحكومة، وقد بدأت مؤشّرات ذلك واضحةً، بعد استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، وتكليف وزير الخارجية صبري بوقادوم بقيادة الطاقم الوزاري، وإنهاء مهام وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، وتعيين وزير السكن والمدينة والعمران كمال بلجود خلفًا له. رغم أن تعليقات كثيرة على الفضاء الافتراضي حامت حول تشبيب الحكومة المنتظرة والوعود التي قطعها الرئيس حول "تسليم المشعل للشباب"، وهي العبارة التي ردّدها ساسة ومسؤولون كثيرًا في منظومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، غير أنّها بقيت حبيسة خطابات سياسوية بعيدة عن الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: هل يُكمل تبون عهدته الرئاسية أم ينسحب في منتصف الطريق؟

لم تكن المناصب الوزارية في الجزائر، متاحةً إلّا لمجموعة من الكوادر المتخرّجة من المدرسة الوطنية للإدارة بالدرجة الأولى، وتخصّصات أخرى بالدرجة الثانية. إطارات تبوّأت عدّة مناصب عليا في الدولة، وغالبيتها تُعيّن بالمراسيم الرئاسية التي يوقعها رئيس الجمهورية، غير أن المناصب السيادية ( وزارة الدفاع والعدل والداخلية والخارجية) لا يمكن أن تُمنح لأيّ كان، إذ يعيَّن فيها من سبق له أن تدرّج في المهام العليا في الدّولة الجزائرية، باستثناء المنصِب العسكري الذي يوكل لأحد قيادات الجهاز العسكري ويحوز أعلى رتبة عسكرية، وهذا طبيعي في حسابات الدّول، بينما المناصب الثلاثة الأخرى، فهي تقاس بـ"بارومتر" سياسي من نوعٍ خاص، تتحالف فيه مسألة الولاء السياسي والحزبي للسلطة وللمسؤولين ومصالحهم الشخصية.

لا يختلف اثنان حول أن المناصب الوزارية، لن تكون من نصيب شخصياتٍ خارج الأطر الحزبية والقناعات السياسية الموالية للسلطة في المشهد السياسي الجزائري، وهذا ما أثبتته مختلف التعيينات في الحكومات السابقة، رغم أن بعض الوزارات أوكلت لأسماءٍ غير معروفة في الساحة، ولم يتم تداولها سابقًا وهو ما حدث مع تعيين حكومة بوتفليقة الأخيرة، على شاكلة تعيين مريم مرداسي وزيرة للثقافة، ورؤوف برناوي على رأس وزارة الشباب والرياضة، فالأولى كانت مديرة دار نشر، والثاني كان بطلًا في رياضة المبارزة.

حكومة مغضوب عليها

الحكومة الحالية، ظلّت منذ تسعة أشهر أي منذ تعيينها قبيل استقالة الرئيس بوتفليقة برئاسة نور الدين بدوي، في خانة المغضوب عليها شعبيًا، وبات اسم الوزير الأوّل بدوي الأكثر رفضًا في الشارع، لكنها في المقابل، ظّلت تحمل رسميًا تسمية "حكومة تصريف أعمال"، أي تسيير الدولة إلى غاية تعيين حكومة من طرف رئيس جمهورية منتخب.

على الأرض، لم تكن حكومة تصريف الأعمال كذلك، مع مختلف القرارات التي أقدم عليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في اجتماعاته لمجلس الوزراء، بل تجاوزت صلاحياتها إلى قرارات تمسّ قانون المالية والمحروقات، ورغم محاولتها استمالة الجزائريين بترحّكاتها، إلا أنّ ذلك لم يجعل منها سوى "الحكومة الأسوأ" في تاريخ الجزائر خلال العقدين الأخيرين، والسبب بحسب متابعين للشأن السياسي في الجزائر، أنها "جاءت في ظروف مأزومة سياسيًا، ومتشنجة شعبيًا" بحسب الأستاذ في العلوم السياسية نور الدين خطابي، موضّحًا أن "حكومة بدوي، تبقى حكومة انتقالية من مرحلة استقالة بوتفليقة، إلى غاية انتخاب الرئيس عبد المجيد تبّون".

مناصب نارية

في قراءة متأنيّة للوضع في الساحة الجزائرية، فإن التهاب جبهة الشارع، واستمرار الاحتجاجات رغم إجراءات التهدئة من خلال الإفراج عن الموقوفين في المسيرات، جعل الحكومة تقبل "لعب دور المطافئ من جهة، ودور الإبقاء على المنظومة القديمة من جهة أخرى، وهو ما يوحي بفرضية قويّة وهي أن الحكومة التي سيعينها تبون ستكون حكومة مؤقّتة"، هنا، يقول الأستاذ خطابي في حديث لـ"الترا جزائر"، إن "الحكومة القادمة ستكون حكومة تعديل الدستور وقانون الانتخابات، خصوصًا في هذا الظرف السياسي الصعب" ، مشيرًا إلى أن التعديل القادم يُمكن أن يُستحدث فيه أو يُستعاد منصب رئيس الحكومة بدل منصب الوزير الأوّل.

 

تداولت بعض التسريبات عدة أسماء مقترحة لمنصب الوزير الأوّل، على رأسهم وزير الإعلام الأسبق عبد العزيز رحابي، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، بينما توقّعت بعض الأطراف بقاء اسم وزير العدل بلقاسم زغماتي واقتراح اسم البروفيسور محمد لعقاب مدير الحملة الإعلامية لعبد المجيد تبون في الرئاسيات، وزيرًا للإعلام، رغم هزالة ماضيه الإداري والسياسي، لكنه يبقى اسمًا متداولًا لخدماته الجليلة التي قدمها ضمن الدعاية السياسية لرئيس الجمهورية الحالي، بل واقترح اسمه أيضًا في منصب وزير للتعليم العالي باعتباره أستاذًا جامعيًا يحمل شهادة عليا وكاتب صحافي، في مقابل ذلك وزّعت أطراف أخرى المناصب على شخصيات سبق وأن تمّ تداولها في حكومات سابقة.

حكومة تكنوقراط

في الواقع السياسي الجزائري، يبدو أن تشكيل حكومة تكنوقراط هي الأقرب في هذه الفترة الحساسة في الجزائر، بحسب متابعين، "تكون مكلفة بإصلاح الوضع الاقتصادي وتحسين القطاع الصناعي والفلاحي وفتح مناصب شغل للبطالين" يقول الأستاذ المتخصّص في الاقتصاد السياسي أحمد بوطارن، في حديث إلى "الترا جزائر".

يطبع الحالة السياسية الجزائرية اليوم، مسارٌ انتقاليٌّ من فترة بوتفليقة إلى فترة رئيس منتخب، ومنه سيكون تشكيلُ حكومة تكنوقراط، نتيجة حتمية لثورة شعبية كما قال الأستاذ بوطارن، مضيفًا أن "الوظائف في الطاقم الحكومي سيتمّ توزيعها حسب تصوّر الرئيس الحالي والظرف السياسي، وتشكّل توافقًا على أعلى مستوى من خلال برنامجها السياسي والاقتصادي، الذي يُراعي الطبقة السياسية والحراك الشعبي".

التغيير الذي يدعو إلى الحراك لا يتأتى بالطريقة التي كانت تنتهجها الحكومات السابقة 

السؤال الذي يطرح اليوم، هل سيُغفل الرئيس تبّون معطيات الساحة السياسية في تشكيل حكومته القادمة، وهو المتعهّد في خطابه لدى تأديته اليمين الدستورية الخميس، أنّ القوى الاجتماعية السّاخطة تُطالب بالتغيير، وهذا التغيير المنشود لن يتأتّى بالوجوه أو بالمسالك نفسها التي قطعتها حكومة نور الدين بدوي، في تعاطيها مع الراهن السياسي والاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسميًا.. الرئيس تبون يؤدّي اليمين الدستورية قبل نهاية الأسبوع

ثامن رؤساء الجزائر.. من هو عبد المجيد تبون؟