18-يوليو-2023
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يلتقي بنظيره الصيني (الصورة: Getty)

رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يلتقي بنظيره الصيني (الصورة: Getty)

فريق التحرير - الترا جزائر

يجرى الرئيس عبد المجيد تبون زيارة دولة إلى بكين تدوم خمسة أيام، بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، حيث أثمرت الزيارة عدة اتفاقيات ومذكرات تفهم تخص الجانب السياسي والأمني والتعاوت الاقتصادي.

تقدر عدد المؤسسات الصينية الموجودة في الجزائر بـ 700 مؤسسة تَنشُط في مجال الطاقة والبنية التحتية

أما على الصعيد الدولي، يرى مراقبون أن الزيارة تأتي في سياق إقليمي يشهد تحولات جيو سياسية وتقلبات جيو-استراتيجية وتدافع جيو-اقتصادي، نتيجة التنافس التجاري والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأميركية والصراع القائم بين روسيا والحلف الأطلسي (ناتو).

أهداف الزيارة

وسط هذا التوتر الإقليمي والتصادم بين العواصم العالمية الكبرى، تبحث الجزائر عن تموقع يحقّق لها مصالح ومنافع اقتصادية، ويحقق سعيها لتحقيق أهداف دبلوماسية تتمثل في لعب أدوار رئيسية في الحوض المتوسطي والعمق الأفريقي والعربي، إذ تشكل الصين نظير ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي محورًا ارتكازيًا في رسم السياسية الدولية والإقليمية.

وبناء عليه تُفتش الجزائر عن سَند دولي من أجل تعددية الأقطاب الدولية، ما يعزز من التوازن العالمي والتخلّص من "ابتزاز" الدول الغربية، حسب متابعين، اعتمادًا على عمق العلاقات التاريخية والاقتصادية بين الجزائر وبكين.

بكين من أهم الشركاء

في السياق نفسه، تعد الصين من بين أهم المتعاملين الاقتصاديين، وشريكًا تجاريًا منذ بداية الألفية الثالثة، إذ بلغ مستوى التبادل التجاري بين البلدين ما قيمته 7.42 مليار دولار سنة 2022.

وتسجل الشركات الصينية حضورًا قويًا في الساحة الاقتصادية الجزائرية، حيث تنشط في مجال المحروقات والصناعة والمقاولاتية، وتقدر عدد المؤسسات الصينية الموجودة في الجزائر بـ 700 مؤسسة، تَنشُط في مجال الطاقة والبنية التحتية ومشاريع السكنات والإنشاءات، علاوة على وجود شراكة بين الشركة الوطنية للمحروقات وشركات صينية تعمل في مجال الطاقة والصناعة التحويلية والصناعة الاستخراجية، فضلًا عن تموين السوق الصينية بالغاز والبترول المسال.

من جانبه، فقد شهدت الفترة الأخيرة، إنشاء عدد من الشركات المختلطة الجزائرية-الصينية في مجال إنتاج الفوسفات واستخراج المنتجات الفوسفاتية لتغذية الحيوان، أو مشروع مركب لإنتاج "البولي أثيلين" والبروبيلين، زيادة عن مشاريع في مجال الاكتشاف والاستخراج.

الميزان التجاري لصالح بكين

في سياق متصل، تَهدف الجزائر إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية وانشاء المؤسسات المختلطة إلى تحقيق نوع من التوازن في الميزان التجاري بين الجزائر وبكين، إذ يبلغ مستوى إيرادات الجزائر من الصين 6.35 مليار دولار سنويًا، في مقابل 1.08 مليار صادرات جزائرية إلى الصين.

وتتصدر التجهيزات والعتاد والمنتجات الكهربائية وإلكترونية والسلع الاستهلاكية قائمة الصادرات الصينية، في المقابل تقتصر صادرات الجزائر إلى الصين على المحروقات ومشتقات الطاقة من غاز البترول والمواد الغازية.

شهر بعد زيارة روسيا

وفي سياق الموضوع، يَعدُ تَوقيت الزيارة أي بعد شهر من زيارة رسمية قادها عبد المجيد تبون إلى موسكو، تُؤشّر محطة بكين إلى رغبة الجزائر في دعم ملف الانضمام إلى منظمة "بريكس" من طرف الصين، وفي هذا الصدد، سبق وأن عبرت الصين عبر سفيرها بالجزائر لي جيان، عن ترحيب دولة الصين ودعمها لملف انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس".

ومن المقرر أن ينعقد مؤتمر "بريكس" في جنوب أفريقيا ما بين 22 و24 آب/أغسطس المقبل، ويوجد تنافس ما بين 20 دولة طلبت انضمامها إلى "بريكس" بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجريا والسنغال ودولة أثيوبيا.

وتراهن الجزائر على الدعم الروسي والصيني في الانضمام إلى "بريكس"، نظرًا إلى توفر جملة من الشروط قد تتجاوز وضعها الاقتصادي الرهان، على غرار المساحة الجغرافيا كأكبر بلد افريقي، تتوفر الجزائر على موارد طبيعية وطاقوية غير مستغلة بشكلٍ كامل، محاولة استقطاب الشركات الدولية وتوفير بيئة أعمال جذابة وتشريع في مجال الاستثمار أكثر استقرارًا.

من جانبه، تترقّب السلطات الجزائرية أن يبقى الانضمام إلى مجموعة "بريكس" كعضو مراقب، كخطوة أولى يتعين عليها العمل أكثر في مجال الانفتاح الاقتصادي والتجاري ورفع من المبادلات التجارية مع كل من الهند والبرازيل.

منظمة شنغهاي

وإلى جانب ذلك، تقدّمت الجزائر بطلب رسمي للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون يحمل صفة مراقب، ومنظمة شنغهاي للتعاون هيئة دولية تأسست في عام 2001، وتضم حاليًا كل من روسيا والصين والهند وكازخستان وقيرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وأربع دول بصفة مراقب هي أفغانستان وإيران وبيلاروسيا ومنغوليا.

وترغب كل من تركيا ومصر السعودية وقطر في الحصول على صفة "شركاء الحوار"، وتعد المنظمة إطار سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا روسيًا-آسيويًا الإقليم، من بين أهدافه العمل المشترك في قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب الدولي والصد للحركات الانفصالية ومواجهة التطرف الديني.

في المقابل، يرى مراقبون أن المنظمة رغم تمتعها بالنفوذ الاقتصادي والعسكري فإن مجال تدخّلها يبقى محدودًا، ويَنظر خبراء أن المنظمة تهدف إلى تشكيل إطار عسكري وأيديولوجي موازٍ في مواجهة النفوذ حلف الشمال الأطلسي.

 أي مكانة للجزائر؟

في مقابل ذلك، يتساءل خبراء في الشأن الدولي، عن أيّة مكانة ستحتلها الجزائر في منظمة شنغهاي، إذ ما سَلمنا أن الهيئة لها أبعاد أمنية وأيديولوجيًا، قد لا تتوافق وفق رؤية الدبلوماسية الجزائرية، خصوصًا ما تعلق بـ "مفهوم الإرهاب" أو تحديد عناصر "التشدد والتطرف الديني" أو تصنيف "الحركات الانفصالية"، علمًا أن هذه المفاهيم والعناصر تم صياغتها وفق الرؤية الروسية والصينية.

من جهة أخرى، ومهما بلغت أهمية زيارة عبد المجيد تبون إلى الصين وتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، فإن مراقبون يرون أن هذا التعاون يبقى في حدود لا تؤثر بشكلٍ ملموس على العلاقات الجزائرية مع الدول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأميركية، ولا على حساب دول عربية وإسلامية على غرار تركيا والسعودية وقطر، وهي علاقات بدأت تشهد تبادلًا اقتصاديًا وتجاريًا تصاعديًا.

المقرر بحسب متتبعين، أن الجزائر تعتمد على سياسية تنويع الشركاء بما يخدم مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، وبناءً على ذلك من شأن العلاقات الجزائرية-الصينية ومهما بلغت من قوةـ تبقى في لإطار الحلف الاستراتيجي الذي يهدف إلى تعزيز تعدد الأقطاب من أجل توازن إقليمي عادل، ولن تخضع الجزائر إلى رغبة الصين في توسيع نفوذها في المنطقة الأفريقية.

يُشار هنا، إلى أنه سبق وأن رفضت الجزائر تمويل الصين لعدد من المنشآت القاعدية بشكلٍ كامل مقابل إدارة تلك الهياكل القاعدية على غرار ميناء الحمدانية، مفضلة الدخول في الشراكة أو إنشاء مؤسسات مختلطة.

كما أن التجارب السابقة، أظهرت أن الشركات الصينية تعتمد أولًا على الطلب العمومي في إنجاز المشاريع وهو رهان مربح بشكل كامل، زيادة على ذلك تفضل الشركات الصينية تسليم المشاريع بشكل نهائي، حيث يتم جلب المعدات والمواد البناء واليد العاملة من الصين، ويبدو أن هذا الخيار قد تم تراجع عنه، إذ بات من الأولية استخدام المواد البناء محلية الصنع، والاعتماد على العتاد المحلي وتقليص اليد العاملة الصينية من أجل توفير مناصب عمل محلية.

من المؤكد أن الصين لن تستثمر في الجزائر في مجال الصناعات الخفيفة والاستهلاكية

في الختام، من المؤكد أن الصين لن تستثمر في الجزائر في مجال الصناعات الخفيفة والاستهلاكية، بل تفضّل ضخ الأموال في مجال أمنها الطاقوي، بشكل يضمن لها تدفق الغاز والبترول ومشتقاتهما، وقد يحقق بالنسبة للجانب الجزائري تعزيز مداخيل من العملة الصعبة، ولكن نطاق الربح يبقى محدود جدًا.