23-أكتوبر-2022
مصنع السيارات بوادي تليلات بوهران (تصوير: فاروق باتيش)

مصنع السيارات بوادي تليلات بوهران (تصوير: فاروق باتيش)

يستعد الجزائريون لبداية عهد جديد لتركيب السيارات بعد قطيعة مع الصناعة الثقيلة دامت أزيد من 40 سنة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث اختفى التصنيع والتركيب من الخارطة الحكومية والخطط الرسمية، وحل مكانها ما سمي بـ "نفخ العجلات" في حقبة النظام السابق.

الخبر الاقتصادي عبد الرحمان عية:  عودة تصنيع السيارات وحتى الاستيراد ستصب في صالح المواطن والمستثمر وحتى خزينة الدولة.

وتترجم السلطات اليوم رغبتها في إعادة بعث الصناعة الميكانيكية، عبر مشاريع حقيقية للتركيب تقوم على نسبة إدماج مرتفعة للمدخلات المحلية الصنع، بدل نفخ العجلات واستيراد السيارة جاهزة من الخارج لتفكيكها ثم إعادة تركيبها في ورشات مثلما حدث في الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2019.

وإذا كانت الحكومة قد استغرقت ثلاث سنوات من الدراسة والتمحيص في الملفات والطلبات المودعة على طاولتها، والتفاوض مع الأجانب للوصول إلى قرارات نهائية تخص الفصل في من سيستثمر في تركيب السيارات مستقبلًا في الجزائر، فقد كان ذلك بناء على رغبة حقيقية للمسؤولين في عدم تكرار أخطاء الوزراء والمسؤولين المتعاقبين على قطاع الصناعة، على رأسهم الوزير الفار إلى لبنان عبد السلام بوشوارب، الذي تقلد منصب وزير الصناعة والمناجم لسنوات، منح فيها الحصرية لثلة من المتعاملين، ولم يجسدوا استثمارات ميدانية بل اكتفوا بجني المليارات على حساب المواطن البسيط الذي كان يقتني السيارة المركبة محليًا بسعر أغلى من المستوردة.

وبعد فصل الحكومة اليوم في هوية المستثمرين الأوائل، وهم مصنع "رونو" الجزائر بوهران، الذي سيعود للانتاج وحتى للاستيراد قريبًا، ثم بعده مصنع "فيات" الإيطالي فرع المجموعة المتعددة الجنسيات "ستيلونتيس"، يرتقب الكشف خلال المرحلة المقبلة عن أسماء الوافدين الجدد إلى الجزائر من مختلف المصنعين العالميين.

ما هي شروط الاستثمار في قطاع السيارات؟

يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر في إفادة لـ "الترا جزائر": "الحكومة كانت واضحة هذه المرة وخطت جملة من الشروط والمحظورات للراغبين في الاستثمار في مجال الصناعة الميكانيكية أو تركيب السيارات، وهو ما تلقاه النواب من معطيات رسمية من وزير الصناعة أحمد زغدار خلال مناقشة قانون الاستثمار قبل أشهر، حيث كان صريحا وواضحا معهم وأعلن أن المستثمر الجديد في قطاع السيارات سيحظى بجملة من الامتيازات إلا أنه مطالب أيضًا بالالتزام والوفاء بتعهداته، خاصة وأن هذا الصنف من المشاريع، مدرج ضمن "الاستثمارات المهيكلة" وفق قانون الاستثمار الجديد، أي الاستثمارات الثقيلة جدًا.
ومن بين الشروط التي فرضتها الحكومة وكشف عنها وزيرالصناعة، يقول هشام صفر، نقل الخبرة والتكنولوجيا وتحقيق نسب إدماج معقولة جدًا، يتم رفعها بشكل تدريجي، مع الاستعانة بمناولين محليين، يتم منحهم امتيازات عدم تسديد الرسم على القيمة المضافة عند استيراد لواحقهم ومدخلاتهم، ناهيك عن تكوين العمال الجزائريين في مجال هذه الصناعة التي تحتاج اليوم إلى تأطير ودفع قوي.

ومن بين شروط إعادة بعث الصناعة الميكانيكية أيضًا بيع السيارة بسعر معقول، فلا يمكن أن تباع السيارة المركبة محليًا بسعر أغلى من تلك المستوردة، وأيضًا ضمان الجودة والنوعية وتوظيف اليد العاملة الجزائرية، ومستقبلًا بلوغ مرحلة التصدير نحو أفريقيا في ظل التحضير لفتح منطقة التبادل الأفريقية الحرة التي تضم مليار مستهلك، وبالتالي ستكون فرصة من ذهب للمصنعين الأجانب لتصدير موديلاتهم الجديدة من المركبات نحو دول أفريقية متعددة، ودون دفع الرسوم أي بسعر منخفض جدًا، على حد تعبيره.

هذا ما سيضيفه تصنيع السيارات محليًا

ويرتقب أن يحقق تصنيع السيارة محليًا في الجزائر إضافات عدة للاقتصاد الوطني، وفق الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عية، فمثل هذه الخطوة ستساهم في إنعاش الاستثمار خاصة وأن العديد من المتعاملين الاقتصاديين سبق وأن اشتكوا من ندرة حادة للمركبات تعيق تحرك مشاريعهم في السابق، مست حتى مؤسّسات عمومية وهيئات رسمية طلبت تجديد حظيرتها.

محدث "الترا جزائر" يؤكّد أن عودة التصنيع وحتى الاستيراد ونشاط المناولة خلال المرحلة المقبلة. سيخفض الأسعار بالضرورة والتي ارتفعت بما يصل 400 بالمائة، بداية من كانون الثاني/جانفي، بشكل تدريجي، كما سيوفر قطع الغيار في السوق ويقضي على القطع المزورة والمغشوشة والمقلدة التي طغت على تعاملات السيارات خلال السنوات الأخيرة وسيساهم في خلق على الأقل 100 ألف منصب شغل وهو ما سيمتص البطالة ويقلصها بشكل كبير جدًا.

ويشدد المتحدث على أن مثل هذه الخطوة ستساهم أيضًا في تقليص نسبة حوادث المرور التي تعود معظمها إلى اهتراء الحظيرة الوطنية للسيارات التي اختفت منها نصف مليون سيارة لم تتجدد خلال السنوات الأخيرة، وأيضا بفعل المركبات المغشوشة والتي لا تتوفر لا على قطع غيار أصلية ولا حتى ضمان للزبون يمكنه من تأمين حسن صيانتها في حال تعرضت لأي خلل.

ويرى عية أن عودة نشاط استيراد المركبات سيساهم أيضًا في ضخ رسوم إضافية في الخزينة، حيث تصل نسبة رسوم السيارات في الجزائر بين الرسم على القيمة المضافة الذي يعادل 19 بالمائة والضرائب أزيد من 50 بالمائة من قيمة المركبة، وهو ما سيرفع عائدات الجمارك والضرائب خلال السنة المقبلة، مشددًا على أن قرارات عودة التصنيع وحتى الاستيراد ستصب في صالح المواطن والمستثمر وحتى خزينة الدولة.

مقترحات للنهوض بالصناعة الميكانيكية

ويقترح رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عادل بن ساسي في حديث ل"الترا جزائر" خطة فعالة للنهوض بقطاع الصناعة الميكانيكية في المرحلة المقبلة، والذي سيشهد استثمار 5 متعاملين أبدوا رغبتهم في التواجد بالسوق الجزائرية وباشروا محاورات رسمية مع السلطات منها المتعامل "فيات" فرع مجمع "ستيلونتيس" الذي وقع عقدا للتصنيع، وحتى "رونو" الفرنسية التي ستستأنف الإنتاج خلال أسابيع.

وطالب المتحدث الحكومة هذه المرة بانتهاج سياسة تقوم على التصنيع للتصدير وليس فقط لتوفير حاجيات السوق الوطنية، وهو ما يفرض إنتاج 250 ألف مركبة من كل صنف لتحقيق الربحية، مشددا "بإنتاج كميات صغيرة من السيارات لن ترتفع نسبة الإندماج، كما أنه بتصنيع عدد كبير من السيارات من موديلات وأصناف مختلفة، فهذه المركبات ستفوق حاجة السوق الوطنية، وبالتالي لن يكون بيد المصنع الجزائري إلا التصدير للخارج، للتخلص من الفائض وتحقيق الربحية ورفع نسبة الإدماج".
ويصرح بن ساسي: " إذا تحقق ذلك ستحتل الجزائر المرتبة الأولى بالمنطقة في إنتاج السيارات وستتفوق على المغرب التي لم تحقق القيمة المضافة لاقتصادها في مجال تركيب السيارات لحد الآن، ما عدا توفير بضعة سيارات في السوق، ولكن من إنتاج شركة أجنبية وبفوائد يحققها الأجانب ويرسلونها إلى بلدهم".

يبقى تصنيع سيارة جزائرية حلم يراود الجزائريين منذ الاستقلال ولم ير طريقه إلى النور إلى غاية اليوم

وفي النهاية، يبقى تصنيع سيارة جزائرية حلم يراود الجزائريين منذ الاستقلال ولم ير طريقه إلى النور إلى غاية اليوم، بدءًا من مصنع "فاتيا" لعلامة فيات بتيارت في ثمانينات القرن الماضي وصولًا إلى مصانع التركيب في حقبة النظام السابق، فهل سيتجسد هذا الحلم اليوم عبر مصانع "فيات" و"رونو" وعلامات أخرى؟