10-فبراير-2020

تُشتهر مدينة بسكرة بإنتاجها لأجود أنواع التمور في الجزائر (الصورة: نون بوست)

لا يكاد جنوبي يستغني عن شربه رغم ندرته، وبالخصوص في موسم الحرّ. هو "اللاڤمي" عصير النخلة الذي يستهلكه الفقراء والأغنياء على حدٍّ سواء، لكنّه قد يتحوّل إلى لذّة محرّمة، عندما يحوّله بعض المحرومين إلى "نبيذ" بمذاقٍ خاص.

"اللاڤمي" هو مشروب معتّق بطبيعته، ولا يُستخرج إلا من النخلة التي تجاوز عمرها أربعين عامًا

ولأنّ "اللاڤمي"، عندما يكشف صفة "المشروب المحرّم"، لا يفقد اسمه الأوّل، فإن الاسم عمومًا، متداول بكثرة، ولا يًثير أي حرج، نظرًا لحالة اللبس بين "الصيغتين". ولا تجد بيتًا في مناطق الجنوب الجزائري على غرار بسكرة ووادي سوف وورقلة وغيرها، إلا أهله لا يملّون من الحديث عن منافعه.

ولا عجب وأنت تزور تلك المناطق، أن تجد الكثير من باعته على أرصفة الطرقات، من مختلف الأعمار، يضعونه في براميل صغيرة، مغلّفة بالقماش أو الخيش المبلل، حتى يحافظ على برودته، التي يقال إنها جزءٌ أساسيٌّ من نكهته.

مشروب معتّق

و"اللاڤمي" هو مشروب معتّق بطبيعته، ولا يُستخرج إلا من النخلة التي تجاوز عمرها الأربعين عامًا، وهو خلاصة كلّ تلك السنين، لكن يقال إنه يفقد مذاقه بسرعة، حتى شاربه لا يشعر إلا بلذة قصيرة، تتبعها رغبة قويّة في شرب المزيد منه.

وفي مقابل إجماع الكلّ على "ضرورة" شربه، وخاصة في صيغته الطازجة، يختلف الشاربون له في وصف مذاقه، فبعضهم يقول إن مذاقه سيّء، ويستشهدون بهذا المثل: "صامط مثل اللاڤمي" وبعضهم يُبالغ في وصف عذوبته، وبعضهم يقول إن له لذّة لكنّها تزول بسرعة كبيرة.

وعن سرعة زوال لذّة "اللاڤمي"، تقول نجاح: "عندما تذوقته لاحظت أن اللذة تزول مباشرة بعد أن يلمس اللسان المشروب، ولما سألت جدّي قال لي إن "إن البنّة تزول مثل اللاڤمي"، وقال إنه "يضرب به المثل في الناس الذين ينسون المعروف بسرعة".

وتمرّ صناعة "اللاڤمي"، بمراحل مختلفة، تبدأ باختيار النخلة "العجوز" التي يراد اجتثاثها من الأرض بعد أن تنقطع ثمارها، ثم تنظيفها من الجريد المحيط بها، ثم تسلقها، وحكّ لبها حتى يظهر ما يسمّى محليًا بـ"الجُمّار"، لتبدأ بعدها مباشرة المرحلة الثانية وتسمّى "الحجامة"، وتتمثل في انتزاع أجزاء من الجمار والحفر فيه، ومنها تبدأ أولى قطرات السائل تتراكم، لتجمع في وعاء باستخدام أنبوب.

يمكن استخراج هذا المشروب من النخيل اليافعة أيضًا، دون اللجوء إلى قطع جميع أوراقها، ويتمّ ذلك في فترات متقطّعة حتّى لا يتم إيذاؤها أو قتلها.

تتجاوز عملية "الحجامة" مدّة نصف الساعة على العموم، في وقت يمكن أن يستغرق ملأ إناء كبير نسبيًا يومًا كاملًا، ويقول العارفون إن نخلة واحدة يمكن أن تنتج حوالي 50 لترًا من "اللاڤمي" أو أقلّ قليلًا أو أكثر منذ ذلك بقليل.

فوائد صحية 

ويلقى "اللاڤمي" الطازج إقبالًا واسعًا في المناطق الصحراوية، وبالخصوص في موسم الحرّ، حيث يُقال إنه شاربه يمتلك مقاومة شديدة للعطش، ويكثر تناوله إذا تزامن الصيام مع فصل الصيف، مثلما هو الحال في السنوات الأخيرة.

وفي العادة يُصبّ "اللاڤمي" في أواني من الفخّار، بعد أن يُصفّى باستعمال قطعة من القماش، ليخزن ويستهلك بعدها باردًا، لأن برودته هي جزءٌ من لذته، وإذا لم يكن كذلك فقد حلاوته.

ولـ "اللاڤمي" فوائد صحيّة، وفي هذا الصدد يقول عبد الفتاح، وهو طبيب ينحدر من منطقة بسكرة، إنّه لا يمكن أن يستغني عن شربه، وإضافة إلى أنه "مشروب يعبّر عن هويّته البسكرية"، فهو يرى فيه كثيرًا من المزايا الصحيّة، فهو غنيٌّ بالأملاح المعدنية والفيتامينات، ويعمل على تنظيف المعدّة والمسالك البولية، وقلّما تجد "مدمنًا" على "اللاڤمي" يشكو أمراض من ذلك القبيل.

نبيذ النخيل

هذا المشروب الحلال المباح، تحوّل فجأة إلى "محظور"، وأصبح يُباع تحت جنح الظلام، ليُقبل عليه من يريد خمرًا من فقراء المناطق الجنوبية، حيث يندر وجود نقاط لبيع المشروبات الكحولية، وإن وجدت فسعرها ليس في متناول الجميع.

ويُقال إنه مع تجاهل تخزين "اللاڤمي" في شروط خاصّة ومع تعرّضه لأشعة الشمس خلال موسم الحرّ، يُمكن أن يتحوّل إلى مسكرٍ خلال مدّة 72 ساعة.

وهناك طريقة أخرى، لتحويل "اللاڤمي الحلال" إلى "لاڤمي حرام"، أو ما يسمّى بـ "اللاڤمي الميّت"، ومن أجل "قتل اللاڤمي"، يعمد العارفون إلى إضافة خميرة معينة في شروط معينة، ليصبح "نبيذًا للمحرومين".

الطبيب عبد الفتاح: اللاڤمي غنيٌّ بالأملاح المعدنية والفيتامينات، ويعمل على تنظيف المعدّة والمسالك البولية

ومثلما يجتمع الناس أمام "اللاڤمي " الطازج، وخصوصًا في البيوت الكبيرة، ويجمتع المهمشون تحت جنح الليل طلبًا لهذا المشروب المُسكر، وفي هذا الصدد، تتكلم المجالس المغلقة عن تلك اللذة، وتنقل الكثير من القصائد الشعرية التي تتناول ذلك المشروب العجيب.