11-مايو-2023

في أحد أسواق الجزائر العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/ أ.ف.ب)

بعد صدور أحكام ثقيلة في حقّ تجار متهمين بالمضاربة تصل إلى 15 سنة، واحتجاجات أهلي السجناء للمطالبة بالإفراج أو تخفيف العقوبات، ارتفعت الأصوات المطالبة بمراجعة قانون المضاربة غير المشروعة والعفو عن صغار التجار المدانين.

خبير فلاحي لـ "الترا جزائر": اضطر فلاحون من منتجي البطاطا والبصل إلى تقليص المساحات المزروعة لتجنب اللجوء إلى تخزين الفائض من الإنتاج خوفًا من الملاحقات القضائية

يري أكثيرون من أهالي السجناء أن الأحكام الردعية في حق صغار التجار مبالغًا فيها، خاصة وأن معظم القضايا جاءت في حق تجار لا يملكون فوترة لبضعة لصناديق معدودة من مادة الحليب أو عدة صفائح زيت مدّعم، وكثير منهم يشتغل في مجال النقل ولا علاقة لهم بالتجارة.

خلال المناقشات التي شهدها البرلمان الجزائري في الأسابيع الأخيرة، تكررت المطالب العلنية الصادرة أساسًا من أحزاب محسوبة على الموالاة، من المنتمين لمناطق يغلب عليها النشاط التجاري والفلاحي كوادي سوف (على الحدود الشرقية للبلاد) وأم البواقي (الهضاب العليا)، لمراجعة قانون مثير للجدل أقرته الحكومة في أواخر عام 2021 لحماية المستهلكين، ونتج عنه سجن مئات التجار والمواطنين اتهموا بتهريب مواد غذائية ومنها الزيوت الغذائية والسكر والسميد.

إلى هنا، رافع النائب عمر طرباق عن الكتلة النيابية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي المؤيد الحكومة من منبر البرلمان في الخامس من شهر نيسان/أفريل الماضي، لأجل إعادة النظر في القانون لما سببه من آثار وخيمة على حد تعبيره على الكثير من العائلات والتي تجاوز عددها الألف، معبرًا عن أمله في ان تستدرك الحكومة الوضع بـ "عفو رئاسي مدروس لفئة من الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن"، وإثر إلقائه هذا المطلب تفجرت موجة من التصفيق للنائب من زوايا القاعة.

من جهته، طالب النائب عبد القادر قوري من "كتلة الأحرار" خلال مناقشة لقانون مكافحة الاتجار بالبشر، القضاء بمراجعة الأحكام الصادرة في تجار يمارسون المضاربة وتهريب مواد غذائية لكسب قوت عيشهم.

وقد بلغت الأحكام ذروتها في النصف الثاني من العام 2022 المنقضي، حيث لا يقل عدد المتهمين عن 100 متهم شهريًا، وفق بيانات صادرة عن وزارة العدل الجزائرية، المتضمنة حصائل عمليات التوقيف والملاحقات التي طالت من وصفتهم بمرتكبي أفعال المضاربة غير المشروعة.

وأضاف الوزارة أنه "تهدف هذه الإجراءات (أي الملاحقات) إلى محاربة الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني، خاصة التهريب والمضاربة غير المشروعة".

في هذا السياق، رافقت المتابعات بتغطية إعلامية واسعة، في سياق حملة من السلطات لردع المضاربة بالمواد الأساسية من قبل تجار مسجلين أو فئة من المشتغلين في مجال التهريب والمضاربين الذين يستغلون فترات ندرة المواد الغذائية لرفع أسعارها.

ويرى النائب عمر طرباق أن قانون مكافحة المضاربة "غير الشرعية" حُوّل من هدفه لحماية الاقتصاد الوطني من المجرمين وجماعات الضغط "إذ تسبب في سلب الكثير لحريتهم وأضاف مآسي أخرى لتلك التي عاشتها البلاد".

ويخشى مؤيّدو الحكومة من رد فعل سلبي لدى الشارع الجزائري الذي رصد ما يوصف بالأحكام القاسية في حقّ تجار صغار وأصحاب منشآت تخزين، فيم يفلت بعض كبار المضاربين من الملاحقة، رغم الإقرار بأن المشروع ساهم في الحد من ظاهرة المضاربة والندرة.

في هذا السياق، يرى يوسف بأنه بفضل هذا القانون والعقوبات" تقلصت ظاهرة تخزين المواد الأساسية بطريقة قانونية من قبل التجار".

آثار سلبية

وبحسب الخبير الفلاحي أحمد ملحة، فإن تقييم جدوى القانون أصبح ضرورة لما سببه من آثار جانبية على الاقتصاد الجزائري، وقال في تصريح لـ "التر جزائر"، إنه يعرف عدة فلاحين من منتجي البطاطا والبصل اضطروا إلى تقليص المساحات المزروعة لتجنب اللجوء إلى تخزين الفائض من الإنتاج خوفًا من المتابعات القضائية.

وأفاد المتحدث أن فلاحًا بغرب العاصمة، قلّص حجم المساحة المزروعة من البطاطا إلى خُمُس ما كان يزرعه سنوات خلت حد بعد تجربة مريرة مع السلطات في وقت سابق، حيث خضعت مخازنه للتفتيش وتسبب ذلك في أزمة صحية لابنه.

في هذا السياق، ربط مختصّون في الفلاحة بين ارتفاع غلاء أسعار البصل في الأشهر الأخيرة وتراجع حجم المخزون، إذ قام الفلاحون بالتخلص من الإنتاج وطرحه في السوق مبكرًا لتجنب تخزينه خشية المتابعة القضائية، وتفاديًا لما تعرض له عدة فلاحين عُثر لديهم على مخزون غير مصرح وأدينوا بأحكام قاسية بلغت سبعة أعوام.

إلى هنا، حذر أحمد ملحة من أن القانون الذي جاء لمكافحة الضاربة قد يسبب مستقبلًا ندرة في منتجات فلاحية، مما يوجب مراجعة عميقة للسياسات المعتمدة.

واقترح محمد "الترا جزائر" في هذا السياق، تنسيقًا أكبر بين المنتجين وأصحاب غرف التبريد التابعة للقطاع الخاص والسلطات عبر التصريح بمواقع التخزين وقدراتها الاستيعابية.

تجاوب من السلطات

أثارت المطالب التي رفعها أعضاء البرلمان وإلحاحهم على وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي علنًا، للتدخل لدى المحاكم للعفو عن بعض الموقوفين حفيظة هذا الأخير، فبعد ان ابدى بعض التفهم لشكاويهم، لم يتردد في توجيه النقد لما وصفها بـ "التدخل في صلاحيات القضاء"، داعيًا الذين صدرت في حقهم قرارات إدانة لـ"استنفاذ سبل الطعن وطلب محاكمة جديدة".

في المقابل رصد متتبعون توجهًا للحكومة لاحتواء المعارضة المتزايدة لسياسة التشدد في مواجهة ظاهرة المضاربة وتخزين البضائع، بتعيين وزير جديد للتجارة بدلا لـ كمال رزيق صاحب قانون المضاربة، حيث اطلق الوزير الجديد الطيب زيتوني مطلع ماي خطة جديدة تقوم على ازالة مسببات الندرة التي تعد السبب الرئيس للمضاربة وتخزين البضائع والتهريب .

وتشمل الخطة ستة محاور أساسية لتنظيم القطاع، لـ "مواجهة ارتفاع الأسعار وضمان التوزيع المنتظم والعادل للمواد واسعة الاستهلاك. وتقوم ايضا وفق ما أعلنه على الإسراع في معاجلة ملفات الاستيراد للتقليص من فترة مكوث الحاويات في المناطق تحت الجمركة وتعزيز التنسيق مع مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية لامتصاص السوق الموازية واستيعاب الناشطين فيها".

 أحكام قاسية

يفرض قانون المضاربة الذي صدر في كانون الثاني/ديسمبر 2021 عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية وفقًا لسلم تدرجي تصاعدي، حيث يشدد العقوبة إذا كانت الجريمة تنصب على مواد أساسية كالحبوب ومشتقاتها، الحليب، الزيت والسكر والبقول، بالحبس لمدة تصل إلى 20 سنة وغرامة بـ 10 ملايين دينار.

وتُرفع العقوبة إلى 30 سنة سجنًا وغرامة بـ20 مليون دينار في حال ارتكاب هذه الجريمة في الحالات الاستثنائية، أو خلال أزمة صحية طارئة أو تفشي وباء أو وقوع كارثة.

ربط مختصّون في الفلاحة بين ارتفاع غلاء أسعار البصل في الأشهر الأخيرة وتراجع حجم المخزون حيث قام فلاحون بالتخلص من الإنتاج وطرحه في السوق مبكرًا لتجنب تخزينه

وتكون العقوبة السجن المؤبّد، إذا ارتكبت الجريمة من طرف جماعة إجرامية منظمة، وينص المشروع على مصادرة محل الجريمة ووسائلها والأموال المتحصل منها مع الحكم بشطب السجل التجاري والمنع من ممارسة النشاطات التجارية وغلق محل الجريمة والمنع من استغلاله لمدة أقصاها سنة واحدة.