19-أكتوبر-2019

مقابلة الجزائر أمام الكونغو بملعب تشاكر بالبليدة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

قبل أيّام استفاقت مدينة مستغانم (334 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة)، على وقع جريمةٍ غريبة؛ حيث أقدم مجهولون على حرق جزءٍ رئيسيٍّ من ملعب "بن سليمان"، الذي كان مزيّنًا بأرضية عشبٍ اصطناعي لم تُستعمل بعد، بعد عصرنته وإعادة تأهيله، إذ حظي بموافقة "لجنة تأهيل الملاعب"، من أجل أن يستقبل فريقيْ المدينة "ترجي مستغانم" و"وداد مستغانم".

جمال بلماضي: "إنّ منتخبًا بحجم كولومبيا، لا يقبل أن يخوض مباراته فوق أرضية بمواصفات الملاعب الجزائرية"

سارعت مصالح الأمن إلى التحقيق في الحادث الذي وصف بـ"الإجرام في حقّ الرياضة"، وتأسّست بلدية مستغانم طرفًا مدنيًا في القضيّة، وبيّنت المعلومات الأوّلية أن المتّهمين، كانوا قد قاموا بفعلتهم في ساعة متأخّرة من الليل، ويبدو أنّهم تسلّقوا أسوار الملعب، لأنّ الأبواب بقيت سليمة ولا وجود لأيّ أثر تخريب عليها.

اقرأ/ي أيضًا: أهازيج الألتراس.. هنا صُنعت الأناشيد الرسمية للحراك الشعبي

رغم غرابة "جريمة ملعب مستغانم"؛ إلا أنّ جرائم أخرى لا تقّل غرابة طالت كثيرًا من الملاعب التي صرفت عليها الدولة أموالًا طائلة من الخزينة العمومية، دون أن تستفيد منها النوادي، مثلما حدث مع ملعب "أول نوفمبر" بمدينة باتنة، الذي دُشّن عام 1984،عندما احتضن نهائي كأس الجمهورية آنذاك، ووُصفت أرضيته بعشبها الطبيعي بـ"الرائعة"، لكن سرعان ما تدهور وضعها، ويُقْدم المسؤولون على غلقه لمدّة طويلة حتى نسي جمهور المدينة أمره، وعادت نوادي المولودية والشباب إلى "ملعب سفوحي" بأرضيته الترابية.

لا يختلف حال ملاعب بومرداس والرويبة والبويرة، عن حال ملعب باتنة، فكل ملاعب تلك المدن، كانت جميلة بأرضيات من العشب الطبيعي، وكانت مؤهّلة لأن تحتضن مباريات دولية، لكن لأسباب مجهولة تدهورت أرضياتها، وأقدم مسؤولوها على غلقها لمدّة طويلة أيضًا.

مواصفات جزائرية

عندما سُئل المدرب الوطني جمال بلماضي، عن سرّ لعب مباراة الجزائر ضدّ كولومبيا في فرنسا، قال إنّ منتخبًا بحجم كولومبيا، لا يقبل أن يخوض مباراته فوق أرضية بمواصفات الملاعب الجزائرية، حيث إن اللقاء الأخير ضد الكونغو الديمقراطية كان سيئًا جدًا بسبب رداءة عشب ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة.

وكان عشب ملعب البليدة غربي العاصمة، مضربًا للمثل في الجودة، وكان المنتخب الجزائري يستقبل فيه خصومه قبل أن يتدهور. وحسب بعض الصحافيين الرياضيين، فقد كان هناك شاب تلقّى تدريبًا على يد أحد الخبراء على صيانة الملعب، قبل أن يغادر الخبير البلاد، ويستقيل الشاب الذي كان يقوم بعمل مضنٍ، بسبب راتبه الذي لا يتجاوز 120 دولارًا شهريًا.

مع التدهور المستمرّ لأرضية ملعب تشاكر بالبليدة، لا عجب أن يُقدم مستقبلًا مسؤولون على "حلّ جذري"، بالاعتماد على العشب الاصطناعي، وهو ما سبقهم إليه مسؤولون آخرون مع ملاعب كانت معشوشبة طبيعيًا، حدث ذلك مع ملاعب بجاية وسيدي بلعباس وغليزان وغيرها.

وفي حديث لـ"الترا جزائر"، يقول الصحافي أمين علام، إنّ مشكلة تلف العشب في مختلف الملاعب يعود بالأساس إلى "سوء اختيار نوعية العشب، فمن المفترض اختيار العشب الذي يتأقلم مع البيئة المحليّة، إضافة إلى غياب الكادر البشري المؤهّل لصيانة الأرضية، وعوضًا عن الاعتماد على مهندسين متخصّصين، فإن من يقوم بالصيانة هو حارس الملعب".

تكاليف باهضة

وفي الوقت الذي يقول فيه البعض إنّ العشب الاصطناعي أرخص تكلفة، فإن أمين علام يذهب إلى عكس ذلك؛ فهو يؤكد أنّ الملاعب الجزائرية عمومًا يتم تجديدها كل ثلاث سنوات تقريبا بأحدث أجيال العشب الاصطناعي، ومن هذا المنطلق فإن تكلفتها تكون مرتفعة جدًا، مقارنة مع مردودها الكارثي على أداء اللاعبين.

من جهته يرى أحمد حفّاف، الصحافي في القسم الرياضي لجريدة "وقت الجزائر" في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ مشكلة الملاعب المعشوشبة طبيعيًا في الجزائر، تكمن في عدم الاعتماد على العلوم الزراعية في اختيار الأرضية، فالعشب يحتاج إلى صيانة مستمرّة من أجل تنقيته من الأعشاب الضارّة ومن الحشرات والفطريات، وهذا ما لا يعرفه القائمون على تلك الملعب.

ومن أجل الذهاب إلى حلّ جذري للمشكلة، يقترح حفّاف أن تُنشئ الدولة مشاتل لعشب متأقلمٍ مع البيئة المحليّة، إضافة إلى تكوين كوادر متخصّصة في الأمر، ويتمّ اللجوء إلى "صفائح من العشب" جاهزة لتجديد أيّ ملعب، عوضًا عن استيراد الأرضية في كلّ مرّة من بيئة مختلفة تمامًا.

وفي انتظار ذلك، تبقى الملاعب الجزائرية تعاني من الأرضية الكارثية، بسبب العشب الاصطناعي ونوعية العشب الرديئة، على غرار ملعب عنابة الذي كان قد احتضن جزءًا كبيرًا من نهائيات كأس أفريقيا للأمم عام 1990، وملعب 5 جويلية الذي تتدهور أرضيته في كل مرّة بعد أن تُغلق أبوابه لمدّة طويلة من أجل الصيانة وزراعة أرضية جديدة، وهو الذي وصفه بعض المتهكّمين بـ"المزرعة التعيسة" اقتباسًا من "لعبة المزرعة السعيدة" الإلكترونية.

ما يخشاه البعض هو أن يلجأ المسؤولون إلى العشب الاصطناعي لإصلاح ملعب 5 جويلية بالعاصمة

ما يخشاه البعض وفي ظلّ هذه المشكلة "المزمنة" لملعب 5 جويلية، أن يلجأ المسؤولون إلى أسهل الحلول؛ بالعودة إلى العشب الاصطناعي، مثلما كان عليه الملعب نفسه عند تدشينه عام 1972.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يوسفي بلايلي.. مجرّد مدمن على كرة القدم

باعة الرايات والأعلام في مسيرات الحراك.. تجارة وسياسة