05-فبراير-2023
(صورة أرشيفية/دان كيتوود/Getyy)

(صورة أرشيفية/دان كيتوود/Getyy)

أحدث موضوع امتحان في مسابقة الدكتوراه تخصُّص "علم النَّفس الاجتماعي" بجامعة الجزائر 2، بالعاصمة الجزائرية لغطًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية، وفتح نقاشًا حول نوعية الأسئلة التي تختارها اللجان العلمية المؤهلة لوضع أسئلة امتحان المسابقات الوطنية لولوج الدراسات العليا في سلك الدكتوراه،وإسقاطاتها على الواقع الجزائري.

الطالبة كريمة مراح اعتبرت أن التحولات الاجتماعية مازالت تحت سيطرة بعض العادات والتقاليد التي مازالت تنظر للمرأة أنها ولدت وترعرعت لتكون في البيت ولا يمكنها أن تحلم بمهنة محترمة

لقد فتح هذا السؤال الذي يعالج أحد الظواهر الاجتماعية وأثرها على نفسية المرأة خصوصًا في علاقة بينها وبين الرجل، تحت "مؤسسة طلب الزواج"، إذ لا يمكن غضّ الطرف عنها، نقاشًا حول نوعية الأسئلة التي يُمتحن فيها طلبة الجامعات خاصة في سلك الدكتوراه وفي التخصصات الإنسانية والاجتماعية التي لا تزال حبيسة نظريات بعيدة عن الواقع، دون إخراجها من الأطر الأكاديمية نحو معالجة المشاكل الاجتماعية.

يتمحور السؤال بحسب النسخة التي اطلعت عليها "الترا جزائر"، حول الأزمة النفسية التي وصلت إليها فتاة في العقد الرّابع من العمر، تقدَّم إليها رجل لخطبتها مشترط عليها أن تترك عملها، رغم أنهما بشهادات عليا وبمناصب راقية.

كما أبرز السؤال في الآن نفسه، مدى اختلاف وجهات النظر لرواد منصات التواصل الاجتماعي عن حقيقة هذه التخصّصات العلمية التي تفرض دراساتها الانطلاق من واقع جزائري محظ، وتنزيل مختلف التجارب والنظريات على خصوصيتها، وليس العكس، فيما اعتبر البعض أن السؤال يستبطن تفكير صاحبه.

من جملة الأسئلة التي طرحتها ورقة الاختبار، وضعت الممتحنين أمام استكشاف وتحديد النظرية التي تنطبق عليها هذه الوضعية،ولماذا تريد هذه الفتاة الخروج من هذه الوضعية؟ وماهي الطرق التي قد تستعملها للخروج منها؟، وفي الأخير طلب من الممتحنين ذكر مثال حيّ من حياتنا اليومية مطابقًا لهذه الوضعية مع توظيف المفاهيم الأساسية لهذه النظرية؟

فيما يتعلق بفحوى الاختبار، اعتبرت الطالبة كريمة مراح (27 سنة) أن السؤال في المتناول لكلّ المتخرجين من قسم علم النفس الاجتماعي، ويضعهم أمام تجربة الجانب المنهجي في إجراء البحوث ذات التوجّهات النفسية والتخصصات الإنسانية.

ومن منظور الواقع الاجتماعي الذي نعيشه اليوم، ترى المتحدثة أنه "مع التحولات النفسية للمرأة الجزائرية العاملة، وتكاليف الزواج، فضلًا عن "التحولات الاجتماعية التي مازالت تحت سيطرة بعض العادات والتقاليد التي مازالت تنظر للمرأة أنها ولدت وترعرعت لتكون في البيت، ولا يمكنها أن تحلم بمهنة محترمة، وإن عثرت على زوج، عليها أن ترضخ لشروطه وكفى".

وأضافت مراح في تصريح لـ"الترا جزائر" أن هذه التخصصات وخاصّة منها علم النفس وعلم الاجتماع من الضروري أن تواكب هذه التحوّلات وتدرسها من خضم التجارب مع ربطها بالسياقات التاريخية والعلمية أيضا، لأنها "تجعل من القضايا التي تبرز ثم تتحول إلى ظواهر، مادة دسمة للدراسة والتحليل، وإيجاد الحلول، وليس القيام بـ"سجن الطلبة وأر الباحثين في جدران الجامعات، وعدم النظر خارج الأطر النظرية والكتب التي عالجت مسائل و ظواهر عاشتها المجتمعات في الماضي.

ونظرًا لأهمية المنطلقات النظرية، أردفت قائلة بأن" النظريات التي تعتمد عليها التخصصات الإنسانية كثيرًا منها يصلح لأن تكون أساسًا لمتابعة الظواهر ومعالجتها، ولكن يجب أن ننزلها في منزلة الواقع الذي نعيش فيه".

خارج البيئة

مما سبق، كلّ موضوع اجتماعي تعالجه البحوث في الجامعات يزيد من إشعاعه العلمي كلما كان متصلًا بالواقع الذي يعيشه المجتمع، ومتعلق ببيئته الاجتماعية، ويستطيع الطلبة تفكيكه كلما كان قريبا منهم، فضلًا عن السياق الذي يطرح فيه سؤال مثل ما أسلفنا ذكره، فيكون الطلبة الممتحنون على أهبة للتمحيص والتحليل والتفكيك والتفسير وتقديم معالجات.

من وجهة نظر الطلبة، كثيرون يرون أن السؤال ينسجم مع فحوى التخصّص، وغير بعيد عن اهتمامات الممتحنين في هذا المجال من التخصصات العلمية في مجال العلوم الإنسانية، غير أنه في الوقت نفسه، يثير عدة تساؤلات في وسائط التواصل الاجتماعي، وجب الالتفات إليها، إذ يعود السؤال إلى طرح فكرة أعمق من مجرد سطور يستوجب على الطالب الإجابة عنها، تتعلق بملف العنوسة في الجزائر، وربطها بأسباب اجتماعية مهني.

من جهته، يرى أيمن سعدون، وهو طالب دكتوراه علم الاجتماع من جامعة سيدي بلعباس، أن الموضوع يتعدى أن يكون سؤالًا اعتباطيًا إذ يمكن ربطه بالواقع الجزائري "المرير"، خصوصًا مع أرقام العنوسة المرتفعة في الجزائر في مقابل عزوف لافت للشباب عن الزواج، يدعّم ذلك "إحصائيات الطلاق في البلاد التي باتت تخيف كثيرين" .

وأكد سعدون لـ"الترا جزائر"، بأن "العنوسة باتت موضوعًا شائكًا وحقيقيًا في الجزائر، إذ أن تفرغ المرأة للتعليم وتحسين مستواها الاجتماعي والمهني، جعلها اليوم "متهمة"، في مجتمع مازال يعاني الانغلاق في زمن الانفتاح التكنولوجي وتناقضات متطلبات الأسرة الجزائرية بشكلٍ خاص عام و ضغوطات المجتمع عمومًا.

في مقابل ذلك، يعتقد المتحدّث بأن هناك توليفة جديدة باتت تسوقها وسائل الإعلام وخاصة التي تتحكم فيها " السوشيال ميديا" وهي " علاقة ندية بين المرأة والرجل، مع خلق صراع وهمي يُمكنه أن يؤدي إلى تفكيك لمفهوم الأسرة وضرورة أدوار كل طرف، وتداخلها حينا وتباعدها أحيانًا، على حدّ قوله.

وأضاف أن السؤال" يُعبر عن مسألة لصيقة بمشكلات العائلة الجزائرية التي باتت تفرض على أبناءها الزواج من امرأة متعلمة ولكن في الوقت ذاته يفرض الرجل بأنها لا تعمل".

أين الخلل؟

ارتباط عامل السنّ مثلما يوضّحه السؤال، والعامل المهني والتدرج الوظيفي كلّها أسباب جعلت من المرأة تدخل " أزمة" قبول عرض الزواج والبقاء في البيت وتهدم ما بنته في السنوات الماضية، هكذا تصور البعض السؤال الذي يعني أن " سبب العنوسة هو المرأة وليس بـ" ضرورات الحياة الاجتماعية، وحقّ المرأة في التعلم وممارسة المهنة، وليس مرتبط فقط بقبول شرط التوقف عن العمل من عدمه مقابل الزواج؟

كلّ فكرة موضوع امتحان في تخصّصات العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولدت من رحم الواقع الاجتماعي، فهذا النص خرج من رحم اليوميات الاجتماعية، على حد تعبير أستاذ علم النفس عبد اللاوي سيدهم من جامعة الجزائر، إذ لم يخرج السؤال حسبه، عن إطار الواقع الجزائري الذي " كثيرًا ما ينظر لعمل المرأة كتهمة" وأحيانًا ربط عدم العمل مع شروط الزواج، في المقابل، نجد كثيرات يتمسكن بمؤهّلاتهم العلمية ومنصب العمل،ويرفضون الدخول في شراكة أسرية بحجة "الخوف من المستقبل".

ولفت الأستاذ سيدهم في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الواقع الاجتماعي والنفسي للمرأة أثبت أن "السنّ يلعب دور مهم في تقليص بعض النساء شروطها ورضوخها لعروض الزواج، في مقابل الكثيرون يرون أن الوصول إلى هذا السنّ الموضح في الامتحان، أداة نفسية تؤثر في الكثير من الأحيان على قرارات المرأة".

يدعو كثيرون إلى ضرورة تكييف الأسئلة والبحوث الأكاديمية في الجامعات والتخصصات الاجتماعية والإنسانية مع الواقع المعاش

بعيدًا عن السؤال المحوري، يدعو كثيرون إلى ضرورة تكييف الأسئلة والبحوث الأكاديمية في الجامعات والتخصصات الاجتماعية والإنسانية مع الواقع المعاش، وأن تُعرض بشكل دوري في مؤتمرات وندوات وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، لتكون مادة من شأنها أن تعيد للمجتمع توازنه، نحو تفكيك "قنابل" تهدد نواته الأولى الأسرة، فسؤال الامتحان الذي فتح النقاش، يمكن أن يكون حسب الكثيرين، مدعاة للاعتراف بعمق القضايا المطروحة وضرورة مواجهتها.