01-أبريل-2020

فيروس كورونا انتشر في 39 ولاية جزائرية (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

تُشير أغلب تصريحات المسؤولين في الحكومة الجزائرية منذ أيّام، إلى بدء الجزائر استعدادات لإعلان التعبئة الصحية الشاملة، تخوّفًا من تفشي فيروس كورونا في البلاد، خاصّة مع تصاعد في وتيرة عدد المصابين بالفيروس، إضافة إلى الارتفاع  اللّافت لمعدّلات الإصابة اليومية، والتي انتقلت من خمسة إصابات يوميًا، في الأسبوع الثاني من آذار/مارس، إلى 132 حالة إصابة نهاية الشهر نفسه.

تعتبر التعبئة الصحيّة، من أولى الحلول لمواجهة فيروس سريع الانتشار والعدوى

تسيير الأزمة  بالموجود

سياسيًا، أمر الوزير الأوّل عبد العزيز عبد العزيز جراد، الولاة عبر مختلف الولايات الجزائرية، ببدء تعبئة شاملة للكوادر الطبيّة والصحيّة، تحسّبا لمواجهة تفاقم الأزمة الوبائية، وجاء في مرسوم أصدره الوزير الأوّل الجزائري يوم الأحد الماضي، أوامر بوضع بطاقية لإحصاء مختلف الكوادر الصحيّة والطبية عبر الوطن، إذ جاء في الوثيقة: "فيما يخص بتعبئة وطنية منقطعة النظير، فإنه يتعين على الولاة أن يحافظوا أيضًا على تعبئة كلّ الموارد البشرية المحليّة النافعة في هذه الظروف، وتأطير العمل التطوّعي من أجل تذليل آثار الأزمة على المواطن، إذ يتعلّق الأمر خصوصًا بتعبئة جميع رجال الإنقاذ من المتطوّعين، لاسيما منهم أولئك المكونين من طرف المديرية العامة للحماية المدنية وكذا سلك المعلمين الذين يوجدون في هذا الظرف في فترة توقّف عن النشاط، والعمل طبقًا لتعليمات رئيس الجمهورية على وضع آلية لإحصاء المتطوّعين من الأطباء و شبه الطبيين المتقاعدين، بالتنسيق مع المؤسّسات المحلية للصحّة العمومية".

اقرأ/ي أيضًا: في أثقل حصيلة منذ انتشار الوباء.. 9 وفيات و132 إصابة جديدة بكورونا

وسبق تعليمة الوزير الأوّل الجزائري، قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بإعلان " تعبئة صحيّة"، حيث أصدر قرارًا خلال اجتماع مجلس الأمن القومي خلال الأسبوع الماضي، أنه يتعين على "المصالح الصحيّة ببدء إعداد قوائم للمتطوّعين الراغبين في المساعدة، بمن فيهم الأطباء الخواص وكافة المستخدمين شبه الطبيين والمستخدمين في قطاع الصحّة، وتحيين تلك القوائم يوميًا لمواجهة انتشار الوباء".

مخاوف جدّية

يحمل قرار التعبئة الصحيّة، من تفسيرات بحسب المعنيين من السلك الطبّي، بتخصّصاته من أطباء ومختصّين وممرضين وممارسي الصحة العمومية، "مخاوف جدّية"، لدى الحكومة، إثر عديد التوقعات بارتفاع حدّة انتشار الفيروس، وهو ما يعني أن المواجهة ستكون مباشرة بين مجموعات السّلك الطبي والمواطنين في أقسام الاستعجالات بالخصوص، مثلنا قالت الطبيبة راضية مهني في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتة إلى أنها تزاول مهامها في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، بقلب الجزائر العاصمة منذ 12 سنة، واتّضح خلال الأيام الأخيرة، أن "السلك الطبّي الحالي لن يستطيع مواجهة حالات الإصابات بالفيروس الخطير، أو القيام بفحوصات متتالية لعشرات الحالات، خصوصًا الأنفلونزا الموسمية، والتي تظهر عليها أعراض مشابهة لتلك التي يحملها المصاب بفيروس كورونا".

في كل الأحوال، شدّدت الأخصائية في الطبّ الداخلي بالمستشفى الجامعي – الذي يعدّ الأكبر في الجزائر- على أن "السلطة اعترفت بخطورة الوضع، بعدما تم رفع المحاذير إلى المستوى الثالث، ومواجهته حسبها "لن تكون نتائجها مجدية دون اتخاذ إجراءات ميدانية، ومنح تدابير جديدة خاصّة للمرحلة الحالية من الأسبوع الرابع لتسيير أزمة وباء كورونا، وما بعد هذه الأسبوع".

على الأرض، وصلت الجزائر اليوم بعد تسجيل أكثر من 132 إصابة جديدة يوم الاثنين 31 آذار/مارس إلى "مستوى كارثي" لعدد الإصابات، وهو ما يفسر أيضًا، الدخول في مرحلة أصعب من الأيّام السابقة، إذ تضاعفت الإصابات بشكلٍ لافت، دونما الإشارة إلى "نقص فادح في إمكانيات الفحص الدوري لمئات المرضى، والذين يُشتبه فيهم الإصابة بالفيروس والكشف عن إيجابية التحاليل أو سلبيتها، يقول الدكتور محمد اسطمبولي، بمستشفى عبد الحميد بن باديس بولاية قسنطينة، معترفًا لـ "الترا جزائر"، أن "الوضع أصعب ممّا كنا نتصوّره، فالتحكّم فيه يستدعي وضع مخطط استعجالي، وإمكانيات بشرية معتبرة، من استدعاء المتقاعدين من مختلف مجالات السلك الطبّي، وتجنيد حتى الطلبة في كليات الطبّ، وفتح المساهمات من المتطوّعين من كوادر طبية في القطاع الخاص".

ضرورة استعجالية.. مع تصاعد الحالات

تعتبر التعبئة الصحيّة، من أولى الحلول لمواجهة فيروس سريع الانتشار والعدوى، وبرأي مختصين، فإن التعبئة تأتي في المقام الأولى كخطوات ميدانية وفعلية في المستشفيات والمصحّات، لكن يقابلها "تعبئة توعوية وتحسيسية من مختلف القطاعات" كما قالت الممارسة الطبية سعيدة بن حرة، من مستشفى "الإخوة بن طوبال" بولاية ميلة شرق البلاد، وأردفت المتحدّثة: "نلاحظ أن التوعية هي التي يمكنها أن تحجّم انتشار الفيروس وتوسّعه إلى عدة مناطق، فبقاء المواطنين في البيوت يمكّن السلك الطبّي في التحكم في الحالات المحوّلة إلى المستشفيات، أو المشتبه فيها بالإصابات".

إحصائيًا، يعدّ التصاعد اليومي في أعداد الحالات بالإصابات، من أسباب التعبئة الصحيّة، مع العلم أنها أرقام رسمية، مع شكوك طبية في أن الأرقام بعيدة كل البعد عن الواقع، وهو ما أشار إليه، العديد من الأطباء، إذ يتخوّف البروفيسور حسين بوعروج من "شراسة سلالة فيروس كورونا المستجّد"، معتبرًا في تصريح إلى "الترا جزائر"، أنّ انتشار الفيروس في الجزائر لا يمكن من التحكّم في تعداده بالأرقام،  خصوصًا "إن وضعنا في الحسبان أن حالة مصاب واحدة تكون ايجابية، أي أنه مصاب بالفيروس، معناه أننا أمام إحاطة بعدد لا متناهي من الأشخاص الذين احتكّ بهم في فترة محدّدة، وهنا تكمن الخطورة".

بالحديث مع الدكتور بوعروج، فإن العدوى تكون في فترة وجيزة، خصوصًا وأن" الفيروس بحسب التقارير الطبية العالمية، تمكّن من تطوير نفسه كفيروس وأصبح أكثر شراسة، وخصوصًا ما وقع في إيطاليا، ولو أسقطناه على الوضع في الجزائر، فإن المعدّلات ارتفعت يوميًا، دون احتساب الحالات المجهولة".

ويلفت المتحدّث إلى "الخطأ الذي وقعت فيه المنظومة الصحية في الجزائر، في تشخيص الأزمة كـ "أزمة مستجدة وخاطفة واستعجالية"، موضحًا أنّنا أمام ضرورة تجييش أخصائيين ووسائل وإمكانيات بشرية ومادية بسرعة، للإحاطة بالوباء والتقليل من تداعياته التي لا يمكننا إحصاء كم سندفع الثمن بشريًا وماديًا، يقول المتحدث.

كما يتّضح أن، التعبئة الصحيّة أصبحت ضرورة أمام توسع خريطة الوباء في الجزائر إلى 39 ولاية جزائرية، وتزايد أيضًا حالة الوفيات، مقارنة مع "هشاشة المنظومة الصحية" وباعتراف مسؤوليين حكوميين، رغم التطمينات التي قدمها  الرئيس الجزائري في بدايات الوباء، بالقول إن" الوضع تحت السيطرة".

السلك الطبي في الواجهة

ميدانيًا، باشرت السلطات الجزائرية في تنفيذ تدابير التعبئة الصحيّة باستدعاء المتقاعدين طواعية، وخصوصًا المتخصّصين لمباشرة عملهم هذه الأيام،  إذ أن الأطباء الجزائريون أبدوا تكفّلهم بالاستمرار في تقديم الإحاطة الطبية في المستشفيات، وتقديم المساعدة في شتى المجالات الطبية، إذ أكد كثيرون من ممارسي الصحّة في الجزائر في تصريحات متفرقة أنهم "لن يدّخروا جهدا لمكافحة الفيروس في المؤسّسات الطبية"، رغم أن البعض اشتكى من الإمكانيات الوقاية للسلك الطبي، موجّهين دعوات للمواطنين للبقاء في البيوت للتحكم في احتواء الفيروس.

اللافت أن حديث الحكومة عن التعبئة الصحيّة، يتزامن مع مختلف المبادرات التطوعية الميدانية

اللافت أن حديث الحكومة عن التعبئة الصحيّة، يتزامن مع مختلف المبادرات التطوعية الميدانية، لعدد معتبر من الشباب منتظمين في فرق للدعم الصحّي، وضمان توفّر الوسائل الطبيّة وتوزيعها على المستشفيات، بالتنسيق مع  السلطات المعنية، وهي مبادرات تدخل ضمن التعبئة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في هذا الظرف العصيب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاستنجاد بتبرّعات المواطنين لمواجهة كورونا.. خطوة تثير الهلع والسخرية

البليدة.. مدينة الورود التي تُقاوم الوباء