14-يوليو-2023

(الصورة: Getty)

تأجّلت مناقشة قانون حماية الغابات الدورة التشريعية المقبلة على مستوى البرلمان، غير أن العقوبات الصارمة التي تضمنها ضدّ مفتعلي الحرائق  والتي تصل إلى حد المؤبد، أفضت إلى تراجع حاد في نسبة تسجيل الحرائق، برقم أقل من 10 مرات خلال شهري جوان/حزيران، ومطلع جويلية/تموز 2023، مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2022.

الحكومة قدّمت مشروع قانون يشدّد العقوبات على المتورطين في حرائق الغابات تصل حدّ المؤبد

وينص مشروع قانون الغابات وحماية الثروة الغابية المتواجد على طاولة مجلس الأمة، والذي تحصل موقع "الترا جزائر" على نسخة منه على عقوبات تصل إلى المؤبد ضد حارقي الغابات عمدًا.

وحسب ديباجة النص القانوني: "يعاقب بالسجن المؤبد كل من وضع النار عمدًا في الأملاك الغابية للدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام قصد الاعتداء على البيئة والمحيط وإتلاف الثروة الغابية والحيوانية أو لأي قصد آخر غير مشروع".

ووفق ذات المصدر: "إذا تسبب الحريق العمدي في إحداث جرح أو عاهة مستديمة ستكون العقوبة السجن المؤبد".

وإضافة لذلك باشرت الحكومة إجراءات استثنائية لمنع تكرار حرائق المواسم الماضية هذا العام، على غرار دخول المروحيات الجديدة التي اقتنتها وزارة الداخلية سنة 2022 حيز الخدمة، ومضاعفة عدد السيارات رباعية الدفع على مستوى المديريات الولائية للغابات لضمان مراقبة دائمة للمناطق الغابية.

ويرتقب الشروع في تطبيق المواد العقابية الجديدة السنة المقبلة بعد استكمال أطوار مناقشة قانون حماية الغابات، إلّا أن تأثيرها بدا واضحًا جدًا حتى قبل صدور النص التشريعي رسميًا في الجريدة الرسمية، فهل ستتخلص السلطات الجزائرية من صداع حرائق الغابات الذي يتكرر كل موسم صيف؟

حريق كل يوم

يسجل مسؤول مكافحة الحرائق على مستوى المديرية العامة للغابات، رشيد بن عبد الله، في تصريح لـ"الترا الجزائر" تراجعًا حادًا في نسبة تسجيل الحرائق هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية، لعدة أسباب، أهمها حسبه خطة اليقظة التي تم إعدادها بين مديرية الغابات ومختلف الهيئات والمؤسسات العمومية التي لها علاقة بمكافحة الحرائق، على غرار الداخلية واتصالات الجزائر وسونلغاز.

كما يتحدث مسؤول مديرية الغابات عن تشديد العقوبات ضد المتورطين في حرق الغابات، مشدّدًا على أنه رغم تأجيل مناقشة مشروع قانون حماية الثروة الغابية على مستوى مجلس الأمة (الغرفة العليا بالبرلمان) إلى غاية الدورة البرلمانية المقبلة، إلا أن العقوبات الصارمة التي تضمنها والتي تصل إلى السجن المؤبد جعلت الباحثين عن الفحم والمتورطين في حرق الغابات كل عام يختبئون هذه السنة.

ويوضح المسؤول الغابي أن الرئيس تبون، شخصيًا، أمر بفرض عقوبات صارمة جدًا ضد كل من يتورط في حرق الغابة، معتبرًا أنه "حتى في حال تأخر النص القانوني، فهؤلاء المجرمين سيواجهون عقوبات حادة."

وبلغة الأرقام أحصى المتحدث تسجيل حريق واحد كل يوم خلال شهري جوان/حزيران وجويلية/تموز الجاري، مؤكدًا أنّه إلى غاية 10 تموز/جويلية سُجّل 44 حريقا، وهو رقم منخفض تعودت مديرية الغابات على تسجيله في يوم واحد خلال السنوات الماضية.

ودعا في الصدد إلى "الحذر واليقظة، وتفادي مساحات الغابات ومحيطها والمناطق القريبة منها خلال الأيام التي تشهد ارتفاعًا حادًا في درجة الحرارة، اجتنابًا للشبهات في حال تسجيل أي حريق."

العقاب هو الحل

ويثمن المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، إبراهيم بهلولي، العقوبات المفروضة ضدّ المتورطين في حرق الغابات عبر النص الجديد، مؤكدا أنه "في حال وجود نية إجرامية لحرق الغابات والتسبب في موت الأشخاص ونفوق الحيوانات وتلف الغطاء النباتي بمختلف أنواعه، يجب فرض أقصى العقوبات ضد المتورطين."

وبصفته رجل قانون، يرى بهلولي أن حرق الغابة "فعل إجرامي"، والعقوبات المنصوص عليها في القانون الجديد من شأنها ردع هذه الجريمة خاصة بعد الأحداث التي شهدتها الجزائر  في السنوات الأخيرة، على غرار الحرائق التي عرفتها بعض الولايات صيف 2021 بخنشلة وتيزي وزو والعديد من المناطق الشرقية للوطن.

ويعتبر المتحدث أن العقوبات المنصوص عليها في القانون الجديد، "الحل الأمثل" استنادًا للقاعدة القانونية التي تؤكد: "من يقتل يُقتل"، معتبرًا إياها أحد أهم العوامل التي أدت إلى انخفاض نسبة الحرائق، حتى قبل أن يدخل النص القانوني الجديد حيز التنفيذ.

وأضاف: "إذا توفرت نية الفعل الإجرامي فلا يمكن التغاضي عن الخسائر البشرية والمادية"، مشيرًا إلى أنّ "تشديد العقوبات هو أحسن حلّ لتقليص الجريمة، فكل من تسول له نفسه القيام بهذا الفعل سيجابه الردع القانوني".

القانوني بهلولي: تشديد العقوبات هو أحسن حلّ لتقليص جريمة حرق الغابات شرط توفّر الركن المعنوي

كما أن هذه العقوبات ستدفع المواطنين إلى احترام قدسية الغابة، وحماية الغطاء النباتي، والأكثر من ذلك، فكل شخص يقصد الغابة للراحة والاستجمام، سيتخذ احتياطاته لحماية هذا المكان، خاصة فيما يتعلق بإضرام النار من اجل الطبخ أو الترفيه، وفق القانوني بهلولي.

وطبقًا لتصريح المحامي، فالمطلوب اليوم من المُشرّع، العمل على التأكد من وجود نية الإجرام قبل توقيع العقوبة ضد المتهم، بمعنى أنه "يجب نسب الفعل لمن قام به وليس لغيره، فتشديد العقوبة قرار صائب، ولكن يجب أن لا يتعرض زوار الغابات للظلم".

معارضة برلمانية

ورغم أن نتائج القانون الجديد برزت للسطح حتى قبل دخوله حيز التنفيذ إلّا أن نوابًا بالبرلمان، انتقدوا بعض ما جاء به.

وفي السياق، يثمن النائب عن حركة البناء الوطني، كمال بن خلوف، مضمون مشروع قانون الغابات والثروة الغابية، مشددا على أنه يطرح نظرة واسعة وشاملة لحماية الغابات ويتضمن عدة محاور من شأنها وضع آليات تدفع لحماية وتوسيع المجال الغابي، إلّا أن هذا النص غالى حسبه في فرض العقوبات بشكل فاق المطلوب.

ويرى النائب أن جميع القوانين في العالم تسن لمنع وقوع الفساد، قبل معاقبة الأشخاص، غير أن هذا النص الجديد تضمن عقوبات مشددة لا تتماشى مع الواقع الجزائري، مطالبًا باعتماد رؤية جديدة تتلاءم مع هذا الواقع.

النائب بن خلوف لـ"الترا جزائر": النواب ليسوا ضدّ مواد القانون الجديد لكنّهم يرفضون المغالاة في السجن

ويصرح بن خلوف لـ"الترا جزائر" أنّه "من غير المنطقي والمعقول، فرض عقوبات تتجاوز ثلاث سنوات حبسًا وغرامات مالية، لمواطن كان بصدد قطف عشبة الزعتر أو آخر كان يرعى الأبقار في الغابات".

ويعتبر نائب عن حركة البناء الوطني أن المشرع الجزائري فرض عقوبات مشددة في القانون، وهو أمر يحتاج لتدقيق أكبر، فالنواب حسبه، ليسوا ضد العقوبات المفروضة على الأشخاص الذين ثبت تورطهم في إضرام النار، ولكنهم يرفضون المغالاة في السجن، متوقعًا أن يؤدي العقاب المفرط إلى ارتفاع عدد المساجين في الجزائر.