28-أبريل-2024
في شوارع الجزائر العاصمة (رياض قرامدي/ أ.ف.ب)

في شوارع الجزائر العاصمة (رياض قرامدي/ أ.ف.ب)

تُسارع الحكومة الحالية في دفع عجلة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، من أجل كسب نقاط قبيل تنظيم الانتخابات الرئاسية المرتقبة في السابع من أيلول/سبتمبر المقبل، ولكنها في المقابل من ذلك تُحاول المضي في عملية "شراء السّلم الاجتماعي" باستغلال القدرات المالية للجزائر، ومواصلة وتيرة تنفيذ المشاريع المفرج عنها سواءً في مجلس الوزراء أو مجلس الحكومة.

باحث في العلوم السياسية لـ "الترا جزائر:  مخاوف عودة الاحتجاجات مازالت قائمة وذلك بسبب المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالبطالين وأزمة السكن

هذه الوصفة التقنية التي يلجأ لها الجهاز الوزاري بغية الإبقاء على الاستقرار في المجتمع وتهدئة الأوضاع إن لزم الأمر ذلك، توضحت بشكلٍ جلي بالعودة إلى بيان الرئاسة الذي نفى إشاعة توجه الحكومة نحو تغيير شروط الاستفادة في الحصول على منحة البطالة، بعدما أحدثت غليانًا لدى أوساط المستفيدين منها.

ولم تمر الإشاعة مرور الكرام، بل استدعى الأمر تدخل الرئاسة الجزائرية وتأكيدها على أن المنحة التي يستفيد منها أكثر من مليون و985 ألف بطال "إنجاز لا رجعة فيه"، كما اعتبر المصدر أن هذه المعلومات المضللة، هي "مناورات تفسح المجال للفوضى في هذا الوقت بالذات".

إلى هنا، فإن تطمينات الرئاسة تعد اهتمامًا واضحًا من هرم السلطة بشريحة واسعة من الشباب الجزائري، والتي تمنحهم في الوقت نفسه فرصة للبحث عن وظيفة، وضمان الكرامة الإنسانية، خصوصًا وأن المنحة تقدم لهم أيضًا امتيازات منها الضمان الاجتماعي وبطاقة الشفاء للعلاج المجاني.

يقرأ متابعون الرد الرئاسي على هذه الإشاعة، في سياق الاهتمام البالغ للرئاسة بالسلم الاجتماعي، في حين كان يكفي أن تتكفل وزارة التضامن بإصدار بيان ينفي هذه الإشاعة، خاصة وأنها المعنية المباشرة بهذه المنحة وإدارتها، حيث أعطى البيان الرئاسي، انطباعًا أن منحة البطالة تدخل في سياق الأمن القومي ومحاربة الفوضى، من خلال البيان الصادر.

قبل الرئاسيات

في قراءة هادئة وفحص رد الرئاسة، نجد كلمة "الفوضى" المستعملة في البيان، تطرح أكثر من سؤالٍ، فتفسير المتابعين للشأن العام في الجزائر هذا التوجه في الخطاب المؤسساتي (مؤسسة الرئاسة)، للرد على إشاعة، يعطي الانطباع بأن الحكومة تتخوّف من أي تعكير للأجواء في المرحلة الحالية، والتي تتسم بالتحضيرات الحثيثة لإجراء الحملة الانتخابية الخاصة بالرئاسيات ثم تنظيم أجواء الاقتراع.

لكن السؤال الذي يتبادر للذهن يتمثل في: هل تحاول السلطة أن تسد مختلف الفجوات التي تعكر الأجواء لتنظيم الانتخابات؟، وهل مازالت صورة الحراك الشعبي الذي شهده الشارع الجزائري، تحوم بالعودة مجددًا أو بالأحرى هل تتخوف السلطة بأن تساعد الأوضاع الاجتماعية وارتفاع الأسعار في عزوف الناخبين؟ خاصّة وأن السلطة الحالية تبحث عن تحقيق عبور سياسي نحو العهدة المقبلة بضمان مشاركة قوية.

هذه الأسئلة وكثير سواها، تطرح دوما عندما تقترب الانتخابات، إذ يمكن الجزم بأن السلطة في الجزائر تتخذ عدة قرارات تتعلق بتأمين الشارع من احتجاجات محتملة، أو تلافي أي احتقان ناتج عن ظروف اجتماعية واقتصادية.

إلى هنا، قال الباحث في العلوم السياسية محمد بوعوني من جامعة الجزائر، إن المخاوف من عودة الاحتجاجات والفوضى، مازالت قائمة وذلك بسبب المشكلات الاجتماعية المتعلقة أولًا بالبطالين ثم بالسكن ثانيًا.

يتحدث الباحث بلعوني في تصريح لـ" الترا جزائر" أن الحكومة أو السلطة التنفيذية، استبقت العديد من الاحتجاجات، وسدت العديد من الفجوات الموجودة على مستوى العمق الجزائري، والتي ظلّت قنابل صامتة ورثتها عن الحكومات السابقة وخاصة فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لافتًا إلى أن الحلول الراهنة التي تقتضي لها الحاجة الملحة، هي شراء السلم الاجتماعي بتفكيك عديد الملفات وإيجاد حلول لعديد الفئات في المجتمع.

امتصاص البطالة

سياسيًا، فإن هذه الوصفة كما تحدث عنها الأستاذ بوعوني، تعتبر وجبة دسمة تسبق دومًا الاستحقاقات الانتخابية، وخاصّة منها الرئاسيات، خصوصًا وأن الحراك الشعبي، لم يكن غضبا شعبيا هامشيًا، أو بمحض الصدفة، بل هو نتيجة لتراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، غذتها الرؤى المختلفة لمراكز النفوذ في البلاد، وهذا ما يعني أن السلطة الحالية ليست مستعدة على خسارة جولة الهدوء التي يعرفها الشارع الجزائري قبيل تنظيم الانتخابات الرئاسية، لأجل الاستمرار في تنفيذ المشاريع التنموية المسطرة منذ نهاية 2019، وضمان استقرار البلاد وتنفيذ مشروع "الجزائر الجديدة".

اللافت أيضًا، أن العملية الاستباقية للسلطة، ومحاولة القضاء على أيّ احتقان شعبي، أو غضب فئة من فئات المجتمع، جعلها تنتهج عن طريق البحث عن حلول راهنة، أو ما درج على استعماله إعلاميًا بـ "شراء السّلم الاجتماعي".

ووجب التذكير هنا، بقرارات الحكومة المتعلقة بتوفير مناصب الشغل وامتصاص البطالة، في العام 2023، وذلك من خلال أكبر عملية توظيف لحملة شهادة الدكتوراه، وفتح مناصب شغل لعديد الفئات أيضًا، باعتباره ملفًا ثقيلًا يُرهق الحكومة ومن أسباب احتقان الشارع في كل مرة.

ومن خلال هذه الزاوية، فإن " شراء السلم الاجتماعي" يتم عبر سياسة أو قرارات اجتماعية سخية منها توفير العمل والسكن.

فجوة السكن

الملاحظ أنه من خلال ثقافة التسيير السياسي للبلاد، فإن 2024، هي سنة انتخابات وتحضير لاستحقاقات أخرى في العام المقبل، فكل المؤشرات السياسية، تفيد أن الحكومة الحالية برئاسة نذير العرباوي، مطالبة بإنهاء العديد من الملفات المتعلقة بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية، خاصة منها ملف السكن بعد الإفراج عن مشروع بناء سكنات البيع بالإيجار (عدل 3)، والإعلان عنه من قِبل الرئيس عبد المجيد تبون في الـ 29 تشرين الأول، أكتوبر 2023، خلال زيارته لولاية الجلفة جنوبي البلاد.

وبخصوص هذا المشروع بالذات، والذي بعث الأمل للآلاف من الأسر التي تنتظر الحصول على سكن، ينتظر من الحكومة أن تنهي عملية اكتتاب السكن قبل نهاية السداسي الأول من العام الجاري، حسب ما أعلن عنه وزير السكن والعمران والمدينة محمد طارق لعريبي، أي قبل نهاية شهر حزيران/ يونيو المقبل، موعد استدعاء الهيئة الناخبة أيضا.

مورد سياسي

باشرت الحكومة، في حَزمة من الإصلاحات السوسيو اقتصادية، حسب ما أمر به الرئيس عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، كملف الأجور ومعاشات المتقاعدين.

وكلف تبون الحكومة بإعادة دراسة القوانين الأساسية للأسلاك الطبيّة وشبه الطبية تشمل الحماية والتقاعد ومِنَحا تحفيزية حسب طبيعة مناطق العمل.

وفضلًا عن ذلك، وافق الرئيس تبون، على مراجعة منح المتقاعدين في كل الأصناف، وطالب الحكومة بإعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد لسنة 2024، لمتقاعدي نظام التقاعد للأجراء أو غير الأجراء، ومباشرة دراسات معمّقة لتحديد مستوى الزيادات.

الملفت للنظر، أن الدولة انتهجت سياسة اجتماعية، أو كما يرى مختصون بأن الدولة الجزائرية ذات طابع اجتماعي من شأنه أن يمكن استخدام الدعم الاجتماعي كمورد سياسي.

وذكرت المختصّة في علم الاجتماع السياسي، الأستاذة وهيبة لعظايمية، في إفادتها لـ" الترا جزائر" بأن الحكومة قبل الانتخابات تعمل على تضييق مساحات الغضب الشعبي، وامتصاصه من خلال استمرارية حلحلة المشكلات الاجتماعية، ومحاولة طي الملفات التي تهم مختلف فئات المجتمع، عبر بوابة الأجور والمعاشات"، والسكن، وتقديم وعود بإنهاء بعض الأزمات المرتبطة بها أو تقليص تداعياتها.

لكن هل يمكن الاستمرار في ضخ الأموال لحل معضلة البطالين وتنفيذ مشاريع التنمية والسكن في مقابل ارتفاع أسعار مواد البناء في السوق الدولي، فضلًا عن تنفيذ الوعود بزيادات الأجور في مقابل ضعف القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار؟

هل يمكن الاستمرار في ضخ الأموال لحل معضلة البطالين وتنفيذ مشاريع التنمية والسكن في مقابل ارتفاع أسعار مواد البناء في السوق الدولي

هذه الوظيفة الاجتماعية التي تحرص الحكومة على تأديتها، تتوسّع منجزاتها ظاهريًا مع المواعيد الانتخابية، لكنها مع مرور الزمن تصبح عبئًا يثقل كاهل الدولة، لأنها تحتاج إلى ميزانية ضخمة كل سنة.