12-يناير-2024
 (الصورة: Getty) محل خياطة بولاية تيندوف

(الصورة: Getty) محل خياطة بولاية تيندوف

يُشكّل انتعاش بعض النشاطات المهنية والحرفية البسيطة التي كادت تختفي في السنوات الأخيرة، مؤشرًا صريحًا على تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وهي ظاهرة تعد معيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا يكشف تقهقر مستوى المعيشي والاستهلاكي للمواطن، ومن بين تلك المهن التي دفعتها الأزمة إلى العودة للحياة والنشاط، على غرار مهنة إصلاح الأحذية أو والخياطة وميكانيكي  الحي“الحومة"  والـ "Bricoleur" أو متعدد الحرف، كما أن تبعات ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية دفعت المستهلك إلى إعادة النظر في سلة المشتريات وخفض  قيمة "القُفة" والتكييف مع ارتفاع تكاليف الحياة الصعبة. في هذا التقرير ترصد "التر جزائر" بعض المهن والحرف انتعشت نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة.

يعتقد متابعون أن عودة نشاط تصليح الأحذية إلى الشوارع ولجوء المواطن إلى خدمات الإسكافي يَعد مؤشرًا اقتصاديًا واجتماعيًا على تراجع القدرة الشرائية

تصليح الأحذية   

تَعد مهنة تصليح الأحذية من أقدم المهن في المجتمع الجزائري، حيث تلجأ إليه الطبقات الفقيرة والمتوسّطة، وفي السنوات الأخيرة ارتبطت مهنة تصليح الأحذية ارتباطًا وثيقًا بمستوى المعيشي للمواطن، حيث يرى في الشأن الاقتصادي أن مهنة تصليح الأحذية وبعدما كانت منتشرة خلال السبعينيات والثمانينات في الشوارع، اختفت نوعًا ما خلال فترة الانفتاح الاقتصادي بداية من التسعينيات، وشهدت تراجعًا خلال فترة البحبوحة المالية ما بين سنة 2000 إلى غاية سنة 2017 نظرًا إلى أسباب عديدة، منها توفر الأحذية الصينية رخيصة الأثمان، إضافة إلى أن هذه المهنة لم تعد مقتصرة على خياطة وتسمير الأحذية، وأصبح الناس يقصدون هؤلاء على قلتهم، من أجل خدمات أخرى مثل توسيع الحذاء أو تغيير الخيوط والأفرشة.

إلى هنا، يعتقد متابعون أن عودة نشاط تصليح الأحذية إلى الشوارع ولجوء المواطن إلى خدمات الإسكافي يَعد مؤشرًا اقتصاديًا واجتماعيًا يتمثل في تراجع نمط استهلاك المواطن الجزائري، ونتيجة لارتفاع أسعار السلع والبضائع.

في صباح كل يوم، يقصد الإسكافي السبعيني عمي أحمد، أحد الأماكن بجانب السوق البلدي بباش جراح بالعاصمة، حاملًا معه طاولة صغيرة وبعض معدات إصلاح الأحذية لمزاولة نشاطه، إذ يقول محدث "التر جزائر" إن مهنة الإسكافي عادت  إلى النشاط، فهي مرتبطة باشتداد الأزمات، على حدّ قوله.

المواطن الجزائري، حسب عمي أحمد، أصبح يطلب إصلاح نعله وحذائه أكثر من أي وقت سابق، حتى ولو كان ضرر النعل كبيرًا، موضحًا أن مهنة تصليح الأحذية كادت أن تختفي خلال فترة الرفاهية وانخفاض أسعار الأحذية وتوفرها خصوصًا الأحذية الصينية الرخيصة.

وإقرارًا لما قاله عمي أحمد، أشار إلى وجود أربعة إلى خمسة طاولات إسكافيين متجاورين في زاوية واحدة تقريب، واعتبر أنه في وقت قريب كان يعمل إسكافي الوحيد، وأحيانًا يأتي بعض الأفارقة المهاجرين لممارسة مهنة إصلاح الحقائب الجلدية والأحذية، لكن ينصرفون نظرًا إلى قلّة الطلب.

وعلى ضوء خبرة سنوات من مزاولة المهنة، يشدد عمي أحمد أن عامل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أثمان وأسعار الأحذية دفعت بالمواطن أو ذوي الدخل المتوسط إلى إصلاح وترقيع الأحذية بدل شراء جزمة جديدة، ويُلفت النظر إلى أن مناسبة الدخول المدرسي تشكل فترة إقبال كبير على الإسكافيين، نظرًا للجوء أولياء التلاميذ إلى إصلاح أحذية أبنائهم وخياطتها، وهو الأمر الذي لم يعرفه أبدًا في السابق.

خياط الحومة

في السياق ذاته، وغير بعيد عن مهنة الإسكافي، أصبح عددًا كبير من الجزائريين يجدون ضالتهم عند الخياطين طلبًا لترقيع ملابسهم وثيابهم، حيث كانوا في السابق يتصدقّون بها ويشترون بدل ذلك ألبسة جديدة.

إلى هنا، يَمتلك مراد محلًا لأعمال الخياطة في ضواحي بلدية باب الزوار، وهو يمتهن مهنة الخياطة لأكثر من عقدين من الزمن، يقول في حديث "التر جزائر" إن عدد الزبائن تضاعف خلال السنتين الأخيرتين، معلقًا: "من الواضح أن هناك زبائن جدد لأول مرة يَدخلون إلى محل إصلاح الملابس وترقيعها خصوصًا من فئة الشباب".

وأفاد أنه في السابق كان عمله تقريبًا يقتصر على تقليص طول السراويل أو تعديل متوسط البدلة، بينما اليوم هناك الحاح على ترقيع الألبسة أو توسيعها لأنها باتت أضيق أو العكس أي تضييق حجم البدلة كونها أصبحت أوسع.

وكشف محدثنا أنه بسبب ارتفاع أسعار الملابس بشكلٍ كبير، أصبح الفرد الجزائري غير قادر على شراء ملابس جديدة كما كان الأمر في السابق،وتابع أن المستهلك اضطر إلى التكييف مع الوضع المالي الصعب، والتخفيف من أعباء الحياة الثقيلة عبر إصلاح ملابسه حتى ولو كانت بالية وقديمة.

الأجهزة الكهرو منزلية 

في سياق متصل، وعلى مقربة من السوق البلدي بباش جراح، يشهد أحد محلات بيع الأدوات الكهرو منزلية والأجهزة الإلكترونية المستعملة وإصلاحها إقبالًا كبيرة من طرف المواطنين، سواءً قصد شراء مواد كهرو منزلية قديمة صالحة للاستعمال، أو إصلاح بعض اللوازم المنزلية، على غرار مجففات الشعر وأجهزة الميكووند، الخلاطات الكهربائية والحماصات ورحايات القهوة وغيرها من الأغراض.

في هذا النحو، يؤكد مواطنون أن أسعار الأجهزة الكهرو منزلية والإلكترونية عرفت مؤخرًا ارتفاعًا باهظًا في الأثمان ونقصًا حادًا في السوق، ولم يعد ممكنًا اقتناء أعراض جديدة بالوتيرة نفسها، فيعمد كثرون إلى إصلاحها أو شراء أغراض قديمة صالح الاستخدام بدل اقتناء مواد جديدة.

تشكل هذه العينات من المهن والحرف التي دفعتها الأزمة إلى تنشيط دورها وعودة الحياة إلى الحرفيين

تشكل هذه العينات من المهن والحرف التي دفعتها الأزمة إلى تنشيط دورها وعودة الحياة إلى الحرفيين، ومؤشرًا حول تراجع القدرة الشرائية رغم رفع نسبة أجور ورواتب الموظفين في السنتين الأخيرتين، لكن الأمر قد يكون أكثر ارتباطًا بتراجع قيمة الدينار أو ارتفاع نسبة التضخم والتضييق على الاستيراد والتجارة الخارجية وعدم التوازن بين العرض والطلب.