12-يونيو-2020

يرفض كثير من المسؤولين الستقالة من مناصبهم بعد حدوث أخطاء جسيمة في قطاعاتهم (تصوير: بال بن سالم/Getty)

غالبًا ما تتردّد على أسماع الجزائريين، أخبار استقالة أو انسحاب مسؤولين من مناصبهم في كثير من دول العالم خاصّة الأوروبية، بعد حدوث أخطاء أو حوادث تتعلّق بنطاق مسؤوليتهم، كالوزيرة السويدية التي استقالت لمجرّد استخدام بطاقة حكومية، في ملء خزان وقود سيارتها عن طريق الخطأ، أو الوزير الياباني الذي استقال بسبب سقوط جسر، لكن ثقافة الاستقالة والإقرار بالخطأ تظلّ سلوكًا وممارسة غائبة لدى المسئول في الجزائر، إذ يبدي  تمسكًا غريبًا بالمنصب وتهرّبًا من تحمل مسؤولية أحداث تع في قطاعه بسبب الإهمال.

لا يرى المسؤول الجزائري نفسه خارج المنصب الحكومي الذي يمنحه السلطة والجاه وشبكة العلاقات القويّة والنفوذ

الطبيبة.. والاعتراف بالخطأ

ثمّة زاوية نقاش مغيبة في قضيّة وفاة الطبيبة الراحلة وفاء بوديسة، وهي حامل في الشهر الثامن، بسبب تعسّف قانوني وإساءة التقدير الإداري من طرف مدير المستشفى، الذي كانت تعمل به وغياب الصرامة لدى وزير الصحة الجزائري، تتعلّق هذه الزاوية بغياب ثقافة الاستقالة عند المسؤول الجزائري، بعد إخفاقات أو نتائج كارثية لقرارات وخيارات مختلفة أو إحداث طارئة ذات علاقة بسوء الإدارة والتسيير والتقدير.

اقرأ/ي أيضًا: إنهاء مهام مدير مستشفى راس الواد بعد وفاة طبيبة حامل

مع وفاة الطبيبة في تلك الظروف المأساوية، لم يُبادر مدير المستشفى أو مدير الصحة للولاية ولا وزير الصحّة لتقديم استقالة أيّ منهم نتيجة لذلك، وكإقرار أخلاقي بالخطأ في التقدير، فمدير المستشفى وبرغم فداحة الموقف واعتصام الأطبّاء العاملين في المستشفى، للمطالبة بمغادرته ووصفه برجل العصابة، انتظر قرار إقالته بدلًا من الاستقالة، ومدير الصحّة بالولاية الذي يتحمّل المسؤولية الإدارية عن الخريطة البشرية للأطباء في الولاية لم يفعل أيضًا، أما وزير الصحّة فاكتفى بزيارة مسكن الفقيدة ومواساة عائلتها، وعقد نقطة صحافية داخل غرفة نوم الفقيدة، حمل له سخرية واستياء لافتين على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يُنهي مهام مدير مستشفى رأس الوادي.

وتزامنت قضية الطبيبة بوديسة، مع رفض المجلس الأعلى للأمن والرئيس عبد المجد تبون، لمقترح وزير الصحّة وطلبه بضرورة إقرار حظرٍ شامل أيام العيد في الجزائر لوقف تزايد معدّلات الإصابة بفيروس كورونا، والتي بلغت مستوى قياسيًا خلال الأسابيع الأخيرة إلى حدود 198 إصابة، وبرغم أن البعض كان يعتقد أن ذلك سيكون كافيًا لدفع وزير الصحة إلى الاستقالة إلا أن ذلك لم يحدث.

استقالات تعدّ على الأصابع

لا يحمل التاريخ السياسي في الجزائر حالات كثيرة لاستقالة المسؤولين، عدا استقالة رئيس الجمهورية السابق اليامين زروال في أيلول/سبتمبر 1998، وإعلانه تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وكذا استقالة رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور في آب/أغسطس 2000، بسبب عدم توافقه مع سياسات وخيارات الرئيس بوتفليقة، برغم أن بن بيتور لم يكن قد قضى في منصبه سنة واحدة، إضافة إلى استقالة وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي عام 1999، من أول حكومة لبوتفليقة بسبب رفضه سياساته اتجاه الإعلام، عدا ذلك لم يقدّم أيّ وزير استقالته خاصة في عهد بوتفليقة، إذ كانت الاستقالة تعني موقفًا من الرئيس نفسه، وهذا قد يسبب المتاعب للمستقيل.

خلال العقدين الماضيين حدثت كثير من الوقائع والكوارث والمشكلات، التي كانت تستدعي الاستقالة لكن المسؤولين كانوا يتمسّكون بمناصبهم، وهو ما يفسّر رفضهم للاستقالة، بضرورات الخدمة الوطنية والواجب وعدم الهروب من المسؤولية، في عام 2002 وقعت سلسلة حرائق متزامنة في عدة سجون، لكن وزير العدل حينها أحمد أويحيى، وهو رئيس حكومة سابق لذلك ولاحق لها، رد على سؤال الصحافيين بعدم إعلان استقالته بعد هذه الحرائق ، وقال"أنا لست من الرجال الذين يهربون"، إذ لم تكن تلك شجاعة منه بقدر كانت تعبيرا عن الأمان من أية محاسبة أو ملاحقة بسبب التقصير.

الرئيس بوتفليقة نفسه، رفض تقديم استقالته وإنهاء حكمه في عام 2013، بعد وعكته الصحيّة التي استدعت بقاءه في مستشفى بباريس 81 يومًا، وبرغم عدم قدرته على إدارة شؤون إلا أنه أصرّ على الترشّح إلى ولاية رئاسية في انتخابات نيسان/أفريل 2014، وبرغم ما تلاها من كشف فضائح الفساد والمشكلات الاجتماعية والتوتّرات التي أفضت إلى الحراك الشعبي في شباط/فيفري 2019، إلا أنه أصرّ أيضا على الترشح إلى ولاية رئاسية خامسة، في انتخابات كانت مقرّرة في نيسان/ أبريل 2019، ولم يدفع إلى الاستقالة إلا بضغط من الجيش.

مغناطيس السياسة

هناك عوامل لم ترسخ ثقافة الاستقالة في الجزائر، إذ لا يرى المسؤول الجزائري نفسه خارج المنصب الحكومي، الذي يمنحه السلطة والجاه وشبكة العلاقات القويّة والنفوذ، يقول المختصّ في العلوم السياسية، الأستاذ جمال الدين أمقران لـ "الترا جزائر"، مضيفًا أن "المسئول لا يقدّم في الغالب على إعدام نفسه إداريًا أو إخراج نفسه من هذه الدائرة ".

كما ذهب أمقران إلى أن "أي مسؤول، في مثل هذه الوقائع التي تستدعي الاستقالة، يسعى للبحث عن المبرّرات التي تخفي سوء التسيير والتقصير".

وإضافة إلى ما سبق، "تُعتبر طبيعة الحكم والمنظومة المديرة للشأن العام  تقوم على منطق توفير الحماية المتبادلة، وأتاحت الفوضى السياسية وضعف مؤسسات الرقابة والقضاء في توفير الأمن والأمان للمسؤول من أيّة مساءلة، وبالتالي لم يكن هناك ما يستدعي الاستقالة"، بحسب تعبيره.

تفسيرات كثيرة أخرى تتعلّق بعدم الاستقالة، لكن في وقت سابق في عهد الرئيس بوتفليقة، كانت تفسّر على أنها رفض للخدمة مع الرئيس، أو أنّك ضدّه أو تعارض مسار تسيير لشؤون الدولة".

نورة بوسلان: "الاعتراف بالخطأ يعتبر استسلامًا ورميًا للمنشفة"

مسألة أخرى ترتبط بعمق الخطوة في حد ذاتها، فعلاوة على " لذّة المنصب"، فهي تتعلق بما أسمته مختصة علم الاجتماع الأستاذة نورة بوسلان، بـ "نمط التنشئة عند الإنسان والمسؤول الجزائري، وهي رفض الاعتراف بالخطأ"، موضّحة في تصريح لـ"الترا جزائر" أن ذلك مرتبط أيضًا، بخلفيات اجتماعية، مفادها أن "الاعتراف بالخطأ يعتبر استسلامًا ورميًا للمنشفة"، وختمت الأستاذة بوسلان قائلة، إن الاستقالة في النهاية يراها كثيرون هزيمة أو إنقاص من قيمة صاحبها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غضبٌ شعبي في الجزائر.. كورونا يقتل طبيبة حاملًا حُرمت من الإجازة

وزارة الصحة تُحقق في وفاة طبيبة حامل بسبب كورونا