28-أكتوبر-2019

مبنى المحكمة العليا في الجزائر العاصمة ( الصورة: أنفو دالجي)

تُثير إعادة صلاحيات مكافحة الفساد إلى جهاز المخابرات، وتوسيع مهام الشرطة القضائية في الجرائم الماسة بأمن الدولة، مخاوف مسيّري المؤسّسات الاقتصادية العمومية، إذ يخشى كثيرون من سيطرة العقلية الأمنية على عالم التسيير والإدارة، واستغلال هذه الصلاحيات في صراعات العصب المالية والسياسية.

عمر خبابة: " القانون يقترح منح مصالح الأمن العسكري سلطة إجراء تحقيقات في الجرائم الاقتصادية"

صادق مجلس الوزراء، منتصف الشهر الجاري، على مشروع قانون يعدّل الأمر رقم 66-55 المؤرّخ في 8 جوان 1966، والمتضمّن قانون الإجراءات الجزائية، عرضه وزير العدل حافظ الأختام، بلقاسم زغماتي.

اقرأ/ي أيضًا: جهاز المخابرات يستعيد صلاحيات التحقيق في قضايا الفساد

وجاء في وثيقة وزارة العدل التي سُلّمت إلى أعضاء غرفتي البرلمان ومجلس الأمّة، أن غاية هذا المشروع يهدف إلى تعزيز الإطار القانوني لمكافحة مختلف أشكال الإجرام، وإلغاء الأحكام التي كان لها أثر سلبي في تحريك الدعوى العمومية.

قانون الفساد

وفي هذا السياق، أوضح المحامي عمر خبابة، أن قانون تعديل الإجراءات الجزائية، تضمن ثلاثة محاور رئيسية؛ محور يتعلّق بإلغاء المادة 6 مكرّر، التي تنصّ على أنه "لا تُحرك دعوى عمومية ضدّ المؤسّسات العمومية الاقتصادية، التي تمتلك الدولة كل رأسمالها، أو ذات رأسمال مختلط، عن أعمال التسيير التي تؤدّي إلى سرقة أو اختلاس، إلا بناءً على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسّسة".

النقطة الثانية بحسب خبابة، تتعلّق بإلغاء شرط التأهيل المنصوص عليه في المادّة 15 مكرّر من قانون الإجراءات الجزائية الصادر في 2017، حيث ينصّ القانون أنه لا يُمكن لضبّاط الشرطة القضائية الممارسة الفعلية للصلاحيات التي يخوّلها لهم القانون، إلا بعد الموافقة من النائب العام.

 أما التعديل الثالث الذي نصّ عليه قانون الجديد، فهو يقترح منح مصالح الأمن العسكري سلطة إجراء تحقيقات في الجرائم الاقتصادية، علمًا أنه تمّ سحب صلاحيات التحقيقات الاقتصادية من جهاز الأمن الداخلي والأمن العسكري سنة 2017، يقول عمر خبابة.

في السياق ذاته، سبق وأن ندّدت جمعيات مكافحة الفساد سنة 2015، بتعديل قانون الإجراءات الجزائية، وأثار نقاشًا بين الجمعيات الحقوقية، حيث اعتبر المحامي والحقوقي، مصطفى بوشاشي حينها، أن قانون 2015 يشجّع الفساد، وأنه "سابقة" في عالم القضاء؛ أن تمنع النيابة من إخطار نفسها بنفسها في قضايا محاربة الفساد.

يمنع النصّ المعدّل، النائب العام ووكيل الجمهورية من فتح تحقيق قضائي حول وقائع فساد تمسّ الأملاك العمومية، دون وجود شكاوى من مجلس إدارة المؤسّسة المتضرّرة. هنا، يُشير بوشاشي، إلى أنّ إنشاء قطب قضائي، هو فقط تكييف بيروقراطي مع توصيات الأمم المتّحدة في مجال مكافحة الفساد، مؤكّدًا على غياب الإرادة السياسية في مكافحة ومحاربة الفساد في الجزائر.

تجدر الإشارة أنّ تعديلات قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2015، جاء بعد جملة من الفضائح الاقتصادية والمالية، فتحتها الضبطية القضائية التابعة للمخابرات "دي. أر. أس" سابقًا، أطاحت بوجوه سياسية وشخصيات مقرّبة من محيط رئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.

إجراءات ضرورية

وفي تقدير المحامي فاروق قسنطيني، يشكّل مقترح تعديل قانون الإجراءات الجزائية الجديد، خطوة فعالة في إطار محاربة أشكال الإجرام المتعلّقة بالفساد، موضّحًا في حديثه إلى "الترا جزائر"، أنّ قانون الإجراءات الجزائية المُدرج في 27 آذار/ مارس 2017، جاء في ظرف سياسي تميّز بصراع العصب، وأملته الرغبة في تصفية الحسابات والخصوم، ولم يكن القصد منه محاربة الفساد. وبرّر قسنطيني موقفه، أنّه منذ صدور المادة 6 مكرّر، التي تنصّ على إلزامية تحريك الدعوى العمومية من طرف الشركات المتضرّرة، لم يسجّل على مستوى المحاكم أيّة شكاوى، وبالتالي، يضيف المتحدّث، فالقانون كان مجرّد غطاءٍ لحماية الفساد.

وبخصوص إعادة صلاحية مكافحة الفساد لمصالح الأمن العسكري "المخابرات"، أوضح رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان سابقًا، أن المقترح هو الرجوع إلى القانون الأصلي، أي قبل قرار حصر مهام الشرطة القضائية في الجرائم الماسّة بأمن الدولة الصادر في 27 آذار/مارس 2017. فمُحاربة الفساد وفقه تقتضي وجود الفعالية والمبادرة، ولا تحتاج إلى قرار بيروقراطي، متسائلًا: "هل من المعقول، انتظار انعقاد مجلس الإدارة، لكي يتقدّم بشكوى في حالة معاينة الضّرر، وهل ممكن لمجلس الإدارة تقديم شكاوى ضدّ أعضائه وكوادره". وأضاف المتحدّث أن الشرطة القضائية، جزءٌ من المنظومة القضائية، تعمل في إطار القانون واحترام الدستور.

الخلفية السياسية

لمحاولة فهم القراءة السياسية للموضوع، يقول فيصل بوصعيدة، أستاذ في القانون الجنائي إنّ هذا التعديل، جاء على أنقاض تعديل 2017 الأخير، (قانون رقم 17-07)، الذي أدرج مواد جديدة تهدف إلى تقييد عمل الشرطة القضائية أثناء التحرّي، وتضييق صلاحيات الأمن العسكري عندما يُمارس صلاحيات الضبط القضائي، وأيضًا إخضاع الشرطة القضائية لتأهيل مُسبق من قبل النيابة العامة. وهكذا جاء هذا التعديل بإلغاء تلك التعديلات أساسًا (إلغاء المواد 6 مكرّر، 15 مكرّر، 15 مكرّر 1، و15 مكرر2).

هنا، يتساءل بوصعيدة، هل كانت العصابة مدركة لوجود ثورة قادمة على وشك الحدوث، فاحتاطت بحماية نفسها من خلال تعديل 2017؟ وهل قامت بحماية نفسها مسبقًا أيضًا، من خلال اشتراط تقديم الشكوى لمباشرة الشرطة القضائية التحرّيات والتحقيقات بشأن الجرائم المرتكبة من طرف مسيري الشركات والمؤسّسات؟

يرى المتحدّث، أن التعديلات المتوالية منذ سنة 2001، على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، سمحت بعرقلة مكافحة الفساد بصورة حقيقية، وهذا ما جعل الفساد يتفاقم داخل المؤسّسات الاقتصادية، على حدّ قوله.

ويخلص أستاذ القانون، أن دفاع النظام السابق بشكلٍ كبير على نقاط جوهرية، تتعلّق أساسًا بمسألة الشكوى، وكذلك القيود على الضبطية القضائية، هو ما جعل "سلطة الأمر الواقع"، ممثلة الآن في وزير العدل بلقاسم زغماتي، تسارع إلى تعديل قانون الإجراءات الجزائية لتدارك ما يمكن تداركه. متسائلًا: "هل ستُمّكن هذه التعديلات فعلًا من تدارك الوضع، أم أن الوقت قد فات، خاصّة وأن هذه النصوص ستطبق مستقبلًا وليس بأثر رجعي؟".

عقبات تطبيق القانون الجديد

في هذا السياق، يُشير بعض المختصّين في القانون، أن هذه التعديلات، يمكن أن يصطدم تطبيقها بعدّة عقبات، خاصّة وأن هذه النصوص، تُطبّق بأثر فوري وليس بأثر رجعي، كما يجب أيضًا مراعاة عامل الوقت، وهو ما قد يؤدّي إلى استفادة رموز النظام السابق من سقوط التهم بالتقادم، إذ تمّ تقليص مدتها سابقًا، في قانون الوقاية من الفساد.

تزداد مخاوف إطارات ومسيّري المؤسّسات الاقتصادية العمومية من سيطرة العقل الأمني على تسيير الإدارة

تزداد مخاوف إطارات ومسيّري المؤسّسات الاقتصادية، ومدراء البنوك العمومية، من إلغاء رفع شكاوى عمومية من طرف مجلس الإدارة، وسيطرة العقل الأمني، على عالم التسيير والإدارة ومخاطرها، إذ يُخشى أن تتكرّر سيناريوهات تجريم التسيير الإداري، والتي قد تؤدّي إلى وقوع ضحايا صراعات المصالح المالية السياسية، وهي مخاوف طالما أثارت النقاش بين مدراء الشركات والبنوك العمومية والسلطات السياسية. من هنا، يُطالب هؤلاء بضمانات قانونية تسمح لهم بأداء مهامهم في كنف الطمأنينة والثقة. علمًا أن كثيرًا من إطارات المؤسّسات العمومية، وُضعوا رهن الحبس الاحتياطي في السابق، لفترة تجاوزت خمس سنوات، ليصدر حكم براءتهم لاحقًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اعتقال أغنى رجل في الجزائر.. عدالة انتقالية أم انتقائية؟

سجن الحراش.. ملايير الدولارات وراء القضبان