23-فبراير-2024
أسامة بن حسين

المخرج أسامة بن حسين (فيسبوك/الترا جزائر)

أسامة بن حسين (1983) مؤلف وكاتب سيناريو ومخرج جزائري من مواليد مدينة قسنطينة شمال شرق الجزائر، وهو بالأصل طبيب أسنان استهوته الكتابة والتأليف والإخراج بعيدًا عن تخصصه.

المخرج أسامة بن حسين لـ "الترا جزائر": تأثرت باهتمام الطلبة المصريين وسكان الأقصر بعملي السينمائي عن التجارب النووية في الجزائر

 تفرغ بن حسين لعدة دورات تدريبية وورشات للكتابة لتحقيق شغفه، كورشة كوتي كور في بجاية، وورشة مواهب المتوسط في ورزازات بالمغرب، كما أشرف بعد ذلك على عدة ورشات للعمل الدرامي والسيناريو في تونس والجزائر.

فاز أسامة بن حسين في مسابقة السيناريو التي نظمتها مؤسسة الدوحة للأفلام عام 2012، عن سيناريو الفيلم القصير "سبعة كيلومترات"، أما أهمّ أعماله فكانت مع التلفزيون الجزائري، بداية من سلسلة "الجمعي فاميلي" (2008/2011) والتي نالت شهرة واسعة لدى الجمهور الجزائري، إضافة إلى "سلكلي قهوة"،"كي النسا كي الرجال"، "مادام شيبانية"، "ماشي ساهل"،ومسلسل "عين الجنة" الذي عرض في رمضان الماضي.

أسامة بن حسين

في السينما، فقد كتب وأخرج الفيلم القصير "زهرة الصحراء" الذي يتحدث عن التجارب النووية التي قام بها المستعمر الفرنسي في منطقة رقان في قلب الصحراء الجزائرية، وهو أول فيلم سينمائي جزائري يتناول هذه القضية، حيث عرض الفيلم في إطار الاحتفالات بستينية الاستقلال، كما بدأ رحلته خارج الوطن بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، حيث تحصل هناك على جائزة التحكيم الخاصة.

في حوارنا معه، يتحدث المخرج أسامة بن حسين عن تجاربه في السيناريو والإخراج، وعن تتويج فيلمه القصير "زهرة الصحراء" في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ظروف اختيار هذه القضية للمعالجة السينمائية، إضافة إلى ظروف التصوير في مدينة تيميمون في الصحراء الجزائرية.

  •  لمَ انتقلتَ من كتابة السيناريو إلى الإخراج؟ وكيف كانت أول تجربة إخراجية بالنّسبة لك؟

أتذكر أنّها كانت الرّغبة الأولى لي قبل دخولي هذا الميدان، حيث حلمت كثيرًا بالإخراج وصناعة الأفلام، أمّا الكتابة فكانت حتمية في البداية، ثم أصبحت مع الوقت مسار واختيار وقناعة.

لقد مكّنتني كتابة العديد من المسلسلات والبرامج من اكتساب خبرة للتّحكُّم بأدوات البناء الدّرامي، ومع مرور السّنوات أصبحت لديّ رغبة ملحة لترجمة ما أكتبه على الورق إلى صوتٍ وصورة برؤيتي الخاصة.

طبعاً، وبكلّ تأكيد، كانت التّجربة الأولى جدّ صعبة، فقد كان التّحضير للفيلم شاقًّا، بدايةً من إعادة كتابة السيناريو لعدّة مرات لكي يتماشى مع ما وجدناه في موقع التصوير ومع الإمكانيات القليلة المتاحة، لكنني أعتبر نفسي محظوظًا رغم كل ذلك، فقد كنتُ محاطاً بفريق عمل من -ممثلين وتقنيين- مؤمن بالمشروع ولم يدّخر أي جهد لمساعدتي في التّغلب على جميع عقبات التّصوير.

فيلم

  • كيف وقع اختيارك على موضوع مأساة رڨان وكيف كانت ظروف كتابة السيناريو ؟

في الحقيقة، إن ”زهرة الصحراء" هو محاكاةٌ بسيطة لمأساة رقان التي لم تنتهِ بزوال الاستعمار، فلطالما كان موضوع التّجارب النّووية في الجزائر علامة استفهام كبيرة بالنسبة لي، خاصّة أنني اكتشفته في سنّ متأخّرة نوعًا ما من خلال روبورتاجات التلفزيون الجزائري وبعض الوثائقيات التي كنت أصادفها، كما أن الرّغبة في التّطرّق إلى هذه القضية المنسية عالميًا كانت موجودة من قبل، إلى أن جاءت مسابقة أفلام سيتينية الاستقلال التي نظمتها وزارة الثقافة والفنون، حيث وجدت فيها الفرصة والحافز لكتابة قصّة تتناول هذا الموضوع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
 
تعود الفكرة أساسًا إلى أكثر من سبع سنوات، حين كنت أشتغل على وثائقي سينمائي حول ملف خط شارل وموريس والألغام المضادة للأفراد، وهنا استوقفني أمر التجارب النووية والألغام التي خلفها المستعمر، لقد أصبحت أثارها أكثر خطورة وبشاعة مع مرور الوقت، ضف إلى ذلك تلك النظرة الرسمية الفرنسية التي اتسمت بفوقية استعلائية متكبّرة متعجرفة جعلتها تصيغ قانونًا يمجّد الاستعمار ويعتبره خدمةً جليلةً للإنسانية.

فيلم

  •  كيف كان تصوير العمل وأجواء مواقع التصوير في تيميمون؟

كنّا قد بدأنا التصوير خلال شهر حزيران/جوان، لكننا ذهبنا قبل ذلك إلى تيميمون، وقمنا بعملية الاستطلاع خلال شهر آذار/مارس، حيث جُبنا القصور الموجودة هناك بغية تحديد أماكن التصوير، حيث يبلغ عددها حوالي العشرين قصرًا، وبحثنا عن الثكنات القديمة التي كانت تابعة للاحتلال الفرنسي، وعندما وقع الاختيار على المكان، انطلقتُ في إجراء تجارب الأداء لاختيار ممثلي العمل، حيث لم يكن من السهل علينا الاختيار، خاصة بالنسبة لدوري الطفلين، لأنني آثرت أن يكونا من سكان المنطقة، إلا أن الجمعيات الثقافية المحلية هناك قليلة جدًا، لكننا رغم ذلك وجدنا دعمًا وتعاونًا جميلين من طرف سكان المنطقة الذين فتحوا لنا بيوتهم وشاركونا يومياتهم الهادئة.

استطعنا جمع ما يقارب 50 طفلًا، وقمنا بتجربة الكاميرا عليهم إضافة إلى إخضاعهم إلى تجارب الأداء، وبالنهاية خرجنا من تلك المجموعة بخمسة من خيرة المواهب، ثمّ وقع الاختيار أخيرًا على الطفل محمد بن الشرقي في دور عباس، وأحمد سنجار في دور صديقه علي، أما الممثلون الآخرون فكان من بينهم سليمان بن واري في دور المجاهد الأسير، وإيدير بن عيبوش في دور الضابط الفرنسي، تنو خيلولي في دور الأم والراحل حليم زريبع رحمه الله في دور الجد.

تم اختيار موعد التصوير في شهر حزيران/جوان لارتباطات الأطفال بالدراسة، حيث وقع الاختيار على بداية عطلة الصيف، وكان التحضير في ذلك الوقت صعبًا جدًا، لأن فريق الفيلم كان متمركزًا في العاصمة، في حين أن موقع التصوير يقع جنوبًا في تيميمون، وكانت الإمكانيات المادية المتاحة آنذاك لا تسمح بتجسيد كل ما جاء في السيناريو، فلم نستطع مثلًا بناء القاعدة العسكرية، فلجأنا إلى استعمال بعض الحيل لتعديل الديكور، كما حصلنا على مساعدة من الجيش الشعبي الوطني هناك، حيث وفروا لنا الخيام والمعدات.

فيلم

 أما فريق الديكور فتكفل بتحضير بعض المنازل، إضافة إلى المدرسة القرآنية التي كانت عبارة عن مسجد صغير في قصر تالة حيث تم التصوير، وهي منطقة تبعد حوالي عشرين كم عن مدينة تيميمون.

في الحقيقة، لم نتوقّع أن تكون درجات الحرارة مرتفعة إلى ذلك الحد في تلك الفترة، حيث فاقت الخمسين درجة مئوية تحت الظل، لكن هذا لم يقف عائقًا أمام الفرق التقنية والفنية التي عزمت على المضي قدمًا في تنفيذ المشاهد الرئيسية، حيث قضينا ثمانية أيام في تصويرها، مع أننا تخلينا عن عدة مشاهد أخرى لدواعي إنتاجية وأخرى إنسانية، فمن المستحيل مثلًا أن تصور مشهد كلب يمشي في الصحراء تحت خمسين درجة مئوية، أو شخص بلا حذاء تحت تلك الشمس الحارقة، حذفنا أيضًا مشاهد كثيرة للحيوانات.

لقد ارتبطت صعوبة الإنتاج بالظروف المناخية التي أثرت كثيرًا على الكاميرا وفريق العمل، إضافة إلى التزامنا بتسليم العمل في موعده خلال شهر تموز/جويلية، نظرًا لارتباطه ببرنامج احتفالية ستينية الاستقلال.

  • هل توقعتم الحصول على جائزة في مهرجان الأقصر؟

لقد وقع الاختيار على هذا العمل للتنافس في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية إضافة كبيرة لي شخصيًا، حيث كنت أرغب بشدة في الذهاب إلى هناك، والتّعرف على السينما الأفريقية عن قرب، إضافة إلى الاحتكاك بصناعها، والحصول على فرصة التعرف على التجربة المصرية التي تمتلك قيمة تاريخية كبيرة، إضافة إلى التجارب السودانية والأنغولية والرواندية وغيرها كثير، ومقابلة المخرجين وصناع السينما لتبادل التجارب والخبرات.

لقد كان هذا هدفي الأول من هذه الرحلة، وقد لمست خلال العروض المقامة مستوى جيدًا للأفلام القصيرة، إضافة إلى أعمال رائعة جدًا في فئة الأفلام الطويلة، مثل "وداعًا جوليا" للمخرج السوداني محمد كردوفاني، والفيلم التونسي "وراء الجبل" والعمل المصري "الرحلة 404"، وعدّة تجارب أفريقية واعدة.

لم أتوقع التتويج بصراحة، وما لمسني جدًا وأثر بي أكثر، كان اهتمام بعض الطلبة المصريين وبعض سكان الأقصر الذين حضروا العرض، إضافة إلى أشخاص أفارقة ممن شاركوا في المهرجان، حيث أتوا إلي بعد عرض "زهرة الصحراء" وسألوني عن موضوع التجارب النووية، حيث تفاجؤوا لحدوث مثل هذه المأساة في الجزائر وبجهلهم عنها من قبل، كما استحسنوا العمل وتمثيل الطفل وشخصية مباركة وكل شخص في فريق التمثيل، وهذه كانت جائزتي الكبرى بوصول هذه القضية إلى مكان آخر ونحو جمهور مختلف عنا.

  •  في رأيك، هل تتوفر الإمكانيات والدعم في الجزائر لإتاحة الفرص أمام الأفكار الجديدة والأسماء الشابة لتخدم السينما المحلية وترقى بها إلى العالمية؟

أظن أن مبادرة أفلام ستينية الاستقلال قد سمحت من ناحية ما ببروز أسماء شابة وجديدة في الإخراج والكتابة، التصوير والتمثيل، كما عبرت هذه الأسماء عن وجهة نظرها ومنظورها الخاص واليافع لفترة الاستعمار وثورة التحرير إضافة إلى توصيل بشاعة جرائم الاحتلال الفرنسي بطريقتها الخاصة.

المخرج أسامة بن حسين لـ "الترا جزائر":  كنت أشتغل على وثائقي سينمائي حول ملف خط شارل وموريس والألغام المضادة للأفراد وهنا استوقفني أمر التجارب النووية

أظن أن الإشكالية لا ترتبط في المقام الأول بتوفير الإمكانيات والدعم المادي، وإنما بنوعية المشروع الفني الثقافي الجزائري الذي أتمنى أن يبرز أكثر في الفترة المقبلة، كما أتمنى حصوله على كل أنواع الدعم، ماديًا وقانونيًا ومعنويًا، لأن التشجيع والدفع نحو الأمام هو ما يخدمنا، كما وجب للعمل أن يصب في قالب فني جزائري خالص، يوصل صوت قضايانا وفننا ورؤانا إلى أبعد الأماكن، كما كان الحال خلال سنوات الستينات، السبعينات والثمانينات، وهذا أمر غير مستحيل التطبيق في أرض الواقع إن تم الاهتمام بمثل هذه الجوانب.