ينتمي الممثل نصر الدين جودي (1988) إلى جيل من الممثلين الشباب الذين تكونوا في المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض، وبرزوا بهدوء في السنوات الأخيرة من خلال ما يقدمونه، كما شارك في عدة أدوار بين السينما والمسرح والتلفزيون، ومشى بخطى واثقة غير عاجلة على طريق النجاح، من خلال خياراته الذكية للأدوار التي أداها خلال السنوات الفارطة.
تحصل نصر الدين جودي على ديبلوم دراسات جامعية تطبيقية في فنون التمثيل من المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض والسمعي البصري خلال سنة 2014، كما حاز سابقا على شهادة ليسانس في الاعلام والاتصال تخصص صحافة من جامعة الجزائر
ولد نصر الدين جودي في حسين داي بالعاصمة الجزائرية، ونشأ على حب التمثيل منذ الصغر، حيث عَبَّدَ لنفسه الطريق بداية من عضوية الكشافة التي سمحت له بتحقيق أولى أحلامه في التمثيل أمام الآخرين، وبعد سنوات من الدراسة التي انتقل فيها بين الصحافة والفنون الدرامية، استغل المجالين لصالحه ولصالح موهبته، وانطلق يبحث عن ذاته في شتى التجارب الفنية والمهنية التي قام بها.
تحصل نصر الدين جودي على ديبلوم دراسات جامعية تطبيقية في فنون التمثيل من المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض والسمعي البصري خلال سنة 2014، كما حاز سابقا على شهادة ليسانس في الاعلام والاتصال تخصص صحافة من جامعة الجزائر، معهد العلوم السياسية خلال سنة 2010، إضافة إلى ماستر في الصحافة المختصة سنة 2018، وقد تحصل أيضا على شهادة تدريب مغلق في السينما من مدرسة كور فلورون في باريس تحت إشراف المركز الثقافي الفرنسي سنة 2017.
قام الممثل بتقديم العديد من الشخصيات في السينما أهمها: “كان يا مكان في القصبة” و"سي الحواس" للمخرجة ياسمين شويخ، "هليوبوليس" لجعفر قاسم، " بن مهيدي " لبشير درايس، "مناظر الخريف" "ماكان والو" و "عائلة" لمرزاق علواش، إضافة إلى العديد من الأدوار الأخرى في بعض الأفلام القصيرة منها “ميلاد” و “الكلمة”.
أما في التلفزيون، فقد شارك في مسلسلات مختلفة أهمها "البطحة"، "الخاوة"، "الدامة"، "عندما تجرحنا الأيام"، "ليام"، " عودة المفتش الطاهر"، إضافة إلى دوره الذي برز في "دار الفشوش" هذا العام، ومسلسل "انتقام الزمن".
في المسرح، شارك نصر الدين جودي في عدة مسرحيات وملحمات، منها مسرحية " البونكي"، ملحمة الجزائر، ملحمة قسنطينة، مسرحية "كونستاس"، ومسرحية "حنين".
انتقلتَ من دراسةِ الصّحافة في معهد الإعلام والاتصال إلى دراسة التمثيل في معهد فنون العرض والسمعي البصري. هل كان التمثيل منذ البداية حلمك الأكبر؟ وما مكانة الصحافة في حياتك حاليا؟
في الواقع، كان التمثيل حلمي منذ الصغر، وقد مارسته بدايةً من المرحلة الابتدائية عندما انخرطتُ في الكشافة الإسلامية الجزائرية، دائما ما كنتُ أقوم بتقليد حركات الآخرين وأصواتهم، خاصة أفراد العائلة والمقرّبين، أما الكشافة فكانت مدرستي الأولى، حيث كنت أقدم سكيتشات مختلفة.
عندما كبرت قليلا قصدتُ المخيّمات الصّيفية، وهناك اشتغلت كمشرف ومنشط، وقدمت نشاطات تمثيلية وترفيهية.
دائما ما كنتُ أقول في قرارة نفسي أنني سألتحق بمعهد التمثيل، لكن الأقدار شاءت أن أتوجه إلى تخصص الصحافة بعد حصولي على شهادة الباكالوريا، لم أكن أدرك وقتها أنه يمكن الالتحاق بمعهد الفنون الدرامية بعد الحصول على الباكالوريا، لهذا واصلت الدراسة، وخلال السنة الثانية، ذهبت إلى معهد الفنون الدرامية للاستعلام، وقابلت المدير الذي أخبرني أنه يمكنني التخلي عن دراسة الصحافة والالتحاق بالمعهد، لكنني بعد تفكير، فضّلتُ إكمال مدة دراستي التي دامت أربع سنوات، ثم عملت في الإذاعة الثقافية خلال فترة تدريبي، حيث اشتغلت في حصة إذاعية للأطفال مع السيدة ليلى عامر لصالح إذاعة البهجة، وقدّمتُ تمثيليات قلدتُ فيها أصوات الحيوانات، كما قصصتُ حكايات وقصص للأطفال.
ساعدني صوتي الإذاعي على إكمال تدريبي العملي في الصحافة الإذاعية، وكان بإمكاني المضي قدما في هذا المجال، لكنني كنت أحب التمثيل أكثر، لهذا انتقلت إلى معهد الفنون الدرامية، حيث دامت دراستي بين سنتي 2010 و 2014.
يمكن القول إنني اتبعت قلبي وشغفي في هذا الخيار الذي أصبح مع الوقت مهنتي، لكن الصحافة تبقى وسيلة قد أستغلّها يوما ما للوصول إلى الجمهور، من خلال تقديم حصص أو برامج ثقافية، حيث تمنحني دراستي الحق في ذلك، لأنني ابن هذا المجال بالأصل، مع أن الصحافة عموما تبقى مهنة متعبة وصعبة، وخطيرة أحيانا، كما أن اقتحامها يتوجب التعاقد مع فريق إعلامي احترافي، وهذا صعب الإيجاد حاليا.
كانت لديك تجارب عديدة توزعت بين السينما التلفزيون والمسرح، أين تجد نفسك أكثر ؟
بدأت التمثيل من خلال المسرح الهاوي خلال صغري، ومع دخولي إلى معهد الفنون الدرامية، خضت تكوينا على يد الأستاذ الهادي بوكرش في فنون المسرح، وقد لقّننا خلال ذلك أبجديات التمثيل المسرحي، وكانت تلك هي القاعدة التي انطلقتُ منها.
انجذبتُ أكثر بعد ذلك إلى السينما، وقد خضت تجربتي الأولى خلال سنتي الثانية في المعهد، من خلال الفيلم القصير "عيد ميلاد 2013" للمخرج إدريس بن شرنين الذي كان في ذات الوقت زميلا في نفس دفعتي رفقة المخرج وليد بوشباح.
بعد ذلك، انطلق مشواري السينمائي، وكان أوّل فيلم لي بعد التخرّج "الظل والقنديل 2014" للمخرجة ريم الأعرج، ثم توالت التجارب على مرّ السنوات.
أمّا في التلفزيون، فقد شاركت في البداية في عدة سلسلات من نوع السيتكوم، وكانت انطلاقتي الحقيقية من خلال مسلسل "الخاوة 2016".
أعتقد أن لكلّ مجال من هذه المجالات التي عملت فيها مكانة خاصة في قلبي، كما أن لكلّ ذوقه الخاص والمختلف، فأنا أحبّ ذلك الانتقال السّلس بين المسرح والسينما والتلفزيون، لأن كُلاًّ منهم يمنحني تجربة مهنيّة وإنسانية مُختلفة، وخطوات واثقة أكثر في مجال التمثيل
شاهدناك خلال شهر رمضان لهذا العام في أدوار مختلفة بعيدا عن البطولة، لكن حضورك أثار انتباه الجمهور، وأعجب الكثيرين ممن سلطوا الأضواء عليك، خاصة في دورك في مسلسل دار الفشوش، هل تظن أن الممثل هو من يصنع الشخصية ويبعث فيها الحياة يوصلها إلى المشاهد ولو كانت ثانوية؟
شخصيا، لا أعترف بمُسمّيات "دور صغير" أو "دور كبير" في عملي، أحبّذ أكثر مُسمّى "دور مهم" أو الدّور الذي يحملُ ثِقَلاً أو تأثيرا في الأحداث، فقد عملت في الكثير من الأدوار الثانوية، لكنني حاولت مرارا أن أمنح لكلّ دور قيمة وأهمّية، لأن المُشاهد ذكيّ ويرى نفسه دائما في الشخصية المقدّمة له، لهذا يتوجب علينا كممثّلين أن نكون طبيعيين، وأن نمنح لكلّ دور نلعبه حقّه.
علينا بالأحرى أن نعيش الدّور، كما يجب أن نقوم بتحليل الشخصية التي سنقدّمها ونبعث فيها الحياة، وقد بدأت شخصياتي من الفكاهة والكوميديا، ثم انتقلتُ إلى الدراما التي كانت محطّة أخرى ارتحتُ فيها.
شخصيتي في سلسلة "دار الفشوش" كانت مُستمدّة من الواقع، وأعتقد أن الممثل الجيد عليه أن يشتغل أكثر على عنصري الملاحظة والتقاط التفاصيل من حوله لتوظيفها في أدواره، وقد كان دور "عصبان" في الواقع مستمدا من شخصية ممثل زميل قمتُ بتقليده، كما أضفتُ عليها أشياء أخرى لضرورة الدور.
صحيح أننا نصنع الشخصية التي نؤديها، لكن التقنيات الجيدة في إخراج العمل تلعب دورا كبيرا في نجاحه، لهذا يعود الفضل أيضا في نجاح الدور إلى المخرج جعفر قاسم الذي يمنح قيمة للممثل الذي يعمل معه، كما يريحه في الأداء أمام الكاميرا، وقد كان لي نفس الانطباع من تجربتي السابقة معه أيضا في فيلم هليوبوليس.
ما رأيك في تطور الدراما في الجزائر؟ وما هو تصورك المستقبلي لها؟
يبدو جليا أن الدراما الجزائرية في تطوّر تدريجيّ إذا ما قارنّاها بالماضي. شخصيا، كنتُ قد تقدمت بدراسة حالة لمسلسل "الخاوة" الذي شاركت فيه خلال دراستي للماستر في الإعلام، في موضوع تأثير وسائل الإعلام على المجتمع، وقد قدمت مذكرة تخرجي عن تلك التجربة، وتحدثت فيها عن النقلة النوعية التي حدثت في الدراما الجزائرية بداية من عرض مسلسل "موعد مع القدر" للمخرج جعفر قاسم، الذي كان عملا ناجحا، خاصة من الجانب التقني والفني مقارنة بأعمال سابقة.
يشهد هذا المجال منذ ذلك الحين تطورا تدريجيا وتنافسية جيدة، وهو ما نراه هذه السنة، حيث زاد الكم وتحسنت النوعية، ونشأ تنافس ملحوظ بين الأعمال المقدمة لدى الجمهور، كما خلق كل عمل مجالا للنقاش والنقد.
طبعا، هنالك أعمال لاقت رواجا جيدا نظرا لإنتاجها من طرف وكالات تكفلت بشكل جيد بترويجها، كما أن هنالك أعمال أراها جيدة، لكنها لم تلقَ الرواج المطلوب، خاصة تلك التي كانت من انتاج التلفزيون الجزائري، الذي لا يعطي أهمية -للأسف- للترويج لأعماله، وهذا ما حدث مثلا مع مسلسل "انتقام الزمن"، الذي كان ضحية سوء الترويج، وستكون أحداثه القادمة متغيرة حيث سأنظم مع كوكبة جديدة من الممثلين، كما أن المخرج إدريس بن شرنين يقدم عملا جيدا من خلال إخراجه المتفرد
شاركت َبدور شقيق الشهيد في فيلم العربي بن مهيدي للمخرج بشير درايس، كيف كانت هذه التجربة مع ظروف المنع وسنوات انتظار عرضه؟
في الحقيقة، كانت مشاركتي في فيلم العربي بن مهيدي خاصة جدا، لأنه يتناول شخصية بارزة أقدرها كثيرا، كما أنه رمز من رموز الثورة الجزائرية، وقد أديت فيه دور شقيق الشهيد "محمد الطاهر بن مهيدي"، وتم اختياري خلال تجارب الأداء الأولى، ثم تزكيتي من طرف شقيقة الشهيد ظريفة بن مهيدي التي قالت أنني أشبه شقيقها في الواقع، وكنت سعيدا وفخورا بهذه التزكية والثقة التي منحتني إياها.
بدأنا التصوير خلال سنة 2016، وكما تعلمون، حصلت ظروف إنتاجية وأسباب مختلفة عطلت سير العمل، لكن من جهتي قمت بأبحاث كثيرة حول الشخصية التي لعبتها، لأن أداءها يعتبر مسؤولية كبيرة وجب أن نعطيها كل الوقت والتركيز، كما التقيت بعض أفراد عائلة بن مهيدي الذين قصوا علي قصصا تخص محمد الطاهر بن مهيدي، حياته، طباعه وشخصيته، وعملت على بعض التفاصيل التي التقطتها منهم.
أخيرا، رأينا الفيلم في عرضه الأول في دار الأوبرا بعد طول انتظار، كما سنشاهده قريبا خلال فعاليات مهرجان عنابة السينمائي في شهر أفريل المقبل، وسأكون حاضرا هناك لمرافقة عرضه، إضافة إلى مشاركتي في أفلام أخرى لم تصدر بعد، في دور بطولة ودور ثانوي، دون أن أنسى عملي مع فريق فيلم فرانز فانون.
تقومون حاليا بتقديم عروض رمضانية لمسرحية البونكي من انتاج المسرح الوطني الجزائري، احك لنا عنها وعن أجواء العروض الرمضانية.
انضممت إلى فريق مسرحية "البونكي" بعد دعوة من مخرجها فوزي بن ابراهيم، حيث أراد أن يقدم عملا مسرحيا يجمع بين نجوم الخشبة وبين ممثلين من السينما والتلفزيون لتجسيد نص مقتبس عن نص مولود معمري "الموت العبثي للأزتاك"، بغية استرجاع حضور الجمهور في المسرح من جديد، وأظنه نجح في ذلك، حيث نشهد في كل مرة حضورا غفيرا للعروض التي برمجت وما تزال، منذ تقديمنا للعرض الأول في مهرجان المسرح المحترف.
قمنا بالتدريبات لمدة شهر ونصف قبل تقديم العرض الأول، وقدمنا إلى غاية الآن خمس عروض، حتى أن هنالك من أعادوا المشاهدة عدة مرات بين الجمهور، لأن هذا العمل يجمع الكثير من الأسماء المحترمة والموهوبة التي جلبت الأنظار وأثارت الإعجاب بحضورها على الخشبة.
ما يزال أمامنا خمس وعشرون عرضا سيتوزع عبر مختلف مسارح الوطن، حيث ستكون هنالك جولة تبرمج لاحقا لهذه المسرحية.
هل تعتقد أن الممثلين في الجزائر يحصلون على الفرص التي يستحقونها ؟ وما الذي يحتاجه الممثل للعمل في بيئة مناسبة ومحترمة تليق به ؟
أظن أن الفُرص تؤخذ ولا تُعطى، وما زال لديّ إيمان في وجود أشخاص نزهاء يقصدون الممثل الجيد ويختارونه.
أعتقد أنني أحظى منذ بداياتي بثقة العديد من المخرجين الذين طلبوني دائما لأداء مختلف الأدوار، ولم أجد بصراحة مشاكل كبيرة من هذه الناحية، لكن الفنان عموما، هو من يحفظ قدر نفسه وعمله بحسن اختيار الأدوار التي يؤديها، حيث يتوجب عليه التحلي بشخصية قوية تخوله الرّفض وقول لا للأدوار التي لا تليق به.
من ناحية أخرى، ما زلنا بعيدين كثيرا عن اللحاق بركب بعض الدول التي سبقتنا بخطوات كبيرة من هذه الناحية، حيث ما يزال الإنتاج الدّرامي والسّينمائي والمسرحي في الجزائر شحيحا، كما أننا ننتظر النتائج العملية لقانون الفنان الذي أتمنى أن يتم استغلاله لصالح الفنانين وأن يحفظ كرامتهم.
أؤمن بتفوق الموهبة في مجال التمثيل، كما أقف في وجه الإقصاء غير المبرر لأي اسم يضيف أثره في هذا المجال، وقد لا تكون بيئة التمثيل والإبداع مناسبة للعديد من العاملين في الفن في بلادنا، لكنني أتمنى حقا أن تتحسن ظروفها مع الوقت، وأن نقتدي بالتجارب الجيدة التي سبقتنا في هذا المجال.
