23-أغسطس-2020

وليد حجاج (فيسبوك/الترا جزائر)

يحذّر المختص في الأخطار الكيميائية وليد حجاج، من خطورة وجود مستودعات للمواد الكيمائية وسط المحيط العمراني في الجزائر، ويقدم المهندس في الكيمياء من جامعة سوري (surrey) البريطانية في حوار لـ "التر جزائر"، تفسيرًا علميًا عن كارثة مرفأ بيروت، كاشفًا عن الإجراءات الأمنية والوقائية حول كيفية إدارة المواد شديد الانفجار، وما هو الإطار القانوني والمؤسّساتي للتيسير المصافي النفطية، والمواد الكيمائية والمتفجّرات والمفرقعات المحجوزة.

الجزائر من الدول السباقة في المنطقة في تقنين اقتناء المواد الخطرة

  • بصفتك مختصًا في مجال الأمن الصناعي ماذا حدث في مرفأ بيروت بالضبط؟

حسب المعلومات الأولية المتاحة من لبنان، الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية الثلاثاء، وقع في مخزن بمرفأ بيروت كان به 2780 طن من نترات الأمونيوم والتي كانت مخزنة بطريقة غير آمنة لنحو ست سنوات، بعد توقيف شاحنة بحرية سنة 2013 ومصادرة مخزونها بقرار قضائي.

اقرأ/ي أيضًا: بيروت التّي في قلوب الجزائريّين.. حبٌّ غير مشروط

وبالعودة إلى تسجيلات الفيديو الخاصة بالانفجار، يمكننا أن نرى دخانًا أسود، ودخانا أحمر يدلّ على إطلاق غاز ثنائي أوكسيد الآزوت ( NO2 ) بعد التفاعل غير المكتمل.

 أعتقد أن انفجارًا أولًا تسبب في اشتعال نترات الأمونيوم، التي يُفترض أن يتم الالتزام بقواعد صارمة في تخزينها، بحيث تظل بعيدة عن الوقود ومصادر الحرارة، خاصة وأن الكمية كبيرة جدًا.

للعلم أن نيترات الأمونيوم هو مركب كيميائي يحمل الصيغة الكيميائية (NH4NO3)، ويكون على شكل حبيبات عديمة اللون والرائحة، والتي تستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية واستعمالها واسع جدًا.

هذا المركب تسبب على مدى عقود في انفجارات صناعية عديدة، من بينها انفجار في مصنع الكيماويات (AZF) في تولوز بفرنسا عام 2001، وكذلك انفجار آخر في مصنع واست فرتليزر للأسمدة بولاية تكساس الأمريكية عام 2013، وقد إستعمل أيضًا في العديد من الهجمات الإرهابية، وفي العديد من الدول.

 لهذا فإن اقتناء وتخزين معظم المواد الآزوتية مقنن في أغلبية الدول، ووفقًا للمعاهدات الدولية وخاصة معاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية، التي تلتزم الدول بتفتيش وتقنيين المنشآت التي تنتج وتخزن هذه المواد، في حدود كميات مجدولة في الاتفاقية.

ورغم مخارطها فإن الاستخدامات المشروعة لنترات الأمونيوم في الزراعة ومجالات أخرى تجعل الاستغناء عنها أمرًا صعبًا جدًا.

  • هل وجود مستودعات نفطية أو مخازن لمواد شديدة الانفجارات وسط المحيط العمراني يشكل خطرًا على السكان؟

أي مخزون لمواد قابلة للاشتعال أو الانفجار هو خطر على المحيط، لكن ولحسن الحظ هناك قواعد للأمن الصناعي والتي يجب احترامها بصرامة، وبصفة دائمة، هي من تضمن الأمن اللازم للمحيط المباشر

فلو نقارن عدد المنشآت والكميات المخزّنة عبر العالم وعدد الحوادث، نستنتج مباشرة أن لقواعد ومعايير الأمن الصناعي دور في هذا.

  •  في الجزائر ماهي الهيئات المخولة قانونًا لتسيير وإدارة مستودعات ومخازن المواد الكيمائية؟

تعتبر الجزائر من الدول السباقة في المنطقة في تقنين اقتناء المواد الخطرة، وذلك راجع أيضًا لخلفية وخبرة الأجهزة الأمنية بعد العشرية السوداء، فهناك المرسوم التنفيذي رقم 03 451 الذي يحدّد قواعد الأمن، التي تطبق على النشاطات المتصلة بالمواد والمنتوجات الكيميائية الخطرة وأوعية الغاز المضغوطة، والمرسوم التنفيذي رقم 03 452 المتعلق بنقل هذه المواد عبر الطرقات، فكلنا رأينا الشاحنات المحملة بمواد تتنقل تحت مراقبة ومرافقة الدرك الوطني، وكل هذا تتدخّل فيه العديد من الوزارات كالدفاع، الطاقة، الداخلية والنقل، لهذا يمكن أن نجزم بالرغم من ثقل المعاملات الإدارية أن الجزائر تتحكم في هذا المجال دون شك.

من الجانب البيئي، تنظم وزارة البيئة رخص الاستغلال لكل مستودع أو منشأة مصنفة طبقًا للمرسوم التنفيذي رقم 06 -198، بعد المصادقة على دراسة تأثير الخطر، ودراسات أو موجز التأثير على البيئة بعد معاينة العديد من الجوانب الهامة.

لكن تحديث كل هذه القوانين وتخفيف وتوحيد الإجراءات الإدارية والرقمنة دون المساس بالطبع بمبدأ تحقيق الأمن أصبح أكثر من ضروري، لتخفيف وطأة البيروقراطية على مناخ الأعمال في المجال الصناعي.

  • كيف يتم التخلص من المواد الكيمائية أو المفرقعات المحجوزة؟

المواد الكيميائية الصالحة للاستعمال المحجوزة يتم استغلالها وفقًا للقوانين السارية المفعول في هذا المجال، أما المفرقعات هناك تنظيم خاص بالمواد المتفجرة بداية من المرسوم الرئاسي 90 198 الذي يقنن كل ما يتعلق بالمواد المتفجرة، ووجود منشآت خاصة لتدميرها طبقًا لنوعها وفئتها.

  • ما هو المخطط الوقائي لتفادي كارثة مرفأ بيروت؟

في هذا الأمر، يجب إعادة تفتيش كل المرافئ والمخزونات بصفة دورية، دون أي تهاون، حتى وإن كانت المنشآت تحترم معايير الأمن، فالخطر صفر غير موجود.

إعادة النظر وتحديث مخططات الوقاية العامة، ونحن نعلم أن أي تغيير في المحيط من توسع عمراني، طرقات جديدة، منشآت تحتم على الهيئات المختصة تحديث كل مخطّطات الوقاية العامة بصفة دورية.

أما فيما يخص جانب التدخل، يوجد المخطط الداخلي للتدخّل لكل منشأة مصنفة، ويوجد أيضًا المخطط الخاص للتدخل في حالة حدوث أي طارئ يسمح للحماية المدنية والهيئات المخولة في التدخل بصفة سريعة وحاسمة.

هذه المخططات والجانب التنظيمي المتعلق بها هو من صلاحيات الوالي واللجنة الولائية الخاصة تحت وصايته الذي يجبرها القانون بالقيام سنويًا بعمليات محاكاة للتدخل بالتنسيق مع المؤسّسة المعنية طبقا للمادة 19 من المرسوم التنفيذي 15 - 71 وتحديثه إن دعت الضرورة طبقًا للمادة 20 من المرسوم نفسه، وهنا يجب مساءلة الولاة إن تم بالفعل القيام بهذه العمليات ودوريًا.

  • توجد محطات للنفط وسط أحياء ومجتمعات سكانية، هل تواجدها قانوني؟

تقصد مصافي النفط، في الحقيقة ليس تواجد المصافي غير قانوني، بل التوسعة العمرانية هي التي لم تحترم المسافات المعمولة بها تنظيميًا، لأنها وُجدت بعد هذه المنشآت، وهذا راجعٌ لخللٍ كبيرٍ في التهيئة العمرانية، وإلى المنح العشوائي لرخص البناء، والتي تقع أولًا على عاتق الجماعات المحلية.

أعلم أن المؤسسة التي تمتلك هذه المحطات تعمل جاهدة لاحترام تعزيز إجراءات الوقاية بصفة منتظمة.

الحلول التقنية موجودة لكن الاهتمام المباشر بهذا الأمر من طرف السلطات العليا أمر ضروري.

  • ما هي الدروس التي يجب استخلاصها من كارثة مرفأ بيروت؟

الوقاية وعدم التهاون وتخفيف الإجراءات الإدارية والبيروقراطية في التعامل، وما حدث في مرفأ بيروت دليل على ذلك بالرغم من توجيه العديد من المراسلات من طرف إدارة الميناء، لرفع الحمولة دون رد من طرف الجهات الوصية حسب المعلومات الحديثة التي تناولها الإعلام.

 يجب توحيد العديد من الهيئات الإدارية والتنظيمية في وكالة وطنية واحدة 

وفي رأيي الخاص، يجب توحيد العديد من الهيئات الإدارية والتنظيمية في وكالة وطنية واحدة، متخصّصة في الأمن الصناعي والسيطرة على المخاطر الكبرى، في إطار التنمية المستدامة لتطبيق كل التشريعات وآليات المراقبة بصفة محكمة، مع مرافقة كل الجماعات المحلية الولائية وتكوينهم في هذا المجال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون يُبرق بتعازيه إلى ميشال عون إثر انفجار بيروت

انفجار بيروت.. إصابة جزائري بجروح واحتمال وجود آخر بالمستشفى