01-أكتوبر-2022
محطة الغاز بعين أمناس (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

محطة الغاز بعين أمناس (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

لم تكن زيارة وفد من برلمان الإتحاد الأوروبي بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2022 للبرلمان الجزائري بريئة، فهذه الزيارة والتي كانت متوقعة منذ فترة جاءت لتطبيع العلاقات بشكل أحسن بين الجزائر وأوروبا بعد حقبة البرود التي عاشها الطرفان في أعقاب الخلاف الجزائري الإسباني، وأيضا بعد إعلان الجزائر نيتها رسميا قي تعديل اتفاق الشراكة الجزائري الأوروبي الذي تبين بعد 17 سنة من إقراره أنه لم يحمل الجديد للجزائر ولم تجن منه البلاد إلا خسائر بمليارات الدولارات، فهل ما زالت أوروبا تبحث عن أكشاك جديدة؟

خبير اقتصادي: ملف الغاز كان أحد محاور زيارة الوفد الأوروبي للجزائر قبل تساقط الثلوج وانفاض درجات الحرارة

هذه الزيارة لم تخل من رائحة النفط والغاز بمبنى زيغود يوسف؛ فالأوروبيون يتطلعون اليوم إلى صفقات جديدة لنيل المزيد من هذا المورد الطاقوي سواء عبر الأنابيب أو السفن، فالأهم بالنسبة لهم ضمان شتاء دافئ، زاد من حدة مخاوفهم عزل روسيا عدة دول أوروبية عن التموين بالغاز.

ووسط كل هذه التخمينات، تحاول السلطات الجزائرية الاستفادة من الفرصة التي قدمتها لها الظروف على طبق من ذهب هذه المرة، وإحكام لعب أوراقها حتى تجني مكاسب جديدة للبلاد وتدّر دولارات إضافية في الخزينة من شأنها أن تدفع بالنمو داخليًا وتعيد للدولة هيبتها في المحافل العالمية، فإلى أي مدى ستنجح الدبلوماسيات الاقتصادية والسياسية والبرلمانية في هذا المسعى؟

الزيارة الأولى من نوعها

وتعد زيارة وفد من البرلمان الأوروبي للبرلمان الجزائري خلال شهر أيلول/سبتمبر 2022 الأولى من نوعها في تاريخ الهيئة التشريعية، كما تحمل هذه الزيارة دلالات متعددة، يقول سيد احمد تمامري برلماني ورئيس الوفد الجزائري البرلماني المفاوض مع ممثلي البرلمان الأوروبي.

يؤكد محدث "الترا جزائر"  أن هذا الاجتماع يعتبر الأول للجنة البرلمانية المشتركة الجزائر- البرلمان الأوروبي منذ تأسيسها سنة 2018 حيث كانت من قبل مجرد مجموعات اتصال  لتتحول اليوم إلى إطار جديد منظم قانونيًا، يعالج مختلف الملفات والقضايا المشتركة في طاولة مستديرة.

وسبق هذا الاجتماع لقاء تحضيري شهر نيسان/أفريل الماضي ليعقبه اللقاء المنظم في الجزائر والذي سيعقد بشكل متداول بين الجزائر وبلجيكا،ووفق تمامري فإن الزيارة عقدت من أجل مباشرة الحوار الرسمي للمواضيع التي تم التطرق إليها، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالحوار السياسي والاستراتيجي، والأمني إضافة إلى قضايا إنسانية مرتبطة بالهجرة وحقوق الإنسان وتنقل الأشخاص، وقضايا بيئية وأخرى اقتصادية واجتماعية.

وسبق وأن كانت هذه المحاور محل نقاش بين أعضاء اللجنة المشتركة، حيث تم طرح بخصوصها العديد من الأسئلة بين الطرفين لاسيما القضايا محل خلاف.

ويقول تمامري، إن اللقاء تطرق في الجانب الاقتصادي إلى ملف الشراكة الذي طرح من قبل الوفد الجزائري، حيث خاض النواب الجزائريون في قضية التباين الكبير في الاستفادة من ملف الشراكة الذي كان فيه إجحاف في حق الجزائر، كما أن الوفد الجزائري دافع بقوة عن فكرة ضرورة مراجعة اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بما يخدم الطرفين ومن منطلق رابح _ رابح.

وحسب تمامري، فإن الوفد الأوروبي لم يعترض على الطلب، بل برز توافق كبير من الجهتين حول ضرورة الذهاب نحو مراجعة بعض بنود الشراكة مع الاتحاد من أجل ترقيتها لتخدم الطرفين بشكل أكبر.

ويشدد المتحدث، على ضرورة مراجعة عدة بنود لم يلتزم فيها الطرف الأوروبي بتعهداته التي وقع عليها، مثل الاستثمارات المباشرة، ونقل التكنولوجيا، والتنسيق العلمي، والاستيراد من الجزائر.

لقاء بعنوان الغاز والمصالح

ومن بين الملفات التي تمت مناقشتها خلال زيارة الوفد البرلماني الأوروبي، قضية الغاز التي جاءت تحت عنوان" الأمن الطاقوي"، ويندرج هذا الملف أيضًا في مجال الشراكة، بحيث أن الجزائر معروفة كمتعامل موثوق في مجال التموين وتحترم التزاماتها الغازية، وتراعي التحولات السياسية أو تستعملها من أجل الضغط، ما يمنح الجزائر صورة الحليف الاستراتيجي.

ولم يحد الأوروبيون الذين التأموا تحت قبة مبنى زيغود يوسف مع نواب جزائريين عن هذا الطرح، فاقتراب موعد الشتاء جعل هؤلاء يفكرون في ضرورة الذهاب نحو شراكة ترفع هذه القدرات، وهو ما لا يمكن لأوروبا وحدها أن تقرره حسب تمامري، خاصة وأن بلادنا تفكر اليوم قبل رفع نسبة تموين أوروبا بالغاز، رفع نسبة إنتاجها محليًا.

ويشدد تمامري، على أن الأوروبيون اليوم يبحثون عن مصالحهم ، أما الجزائر فتفكر في مجال الطاقة في دعم التعاون مع دول أفريقية أخرى حتى يتسنى لها رفع قدراتها الإنتاجية وبيع المزيد من الغاز في السوق الأوروبية، على غرار تفعيل مشروع أنبوب الغاز مع النيجر.

وقد تشترط الجزائر وفق البرلماني ذاته، لرفع تموينها بالغاز نحو أوروبا، مرافقة الأوروبيين لنا تكنولوجيًا في تطوير الطاقات المتجددة.

من جهته يقر الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش، والذي حضر الاجتماع، أن اللقاء لم يخل من رائحة الغاز، الذي تفتش عنه أوروبا في كل اتجاه قبل تهاطل الثلوج وانخفاض درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر، ويتعلق الأمر بغاز الأنابيب وحتى الغاز المسال، إذ اعترف نوابها صراحة أنه بعد قطع العلاقات مع روسيا لم يتبق أمامهم إلا الجزائر كملاذ آمن لهم، وبلد لا يغير وعوده ولا يتخلى عن التزاماته التجارية.

ويشدد بريش في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه اليوم وبعد مرور  17 سنة عن اتفاق الشراكة مع أوروبا، لا يمكن أن تكتفي الجزائر بتموينهم بالغاز دون مقابل، فبنود الشراكة يجب أن تعدل، وبلادنا ملزمة بالبحث عن مصالح جديدة،ووقتها فقط سيتم رفع الإمدادات بكل الطرق، ولكن ليس دون مقابل.

حينما يريد الأوروبيون تصحيح الأخطاء

وغير بعيد عن ذلك يجزم المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عبد الرحمن بن شريط في إفادة لـ"الترا جزائر"، أن زيارة ممثلي البرلمان الأوروبي للجزائر ولقائهم المجموعة البرلمانية للشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كانت متوقعة منذ فترة.

ويأتي ذلك وفق المحلل السياسي، نظرًا للتقارب الموجود بين الجزائر وأوروبا، والذي زادت قوته مؤخرًا  في خضم الوضع السياسي والجيوستراتيجي الدولي العام والتغيرات التي شهدتها المنطقة، إضافة إلى رغبة أوروبا في تطبيع علاقتها بشكل أكبر مع الجزائر في ظل القطيعة الروسية التي أنهكت القارة العجوز، وجعلتها تفقد أمنها الطاقوي وتحول بوصلتها نحو شريك آخر يعوضها بالغاز.

وساهم اللقاء الذي عقد بمبنى زيغود يوسف في إعطاء دفع جديد للعلاقات وإعادة الدفء إليها بعد مرحلة البرود التي شهدتها خلال الأشهر الأخيرة، في أعقاب الخلاف الجزائري الإسباني، وتدخل أوروبا لصالح إسبانيا، وشكوى الجزائر من عدم ربحية اتفاق الشراكة، حيث يختم الخبير حديثه قائلًا: "الجميع يعلم اليوم أن أوروبا مستعدة لفعل أي شيء من أجل إرضاء الجزائر، والجزائر تبحث عن الاستفادة من ورقة الغاز بأي ثمن كان".

العلاقة بين الجزائر وأوروبا مبنية على تداخل المصالح والتاريخ المشترك والقرب الجغرافي 

وفي النهاية تبقى العلاقة بين أوروبا والجزائر أكثر من علاقة قارة بدولة تربطها بقارة أخرى، فهي مبنية على الجوار والتداخل في المصالح والتاريخ المشترك والمستقبل القائم على منطق "رابح_ رابح"، فهل سيتحقق مبدأ الندية الذي تدعو إليه الجزائر دائمًا؟