06-يوليو-2024
مارين لوبان

مارين لوبان (وكالة الأنباء الإيطالية)

يعيش الخمسيني، فريد صياد، وهو جزائري مقيم بفرنسا رفقة زوجته وأبنائه، على غرار باقي أفراد الجالية في باريس ومدنها، حالة من الخوف والترقب، إثر صعود اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية.

المحلل السياسي أبو الفضل بهلولي: العلاقات الجزائرية الفرنسية لن تتأثر بشكل كبير إذا فاز اليمين المتطرف بالتشريعيات لأن البلدين يستندان للقانون الدولي معاهداتهما

ويشدّد صياد، في حديثه لـ"الترا جزائر" على الغموض الذي يكتنف المشهد في فرنسا ومعه يزداد توجس الجزائريين قبل يوم عن الدور الثاني من انتخابات البرلمان. ليكمل بأنّ "صعود اليمين المتطرف قد يصعد معه خطاب الكراهية والعنصرية ضدّ المهاجرين. والجزائريين بالخصوص."

وتتوافق مخاوف الجزائري فريد صياد مع توجهات مراقبين للشأن الجزائري الفرنسي، إذ يجمع محللون بأنّ "تحولًا جوهريا، سيحدث، في المشهد السياسي الفرنسي. ففوز اليمين المتطرف ليس مجرد نتيجة انتخابية، بل هو مؤشر على تحولات عميقة في المزاج العام للناخبين الفرنسيين، والذين باتوا يبحثون عن حلول لأزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة."

"وفي حال استمرار اليمين المتطرف في تحقيق مكاسب في الجولة الثانية، فإن التأثيرات المحتملة على العلاقات الجزائرية الفرنسية قد تكون متعددة، بدءًا من قضايا الذاكرة التاريخية وصولًا إلى ملفات الهجرة والتعاون الاقتصادي"، وفق خبراء.

فاليمين المتطرف في فرنسا، وفق قراءات متعدّدة لمحللين، "يحمل تاريخًا طويلًا من المواقف العدائية تجاه الجزائر، وهذا قد ينعكس سلبًا على مسار التسوية التاريخية بين البلدين."

فوز اليمين المتطرف كان متوقعًا

وفي السياق، يرى النائب والرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية والجالية بالمجلس الشعبي الوطني، محمد هاني، أن "فوز اليمين المتطرف بالجولة الأولى في الانتخابات التشريعية الفرنسية كان متوقعًا نظرًا لعدة معطيات سياسية". ليضيف: "في حال اكتساح هذه الجبهة للبرلمان الفرنسي ستكون انعكاساته سلبية على مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية."

وأوضح هاني في إفادة لـ"الترا جزائر" أنّ كل المعطيات كانت تصبُّ في صالح اليمين المتطرف، الذي فاز بالجولة الأولى في الانتخابات التشريعية بفرنسا. خاصة مع انتشار خطاب التطرف مؤخرًا والتعبئة السياسية التي حاول اليمين الترويج لها في خطابته.

ومن بين الأمور التي مهّدت لوصول اليمين إلى السلطة النتائج، التي حققتها جبهة ماري لوبان، بعد وصولها إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية سنة 2002، بحسب البرلماني هاني.

ولا يستعبد محدّثنا أن "تعرف العلاقات الجزائرية الفرنسية توترًا جديدًا في حال فوز اليمين المتطرف في الدور الثاني للانتخابات. واكتساحه للبرلمان خاصة وأنّ هذا الأخير تاريخه غير مشرف بالنسبة للجزائر والثورة الجزائرية."

وأشار هنا إلى "أنه في حال وصول هذا الأخير إلى نيل رئاسة الحكومة، سيعمل على تنفيذ أجندته العدائية تُجاه مزدوجي الجنسية والعديد من الملفات على غرار ملف الذاكرة واتفاقية الهجرة الموقعة بين الجزائر وفرنسا. وبالتالي سيعرقل صعود هذا التيار المعادي مسار التسوية التاريخية مع الجزائر."

ويرى البرلماني أنه على الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا التصويت يوم الأحد لمن هم أقرب للتوجهات الجزائرية، ففي حال ظهور النتائج لصالح جوردان بارديلا ستكون انعكاسات هذا الفوز مضرة للجالية الجزائرية، فهذا الأخير يقول هاني، "يحمل مشروعًا مناهضًا للجالية وكذا لمسار العلاقات الجزائرية الفرنسية مستقبلًا وأيضًا اتجاه القضية الفلسطينية."

الجزائريون مطالبون بالتصويت بقوة

بالمقابل، يدعو رئيس المرصد الوطني لمكافحة الإسلاموفوبيا بفرنسا، عبد الله زكري، الجزائريين المقيمين بفرنسا والمسلمين إلى التعبئة والمشاركة بقوة في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية الفرنسية المزمع تنظيمها الأحد السابع تموز/جويلية الجاري. لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف الذي يتبنى "خطاب الكراهية والتعصب والانقسام، الذي يهدد الجالية المسلمة في فرنسا"، حسبه.

وقال زكري في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّه "في حال فوز اليمين المتطرف بالانتخابات البرلمانية في الجولة الثانية سنشهد تفاقمًا وتصاعدًا كبيرًا في الخطاب العنصري وأعمال العنف ضد المواطنين والمواطنات من عرب ومسلمين."

وحمّل المتحدث من وصفهم بـ"النخب ووسائل الإعلام الفرنسية مسؤولية هذا التصعيد الجديد في الخطاب والذي كان وراء فوز اليمين في الانتخابات."

رئيس المرصد الوطني لمكافحة الإسلاموفوبيا بفرنسا لـ"الترا جزائر": الجزائريون المقيمون بفرنسا مطالبون بالتصويت لقطع طريق اليمين المتطرف وكبح خطابه العنصري المتعصب

ويرى أن "العنف المتزايد ضد المسلمين والعرب في فرنسا لم يكن ليتفاقم دون وجود تعبئة تقودها قنوات فرنسية تتناول ملفات ومواضيع تساهم في الترويج لأفكار التعصب والكراهية والانقسام في فرنسا. الأمر الذي يتطلب تجنّد النخب الجزائرية والعربية والمسلمة للوقوف في وجه هذه الخطابات العنصرية والتوجه للتصويت بقوة لوقف زحف اليمين المتطرف للبرلمان".

كما حذّر نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، من "خطورة ما ينفث من سموم في منصات التواصل الاجتماعي من طرف مؤثرين ومروجين لخطاب اليمين المتطرف على الجالية العربية المسلمة الأمر الذي بات يشكل جوًا من الخوف وعدم الثقة اتجاه الفرنسيين من الديانة الإسلامية والأجانب بشكل عام."

ليبرز: "التزايد الكبير في التصويت لصالح اليمين المتطرف في المناطق الريفية في فرنسا يعكس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وكذا وسائل الإعلام الثقيلة على تصور الرأي العام."

العلاقات الجزائرية الفرنسية لن تتأثر

من جهته، يرى المحلل السياسي أبو الفضل بهلولي أن العلاقات الجزائرية الفرنسية "لن تتأثر بالشكل الكبير كما يتوقعه البعض في حال فوز اليمين المتطرف بالانتخابات التشريعية". مؤكدا أن "الاتفاقيات والمعاهدات التي تجمع البلدين تستند إلى القانون الدولي."

ويرى بهلولي في تصريح خصّ به "الترا جزائر" أنّ "الشعب الفرنسي اليوم ينظر إلى اليمين المتطرف على أنه طوق نجاة بسبب الأزمة الاقتصادية، التي يعاني منها وفشل فرنسا في العديد من الملفات على مستوى الدبلوماسية الخارجية. وبالتالي فإن فوزه في هذه الانتخابات أمر متوقع."

أما بالنسبة للعلاقات الجزائرية الفرنسية، فحسب بهلولي، "لا يوجد تخوف من تأثير وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، فهذا التيار سوف يصطدم بالمؤسسات الفرنسية القوية، مثل المجلس الدستوري الفرنسي الذي يمتلك صلاحيات مراقبة مدى دستورية القوانين التي تصدرها الجمعية الوطنية الفرنسية."

ويضيف: "قبل 10 سنوات، تبنت فرنسا سياسة التضييق على المهاجرين من خلال تبني مجموعة من القوانين، بدءًا من التضييق على الهجرة ووضع ضوابط ومعايير للحصول على التأشيرة، وكذلك تقليص عدد التأشيرات الممنوحة لدول شمال أفريقيا. وعليه يتوقع أن يستكمل اليمين المتطرف هذا البرنامج في حال فوزه."

وعن إمكانية تشنج العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد وصول اليمين إلى البرلمان، استبعد محدثنا ذلك مرجعًا السبب إلى وجود أطر واتفاقيات بين البلدين، ففرنسا، حسبه، متمسكة بالقانون الدولي والاتفاقيات، إلّا أن ذلك "لا يمنع من إمكانية مراجعة بعض بنود الاتفاقيات في حال فوز اليمين المتطرف."

وهنا قال المحلل السياسي "لا أعتقد أن ذلك سيؤثر على العلاقة بين الجزائر وفرنسا، لأنها علاقة معقدة ومبنية أساسا على المصالح المشتركة".

أما فيما يخص ملف الذاكرة، فإن صُنّاع القرار اليوم في فرنسا، يقول بهلولي، "مقتنعون بضرورة حل هذه المشكلة، لذلك فإن الأمر ليس متعلقا بالرئيس الفرنسي وحده. بل بالدولة الفرنسية ككل، وبالتالي الجميع مقتنع بضرورة حل هذا الملف، كما أن اللجنة المشتركة لحل ملف الذاكرة لا تحمل طابعًا سياسيًا."