03-مارس-2021

شعارات الحراك الشعبي أثارت جدلًا وسط الجزائريين (أ.ف.ب)

  تُعَدُّ الشِّعاراتُ الاحتجاجية التي تُرفع وتُرَدَّدُ في مختلف المظاهرات والحراكات الشَّعبية مكتوبَةً أو منطوقةً، نمطًا تعبيريّا مردّه التّواصل وإيصال صوتِ الرَّفض، باعتبار أن الشِّعارِ من أهم الطرق نجاعة وأكثرها سلمية في مختلف الثورات والاحتجاجات. 

استُعمِلت ألفاظ مباشرة وقوية اعتبرها كثيرمن المتابعين والنشطاء عباراتٍ استئصالية ومتطرفة وعنيفة

ويُنظَرُ إلى الشِّعار الاحتجاجي أيضًا، على أنه من أهم أدوات الهويّة البصرية التي تصنع واجهة الثورات ولغتها التي توصل أصوات أصحابها بمختلف توجّهاتهم ومطالبهم، حيث يَعرِض للطّرف المصارَعِ، كما للرأي العام داخليًا وخارجياً، مطالب شعبية وليدةَ مخاضٍ مجتمعيّ متعسِّرٍ يرتبط وثيقًا بتفاقم الأعطاب السياسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة يسقطون الشعارات الحادة في مسيراتهم اليوم

 ظلّتِ الأعطاب دونما صيانة، وعاد الحراك الشعبي في الجزائر مع ذكراه الثانية، رغم فتراتٍ خَبَتْ فيها شعلته، كما عادت الجمعة 106 بكل ذلك العطش، لتجوبَ الوجوه المفعمة بالأمل شوارع العاصمة ومختلف المدن في شتى أنحاء البلاد، حاملة آمالها في تغيير طال انتظاره، بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي التي أدت إلى تعليق مسيرات الجمعة والثلاثاء منذ شهر مارس من العام الماضي.  

ومع تجدد المسيرات، عادت المطالبات والاحتجاجات بلغتها المعهودة ومطالبها التي لم تتحقق بعد، وبعدما كانت شعارات الحراك الشعبي في الجزائر علامته الفارقة بتركيزها، سخريتها، إبداعها وعمقها، صعدت إلى السطح شعاراتٌ جديدة أكثر حِدة، كشفت عن مواقف متفاوتة للمتظاهرين، وصنعت بعد انتهاء المسيرات نقاشًا تفاوتت حدته بين الحراكيين والمتابعين للوضع السياسي المأزوم. 

استنكر عدد من المتابعين للشأن السياسي تلك الشعارات التي أتت تحت مفهوم "إطلاق سراح الدولة أو المنظومة المدنية"، "الاستقلال" ومطالب شديدة اللهجة "بإبعاد سلطة المخابرات عن الفعل السياسي وعن ميزان القضاء ومنابر الإعلام"، كما استُعمِلت ألفاظ مباشرة وقوية اعتبرها كثيرمن المتابعين والنشطاء عباراتٍ استئصالية ومتطرفة وعنيفة، نسبها الأغلبية إلى نشطاء حركة رشاد وبعض أعوانها الذين أطلقوها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وراح البعض الآخر يردّها إلى ما حصل للطالب وليد نقيش الذي اتهم جهات أمنية بالتعذيب، المساس بالكرامة والاعتداء الجنسي  أثناء التحقيق. 

ولعل ما زاد النقاش حِدةًّ، كان فيديو البروفيسور رضا دغبار حول ما أسماه بـ "الثورة المضادة داخل الحراك"، والذي تحدث فيه عن عدة نقاط أهمها، إشارته إلى مخاوف من نوعية الشعارات التي ترددت في العيد الثاني للحراك الشعبي، والجمعة 106 منه، وكذلك وصف الشرطة بالقوى الاستعمارية، وإشارته بشكل واضح لمسؤولية جهات بعينها كانت تطالب بالاشتباك السلمي مع الشرطة. 

فما الهدف من هذه الشعارات وهذه النقاشات التي تأتي في مرحلة مبهمة يمرّ بها الحراك الجزائري؟ 

شعاراتٌ قديمة جديدة

تفيد القراءات السياسية أن كثيرًا من الكتابات التاريخية، أثبتت أن هذه الشعارات لم يكن وليد الصدفة أو الحدث السياسي، فقد امتد لسنوات خلت، حيث اعتُمِد الانتقاد السائد آنذاك تحت مختلف المسميّات وعبر طرق احتجاج متعددة، كانت في مجملها ضدّ استمرار تمركز الجيش في صناعة القرار السياسي في البلد وتحكمه في زمام الدولة، وإن كان المظهر سياسيًا مدنيًا في مط التسيير، إلا أن الجوهر كان دائمًا الحكم من وراء الستار. 

في هذا السياق، تحدّث عبد  المجيد تبون في حوار له مع ممثلين عن الإعلام، مجيبًا على سؤال متعلّق بتمدين الدولة كونه تقليدًا في كل أغلب دول العالم، أن الشعارات  التي استهدفت الجيش في المظاهرات الأخيرة تعود لخمسة عشر سنة، وأن الجيش الجزائري قد "وصل لدرجة احتراف ومهنية بعيدًا عن السياسة تمامًا"، كما أنه "جيش منضبط يطبق تعليمات الرئيس أكثر من الجيش نفسه". . 

بدا جليًّا إذن، أن هذا الشعار الذي برز بشكل حاد في الحراك الشعبي، أعادنا إلى فترة أزمة صيف 1962، وبعدها انقلاب الراحل بومدين على الرئيس بن بلة، ومن ثمّ وضع الجيش للعقيد الشاذلي بن جديد في الحكم ثم دفعه إلى رمي المنشفة سنة 1992، إلى غاية تولّي عبد العزيز بوتفليقة الحكم، إذ كان كل ما سبق ذكره عبارة عن مسارات سياسية حكم فيها العسكر الجزائر تحت مظلة الحكم المدني. 

تهذيب الشعارات 

في هذا السياق، كتب الصحافي مروان الوناس في حسابه بموقع فيسبوك، أن بعض الشعارات العنيفة مرفوضة وينبغي أن تتوقف حفاظًا على الروح السّلمية والطابع الأخلاقي للحراك الشعبي.  

وأضاف الوناس أنه يعوّل على الضمير الجمعي للجزائريين في التخلّي عن تلك الشعارات المسيئة تمامًا، مثلما استجاب الحراك في الجمعة الرابعة لنداءات التوقف عن إستعمال آلة "فوفوزيلا" المزعجة، على حدّ تعبيره.

يمكن تفهم حالة الغضب التي تم لمسها في أول جمعة بعد عودة الحراك، بحسب المتحدّث، بعد تعرض مئات النشطاء إلى حملات أمنية واعتقالات خلال 11 شهرًا الماضية، حيث توقفت فيها المظاهرات بسبب وباء كورونا.  

في سياق متصل، قال مروان لوناس "إن الحراك عليه أن يحافظ على هدوء الأعصاب ويضبط إيقاعات شعاراته ويهذبها بما لا يجعله صداميًا.. حفاظًا على طابعه الجماعي والجامع وحفاظًا على استمراره كحركة تستقطب الناس جميعًا في إطار سلمي هاديء ينبذ العنف ويدينه". 

استثمارٌ في الصّدمة 

من جهته، قال الكاتب الصحافي محمد مباركي في حديث إلى "الترا جزائر"، إن شعارات مثل "مخابرات إرهابية" و"مخابرات عبلة حقارين الزواولة"، قد صعدت إلى السطح فجأة يوم الذكرى الثانية للحراك الشعبي، وفي الجمعة 106 منه، وهي حسبه "عبارات لا يجب أن تفاجئنا بتاتًا، إذ كانت متوقعة لأن مصمميها عرفوا كيف يستثمرون تلك الصدمة التي أثارتها تصريحات الطالب المعتقل سابقًا وليد نقيش، وقد نجحوا فعلًا في ذلك".  

 ونتيجةً لما سبق ذكره، يضيف مباركي، عرف النظام جيدًا كيف يستغل هذه الثغرة لتشويه الحراك الشعبي، كما اغتنم بعض "أشباه الديمقراطيين العلمانيين والاستئصاليين" بدورهم هذه الفرصة للمطالبة "بتطهير الحراك".  

يختم الصحافي محمد مباركي قوله إن الإسلاميين المتشددين مثلهم مثل النظام وأشباه الديمقراطيين يعزفون سيمفونية واحدة، وهي إحياء صدمة التسعينات، ووضع حد لشعار "سلمية، سلمية" الذي أربك بشكل كبير وعميق، كل خطط الذين أرادوا التموقع في الأجندات المقبلة، على حدّ قوله. 

رشاد تحاصر الطلبة؟

من جهتها، صرحت الطالبة الناشطة في حراك قسنطينة سارة علام لـ"الترا جزائر"، أن العديد من مناضلي حركة رشاد والمتعاطفين معهم، يرتادون بشكل مكثف مسيرات الحراك يوم الجمعة وكذلك الحراك الطلابي، وما كان هذا حسب المتحدثة ليثير الاستياء أو الإزعاج إطلاقًا، كونها تؤمن رفقة زملائها بحق الجميع في التعبير عن رأيه.  

تقول سارة علام أن هذه الحركة، حاولت إعطاء صبغة متطرفة وغريبة للحراك؛ إذ عمدت حسبها، إلى تبنّي شعارات تحمل أسماء أشخاصٍ كانوا بالنسبة إليها محل تشكيك وجدل، مثل علي بلحاج، العربي زيطوط وغيرهما؛ إضافة إلى العديد من الشعارات الصدامية التي يذكر أصحابها فترة التسعينات وأحداثها متبركين بها.  

في هذا السياق، تتحدّث سارة عن شعورها بالإستياء وخروجها مرارًا رفقة زملائها الطلبة من المسيرات كلما ترددت تلك الشعارات، خاصّة عندما كان منتسبو هذه الحركة والمتعاطفون معهم يغزون الحراك الطلابي كل يوم ثلاثاء، ليكسروا شعارات الطلبة الهادفة، ما جعلهم يفكرون حسبها باعتزال المسيرات السلمية.

  

هنا، شددت سارة على أن الطلبة خرجوا بمطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية واضحة، وليس لترديد أي اسم لأي معارض شعبوي يكتسب شعبيته من نشر المعلومات الخاصة والحميمية للمسؤولين، وقد أشارت إلى أن عددًا كبيرًا من المواطنين صار ينفر من المسيرات خاصة يوم الثلاثاء، بعدما عمد أنصار حركة رشاد إلى إعطاء صبغتهم الخاصة للحراك الطلابي للخروج عن سلمية الحراك وطابعه الحضاري السلمي بشعاراتهم المتطرفة؛ ما يخدم السلطة بطريقة غير مباشرة حسبها. 

وم وجهة نظر المتحدّثة، فإن التغيير والتقدم "ليس فقط عبر المطالبة بتغيير النظام ورفع الشعارات، بل يأتي أيضًا عبر الحذر ممن يبثون سمومهم في المسيرات ويخدمون أجندات خارجية لا تمت لمصلحة الوطن بصلة".  

تدعو أصوات عاقلة في الحراك إلى الحفاظ على هذا المكسب الشعبي الذي كان منذ بدايته أداة قوية لفرض سلطة الشعب

 تدعو فئة كبيرة إذن، ممن يخشون على مآل الحراك الشعبي في الجزائر إلى ضرورة بناء أرضية وطنية جامعة، هدفها تنظيم أولويات الحراك وأهدافه بعيدَا عن الصراعات التي تستنزفه كل أسبوع، وتدعو أصوات عاقلة إلى الحفاظ على هذا المكسب الشعبي الذي كان منذ بدايته أداة قوية لفرض سلطة الشعب، ورفض العهدة الخامسة وما جاء بعدها، لهذا وجب التفطن والبحث عن مبادرات سلمية ومشاريع طريق ذات صبغة سياسية حقيقية لتوضيح الرؤى، ورسم خارطة طريق صلبة بعيدا عن سطوة أشخاصٍ أو حركات بعينها لغلق الطريق أمام مختلف الشعارات المتطرفة، التي تستغلها هذه الأطراف بغية خدمة أجندات قد تؤدي بالحراك إلى الفشل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرة حاشدة بخراطة في ذكرى الحراك الشعبي

الحرك الشعبي.. هل انتهت الهدنة؟​