20-يناير-2024
(الصورة: فيسبوك) ديدوش مراد

(الصورة: فيسبوك) ديدوش مراد

في يوم الثامن عشر من كانون الثاني/جانفي الجاري، تكون قد مرّت في الذكرى الـ 69 لاستشهاد ديدوش مراد الملقب بسي عبد القادر (1927-1955)، أحد أبرز صانعي الثورة التحريرية، إذ يَعُد من بين الشخصيات الوطنية التي ساهمت بقوة في ملحمة أول نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1954، تاركًا بصماته في تنظيم بداية مسار الثورة وما بعدها.

لخضر بن طوبال في مذكراته: ديدوش مراد كان يستشرف مخاطر لا يمكن التنبؤ بها ويرسم خُططًا للخروج من الأزمات

في هذا السياق، بَرزت طوال السنوات الماضية، وفي فترات تزامنت مع ذكرى استشهاده، عديد الشهادات عن دوره الفعلي والبطولي في اندلاع شرارة الثورة الوطنية، بَيْدَ أن ما تضمّنته مذكرات لخضر بن طوبال حول سي عبد القادر قد تعد من بين الشهادات الأكثر حميمية وعاطفية، إذ يُقربنا بن طوبال من صورة شخصية سي عبد القادر، الإنسان والمناضل والثوري والسياسي والمرابط في سبيل القيم والمثل العليا.

لقاء الرجلين

يَحكي بن طوبال أنه سبق أن تَعرف على ديدوش مراد خلال فترة نشاط المنظمة الخاصة OS سنة 1948، وكان حينها ديدوش من بين قادة التنظيم السري، حيث يتحدث بن طوبال عن علاقة تنظيمية وتراتبية بين قائد ومناضل ينتمي إلى التنظيم، لكن اجتماع الرجلين في الولاية الثانية التاريخية (الشمال القسنطيني) مطلع 1954 كانت مناسبة إلى التقارب والتعارف أكثر وأعمق.

يَكشف سي لخضر أن اللقاء الذي جمعه بسي عبد القادر، والذي دام 18 يومًا، قد تسير له اكتشاف الرجل بشكل أكبر، وبعيد عن العلاقة النضالية والتراتبية التي كانت تفرض نوعًا من الانضباط والالتزام، فالكفاح الثوري والمسلح أزال الكثير من الحواجز بين القيادة والقاعدة وباتت العلاقات الإنسانية تجمع القادة والجنود.

يَذكر بن طوبال أنه في السابق ونظرًا إلى وجود دوافع واحتياطات أمنية، كانت العلاقة بين القائد والمناضل لا تتجاوز خطوطًا وحدودًا معينة، ويضيف في الجزء الأول من مذكراته، أن وجود ديدوش مراد في الولاية الثانية لوحده وسط الجنود والمناضلين، كان يُذهب عنهم الخوف ويعلي هممهم ويقذف في قلوبهم الشجاعة ويزرع الأمل.

إلى هنا، يقول سي لخضر أن ديدوش كان يتمتع بعبقرية فذة وذكاء وفطنة، يستشرف مخاطر لا يمكن التنبؤ بها، ويَستعد دومًا ويرسم خُططًا للخروج من الأزمات.

استشراف

يَروي سي لخضر أنه سأل ديدوش عن مصير الثورة وعن تجارب الثورات الأخرى، كالثورة التونسية وفي المغرب، قَدم ديدوش إجابات عكست تصورًا نظريًا حول مسارات الثورة، وما هي التحولات التي ستطبع الثورة المسلحة مستقبلًا، وكيف ستنتقل من الجغرافيا المحلية إلى الطابع الوطني، وما هي مسارات تداول على القيادة وأسبابها ونتائجها على الثورة.

توقع ديدوش أن السنوات الأربع الأولى من الثورة ستكون صعبة للغاية، وأن ثمار الصراع ستبدأ تظهر بعد تلك الفترة العسيرة. هنا، أشار بن طوبال إلى أن استشراف وقراءات الشهيد ديدوش كانت على الصواب، وقد تحققت بعض نبوءاته عن مسار الثورة وتحولاتها فيما بعد.

الطبيب الشجاع

يستحضر بن طوبال بعض أقوال سي عبد القادر عن مجرى الثورة ومسارها، وقد كانت تعكس أقواله واقعا آلت إليه الثورة بعده رحيله، وكأن ديدوش ما يزال حيا بين قادة الثورة، ويقارنه هنا، بالطبيب الذي يقدم فحصًا وتشخيصًا دقيقا ومعمقًا، ويقدم علاجًا وبلسمًا شافيًا لقد كان كما يصفه بن طوبال منظرًا وثوريًا وشخصًا مؤمنًا، فضلًا عن صفاته الروحية والفكرية "كان رجلًا شجاعًا ومقداما جسديًا وروحيًا".

يسرد لنا سي لخضر لحظة استيقاظه من كابوس، يتمثل في مطاردة جنود فرنسيين له، وبعدما قصّ سي لخضر على ديدوش الحلم المزعج، أخبره قائد الولاية الثانية أن الرجل الثوري يتعين عليه دومًا أن يحلم بما هو أجمل وأفضل ويطارد الكوابيس التي تعد نقطة ضعف لدى الثوار حتى في حالة اللاشعور.

هنا، يقول بن طوبال إن فقدان ديدوش مراد كان خسارة كبيرة للثورة الجزائرية، وكان لها أثرًا في بقية مسار الثورة، وفي تقدير سي لخضر أنه لو رافق ديدوش مراد باقي محطات الثورة، لكان يمكن تفادي الكثير من الهفوات والأخطاء والتجاوزات حصلت إبان الثورة.

وعلق قائلًا: "لو عَمّرَ كل من ديدوش وبن بولعيد وبدرجة أقل العربي بن مهيدي لكان مصير ووجه الثورة مختلفًا عما عرفنه خلال الثورة".

رجل الظل

منذ صِغْره أُطعم وأُشرب ديدوش مراد على النضال والكفاح ومقاومة المستعمر، حيث تدرج في سلم القيادة في حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية ( PPA-MTLD)وقد اختير كعضو فعال ومركزي في إرساء المنظمة الخاصة في منطقة قسنطينة وأرجائها رفقة العربي بن مهيدي، عرف عنه النشاط السري والحيطة الأمنية، لم يكن يرغب كثير في الظهور العلني بعيدًا عن الأضواء الكاشفة، كان يتمتع بإرادة فولاذية في إنجاز وتجسيد ما يتعين عليه إنجازه.

استشهد ديدوش مراد بفعل كمين أعده 400 عسكري وجندي من القوات الفرنسية، مقابل 26 مجاهدًا بدوار الصوادق قرب قسنطينة

وسط كمين أعده 400 عسكري وجندي من القوات الفرنسية، مقابل 26 مجاهدًا بدوار الصوادق قرب قسنطينة، سقط ديدوش مراد شهيدًا بعدما معركة دامت من الساعة السابعة صباحًا إلى غاية زوال ظهيرة يوم 18 يناير 1955.